الدراما تعاني في بلادنا ولم تتطور قط رغم أن أول مسلسل تلفزيوني في المغرب أنتج في الستينات وهو ''بائعة الخبز'' للمخرج محمد حسن الجندي، أي أننا انطلقنا تقريبا في نفس الوقت الذي انطلق فيه المصريون والسوريون، فقد كانت الانطلاقة الأولى للدراما المصرية سنة 1962 بمسلسل ''لمن نحيا'' للمخرج حسين كمال، وتأليف كوثر هيكل، كما أن في نفس السنة تم انتاج مسلسل آخر وهو ''هارب من الأيام'' للمخرج نور الدمرداش، وتأليف ثروت أباظة، وبعدها تتالت الأعمال وتطورت وأتحفتنا وأمتعتنا بأجمل المسلسلات، ونفس الشيء بالنسبة للدراما السورية التي انطلقت أيضا في الستينات.
صحيح أن مسلسل ''بائعة الخبز'' للمخرج محمد حسن الجندي كان عملا متواضعا جدا بسبب الفقر في الامكانيات والتقنيات، لكن كان من الممكن أن نبني عليه ما سيأتي بعده، هذا لو كانت لدينا إرادة حقيقية، لكن للأسف حتى مع الانطلاقة الاحترافية نوعا ما في ثمانينات القرن الماضي لم نستفد شيئا، ولم نتطور، فالدراما المصرية أسست لنفسها مدرسة خاصة بها وكذا السورية، ونحن مازلنا تائهين وضائعين بين الاقتباس والسرقة من الأتراك وأعمال امريكا اللاتنية.
ورغم ذلك انتجت لدينا في الماضي بعض الأعمال الدرامية التي حققت انتشارا جماهيريا بسبب قيمتها الإبداعية، هي قليلة جدا لكنها تبقى فلتات استثنائية تميزت رغم بساطة التقنيات المتوفرة حينها، فالاجتهاد والطموح و''تمغربيت'' والثقافة التي كان يتمتع بها صناعها، جعلت منها أيقونات درامية مازلنا نتذكرها الى الآن، فيكفي أنها كانت تُعبر عن واقعنا ونشعر بمغربيتها، هذا رغم ان مواضيعها كانت محصورة في الدراما الاجتماعية ايضا، كمسلسل ''اولاد الحلال'' الذي أخرجه محمد حسن الجندي سنة 1986، وقد كانت شوارع المدن المغربية أنذاك تخلو من المارة مع بدء عرضه، والسبب أنه كان يُعبّر عنا بكل بساطة، لا شك أن المغاربة مازالوا يتذكرون أيضا مسلسل ''إنسان في الميزان'' الذي انتج سنة 1990 ويحمل توقيع فرقة الوفاء المراكشية، ومن سينسى مسلسل ''دواير الزمان'' 2000 للمخرجة فريدة بورقية، الذي نجح نجاحا مبهرا بسبب الإخراج الجميل لمخرجته، والتشخيص القوي لممثليه، وفضاءاته المختارة بعناية، والأهم عمق وتميز السيناريو الذي حمل بصمات كاتب مبدع هو عبدالرحيم بهير الذي خبر دهاليز وتقنيات الكتابة، فسيناريو هذا العمل مقتبس من روايته ''المرأة التي…''، كما أن هذا المبدع نفسه تميز ايضا في مسلسل ''أولاد الناس'' من إخراج فريدة بورقية، وأخيرا وليس آخرا من سينسى مسلسل "وجع التراب" الذي مازال الكثير من المغاربة يتغنون به، رغم انه اقتبس عن الرواية الفرنسية "الأرض" للروائي الفرنسي إميل زولا، لكن من اقتبسه وكتب السيناريو ''مَغربه'' وجعل الجمهور يغوص في أحداثه وينجذب لقصته بل ويحفظ أغنيته، والفضل في هذا يعود إلى المبدع شفيق السحيمي.
نعم، هكذا اصبحنا نتحسر على الماضي رغم قلة الأعمال الدرامية فيه وضعف الإمكانيات، ونسخط على الحاضر، الذي عرف نقلة مهمة في الكم والانتاج، لكن دون تميز فني يذكر والسبب منظومة مسوسة قتلت الإبداع، بنشر ثقافة الريع والشللية وتهميش المبدع الحقيقي، والاعتماد على طباخين كسالى لا يتقنون سوى أكلات "الفاست فود" من أجل الربح السريع.