نبش وسفر توثيقي مع الإعلامي الحسين العمراني في صفحات من تاريخ "ذاكرة رمضان" (6)

نبش وسفر توثيقي مع الإعلامي الحسين العمراني في صفحات من تاريخ "ذاكرة رمضان" (6) الإعلامي الحسين العمراني

تطرح جريدة "أنفاس بريس" سلسلة من حلقات "ذاكرة رمضان" توثق لأهم وأبرز الأحداث التي وقعت خلال شهر رمضان منذ فجر تاريخ المغرب الإسلامي إلى المغرب المعاصر. هي سلسلة يومية من إعداد الكاتب والإعلامي الزميل الحسين العمراني الذي قام بجمعها وتوثيقها استنادا على عدة مراجع ووثائق وإصدارات.

إن السلسلة التوثيقية من "ذاكرة رمضان" تبرز عبقرية المغاربة عبر التاريخ، وتجعل المعلومة التاريخية في متناول الناشئة بأسلوب سهل ومشوق. كما أنها تكشف على أهم الأحداث الوطنية، بالخصوص التي وقعت في شهر رمضان، حيث قلما نعطي لتاريخنا مساحات في إعلامنا البصري لاستحضار مخزوننا التاريخي الذي يعتبر مصدر قوتنا وبه نكرس الانتماء لذواتنا وبوطننا، على اعتبار أن الوطنية الصادقة، والمواطنة الإيجابية بذورها الأولى يجب أن تكون من تربة الوطن، من ماضيه التليد. إذ لا يمكن أن نعايش تحديات الحاضر وإكراهات المستقبل إن لم يكن لنا ماض نستمد منه الدلالات والعبر.

حلقات "ذاكرة رمضان" تسافر بالقارئ عبر تاريـخ المغرب والأندلس ونسترجع من خلالها حضارة الأمة المغربية. هي سلسلة تسلط الضوء على ما تختـزنه وتوثقه العديد من الوقائع والأحداث التاريخية التي كان شهر رمضان مسرحا لها، حيث سنقف يوميا خلال هذا الشهر الفضيل عند منجزات شخصيات مغربية تركت الأثر ببصماتها الخالدة، الشاهدة على ذاكرة العصر.

حلقات "ذاكرة رمضان" هي سلسلة مشوّقة تسافر بالقارئ عبر تاريخ بلده، وتنفض الغبار عن وقائع تاريخية لازالت راسخة في الذاكرة المغربية عبر عدة قرون. وقد يكون من باب الصدف الإيجابية أن تعرف بلادنا العديد من المحطات التاريخية متزامنة مع شهر رمضان، برمزيته الروحية والدينية ودلالاته القدسية، وتتنوع هذه الأحداث ما بين الدينية والثقافية والرياضية والسياسية والفنية والعمرانية.

 

إليكم الحلقة السادسة من سلسلة "ذاكرة رمضان":

 

1 ـ نسخ كتاب "اللوازم العقلية في مدارك العلوم" لأبن البناء المراكشي

يوجد هذا الكتاب الموسوم بـ "اللوازم العقلية في مدارك العلوم" لمؤلفه أبو العباس أحمد ابن البناء المراكشي بالخزانة العامة بالرباط. وقد كتب هذا الكتاب بالخط المغربي، وكان الفراغ من نسخها مساء يوم الإثنين 6 رمضان من العام 1001 هجرية.

                                                  

كانت ولادة أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي في مدينة مراكش، وعرف بابن البناء نسبة لجده الذي احترف مهنة البناء، وبرز العالم المغربي المعروف بِابْنِ اَلْبِنَاءِ اَلْمَرَاكِشِيَ المزداد في العام 654 هجرية الموافق للعام 1256م، بصفة خاصة في علوم الرياضيات والفلك والطب، وكان متفننا في علوم جمة، كالتنجيم، والعلوم الخفية.

وقد قضى عالمنا أغلب فترات حياته في مسقط رأسه بمراكش، وهو معاصر للدولة المرينية، حيث أسس مدرسة علمية مهمة في المغرب، انكبّت على مدى قرون على تدريس مؤلفاته وشرحها وتداولها في مختلف جامعات العالم، وأطلق اسمه على فوهة بركانية على سطح القمر.

