لقد علمونا أن الفن مرآة تعكس الوطن ويساهم في تطوره ورقيه. بل عشنا معه في الزمن الجميل أبهى الصور حين شكل لنا نافذة أخرى نتنفس منها عبق الحرية وهو يؤدي رسالته النبيلة. كنا نبحث في مختلف تمظهراته عما كنا نحس به دون أن نستطيع التعبير عنه.
كان الفنان مثقفا بالضرورة لصيقا بهموم الوطن مواكبا لكل الأحداث بل يستطيع أن يستشرف المستقبل بعيون يقظة. الفن من الأدوات الضامنة للحرية والمعبر الحقيقي عنها بما يحافظ على ثوابت الأمة وقيمها، وبالتالي كل عمل منافي لهذه الأهداف لا نملك سوى استهجانه واستنكاره، بل نعتبره إهانة للمجتمع بكل مكوناته.
وعلى هيئة (الهاكا) ووزارة التربية الوطنية أن تقوم بواجبها اتجاه هذا السلوك الشاذ، ومن أراد تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة فعليه بل من الواجب عليه تبني مواضيع تنكب على انشغالات المواطن من خلال قصص تجيب على الأسئلة الحارقة والآنية كالهدم الذي عم الوطن دون أن نفهم سياقه وقضايا تجيب على انتظارات المواطنين وتتناول فضائح بعض الوزراء البرلمانيين وقصصهم التي تشكل مادة دسمة للسينما والمسرح والمسلسلات.
الحقيقة أني لا أتابع التلفزة المغربية عموما وبالأخص في الشهر الفضيل لاعتبارات عدة أهمها أن الجهاز كمرفق عام يمون من المال العام لا يساهم كوسيلة في الوعي والترفيه الهادف بما ينمي لدي الشعور بالانتماء. إنه عنصر مدعاة وسبب رئيسي لممارسة هجرة أخرى نحو تلفزات أجنبية تحقق لك رغباتك بشكل راقي وهادف. لا نستبعد أن الإثارة كمحرك أساسي في الأعمال التلفزية التي فطنت أن البوز ضرورة ملحة لرفع نسبة المشاهدة ولو على حساب بعض القيم . ومثل هذه الأدوار لن يقوم بها سوى من هم رهائن في قبضة من يخططون خلف الستار لبرامج تلفزية لا نعلم توجهها ولا مآلاتها. بل أن مديرها فيصل العرايشي، والذي جثم على صدورنا لثلاثة عقود ونيف رغم كل الاحتجاجات لم يتم إعفاؤه من منصبه ولم يستجب هو لمطالب المواطنين. أننا ننتظر معجزة من أشباه الفنانين الباحثين عن الشهرة والثروة على حساب مبادئ وقيم لا أحد يجادل فيها وغير خاضعة للمقايضة.
لكن دعونا نتحرى الحقيقة بعيدا عن البوز والمزايدات ونتناول موضوع الإساءة للأستاذ ورمزيته في المجتمع من منطلق السلسلة نفسها ( أولاد ايزة) ومن فكرة دنيا بوطازوت حسب الجينيريك والتي أثارت السنة الماضية ضجة في سلسلة (المكتوب ) من خلال دور الشيخة. لكن نحتاج قبل البحث عن دواعي هذه النوبة الهيستيرية المتكررة من استهداف قيم المجتمع ورموزه أن هناك من يسعى دائما لإثارة الزوابع في اعمال يقال عنها فنية ؟ لانشك لحظة أن أغلب الانتاجات لا تخضع لرقابة الهيئة، أكثر مما تخضع لضغوطات اللوبي الاقتصادي للمس تشهرين الذين لا تهمهم أخلاق ولا أعراف بقدر ما تشغله أكبر نسب من المشاهدة باعتبار لحظة الإفطار على وجه الخصوص فترة ذروة ترتفع فيها نسبة المشاهدة.
الأمر الثاني للأسف لم نعد نتوفر على مؤلفين حاملين لمشاريع ثقافية رائدة وقضايا وطنية تساهم في وعي المواطن لم نعد نشاهد فنانين مثقفين لهم شخصية قادرة على فرض توجهاتها بقدر ما اصبحنا أمام (مواقفية) تحت الطلب لأداء اي دور بغض النظر عن مضمونه أو أهدافه بل هناك من يستطيع تأدية وضعيات تناقض تصريحاته وأقواله لا يهمه سوى الغلاف المالي والسعي نحو الربح السريع. لقد أصبحنا امام فنانين رهائن لشهرة مفبركة وريع مخدوم من (تحت الدف) بلا مراقبة ولا تقييم ولا محاسبة، لا هدف لهم ولا رؤية لهم، همهم الوحيد التواجد على الشاشة مهما كلف الأمر، ولو على حساب الكرامة، فلا غرابة أن ينفذوا مشاريع لا يؤمنون بها أصلا. لكن حريصون على التواجد مهما استهجنا أعمالهم واحتقرناها. متشبثون بالشهرة دون البحث عن الحقيقة لتبقى صور الدونية حاضرة مهما علت أسهمهم لدى أسيادهم.