في مدينة مراكش درس النحو والحديث والفقه، ثم ذهب إلى فاس ودرس الطب والفلك والرياضيات. وقد حظي ابن البناء بتقدير ملوك الدولة المرينية في المغرب الذين استقدموه إلى فاس مراراً. وتوفي في مدينة مراكش عام 721هـ/1321م

أكسبه اشتغاله بالرياضيات شهرة عظيمة بين معاصريه، فنال الحظوة في بلاط دولة بني مرين في فاس فكانوا يستدعونه لإلقاء دروس الحساب والهندسة والجبر. كما اشتهر بالاعتماد على الأرقام الهندية والأرقام الغبارية، كما اشتهر بالجوانب التطبيقية في علم الحساب والموسيقي. ومن إسهامات ابن البناء في الحساب أنه أوضح النظريات الصعبة والقواعد المستعصية، وقام ببحوث مستفيضة عن الكسور، ووضع قواعد لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها، وقاعدة الخطأين لحل معادلات الدرجة الأولى، والأعمال الحسابية، وأدخل بعض التعديل على الطريقة المعروفة بـ "طريقة الخطأ الواحد" ووضع ذلك على شكل قانون.

 

2 ـ ثلاث حملات لفتح الأندلس تمت في شهر رمضان

في اليوم السادس من شهر رمضان من العام 91 هجرية، شن طريف ابن مالك، غارة على الساحل الإسباني. وعبر طريف ابن مالك المضيق الإسباني بمائة فارس وأربع مائة جندي، ونزل في مكان يُسمى حتى الآن باسمه، وهو (تاريفا).

 

تمثال طريف ابن مالك في مدينة طريفة

وقد أغار جنوده على المناطق التي تليها بالجزيرة الخضراء، وعادوا سالمين، بعد ذلك تبيّن للقائد موسى ابن نصير ضعف القوات الإسبانية، فجهز جيشاً قوامه سبعة آلاف محارب بقيادة قائده ونائبه على طنجة طارق ابن زياد بعد سنة من هذا التاريخ.

الغريب أن حملات فتح الأندلس قد حدثت كلها خلال شهر رمضان مدة ثلاث سنوات متتالية، حيث كانت الحملة الأولى لفتح الأندلس بقيادة طريف ابن مالك في رمضان من العام 91 للهجرة، ثم تلتها الحملة الثانية بقيادة طارق ابن زياد في شهر رمضان من عام 92 للهجرة، انتهاء بالحملة الثالثة بقيادة موسى ابن نصير خلال شهر رمضان من العام 93 للهجرة.

 

3 ـ المرأة الصوّامة والقوّامة التي أغوتها فاكهة الخوخ وهي صائم

يردّد المراكشيون رواية عن الأميرة مسعودة الورزكيتية أم السلطان أحمد المنصور الذهبي

وزوجة السلطان محمد الشيخ المهدي، زعيم الدولة السعدية سنة 1548، يقولون عنها ما

تداولته بعض كتب التاريخ، أنها دخلت يوما بستانا من بساتين قصورها فيها أجود فاكهة الرمان والخوخ، وحدث أن كانت حاملا، وفي بداية شهر رمضان من العام 994 هجرية، الموافق لـ 1586 ميلادية. وبينما الأميرة الورزكيتية تمشي في جنبات البساتين أغواها الخوخ، ولم تستطع أن تقاوم رغبتها فيه، فقطعت واحدة وأكلتها ناسية أنها صائمة، ولما انتبهت لزلتها، بكيت لذلك خوفا من الله، وهي الصوّامة القوّامة (كما ذكرها بلقاضي في المنتقى المقصور)، فدعت النفّارين (أي البرّاحة) وكلّفتهم بترديد هذه الأغنية للتكفير عن ذنبها، فكانوا يتغنون بكلمات هذه الأغنية ويتجولون في كل أرجاء مراكش ويرددون العبارات التالية:

لَالَّةْ عُودَةْ كْلَاتْ رَمْضَانْ / بِالْخُوخْ وَالرُّمَّانْ

لَالَّةْ عُودَةْ كْلَاتْ رَمْضَانْ / اغْفَرْ لِيهَا يَا رَحْمَانْ

وفي بعض المراجع يربطون المردّدات التالية بالأميرة الورزكيتية:

آجْرَادَةْ مَالْحَةْ / فِينْ كُنْتِ سَارْحَة ْ؟

فِي جْنَانْ الصَّالْحَةْ

آشْ كْلِيتِي آشْ شْرَبْتِي؟

غِيرْ التَّفَّاحْ وُالنَّفَّاحْ / يَا الْقَاضِي يَا بُو مَفْتَاحْ

من بين ما نقل عن الأميرة الورزكيتية أنها بنت جامع باب دكالة ما بين عام 965 هـ وعام

995 هجرية، واهتمت بإنشاء المساجد والقناطر، وإصلاح الطرق، مثل القنطرة العظيمة على وادي أم الربيع، وقنطرة وادي إسيل، ومدرسة جامع باب دكالة.