إذا رجعنا إلى تاريخنا المغربي، سنجد أنفسنا أمام تاريخ بلد عظيم، لم نؤد له حقه، بل كنا أبناء عصاة وقساة في حقه أي "مساخيط الواليدين"، وكان هذا في فترة من فترات الدوخة الإديولوجية التي أصابتنا في الربع الاخير من القرن العشرين، لكننا استفقنا منها لنر هول ما جنيناه في حق تاريخنا المغربي، فبدأنا بالعودة إلى هويتنا وثقافتنا وتاريخنا وما زلنا في البداية التصحيحية "هذي البداية وما زال ومازال..."، المهم أننا "نومژ أغاراس".
تاريخنا المغربي يعلمنا أننا شعب عظيم، شعب متميز وفاعل في تاريخ شمال افريقيا والصحراء ومنطقة البحر المتوسط، أخذنا وأعطينا وعلمنا، وما زلنا نتعلم ونعلم…
إذا رجعنا إلى تاريخنا سنعرف أننا أول من تعامل بالصكوك المالية في العالم الإسلامي منذ ما قبل القرن العشر الميلادي أي الرابع الهجري (ما زالت تنقصنا الكثير والكثير من الأبحاث عن تاريخنا) في وقت لا يعرف فيه العالم الإسلامي وغيره مثل هذا النوع من التعامل المالي.
والخبر أورده ابن حوقل أثناء زيارته لسجلماسة، حيث لاحظ أن بعض التجار الأمازيغ فيها يتعاملون بالصكوك مع نظرائهم في المدن الإسلامية الإفريقية الأخرى..
هذا النوع من التعامل التجاري ذكره ابن حوقل في كتابه "صورة الأرض" ولم يعرفه المشارقة في عصره ، ذكره متعجبا من هذا النوع من المعاملات التجارية، التي لم يرها ولم يألفها في أغلبية البلدان التي زارها في المشرق وفي آسيا، ذكره حين تحدث عن تجار سجلماسة:
"ويقارب القيروان سجلماسة في صحة الهواء... ودخلتها في سنة أربعين فلم أر بالمغرب أكثر مشائخ في حسن سمت وممازحة للعلم وأهله إلى سعة نفوس عالية وهمم سامقة سامية.. ولقد رأيت باودغست صكا فيه ذكر حق لبعضهم على رجل من تجار اودغست، وهو من أهل سجلماسة بإثنين واربعين ألف دينار، وما رأيت ولا سمعت بالمشرق لهذه الحكاية شبها ولا نظيرا، ولقد حكيتها بالعراق وفارس وخراسان فاستطرفت".
كتاب "صورة الأرض" لابن حوقل، ص 96، منشورات دار مكتبة الحياة ، لبنان، 1992 .
فأودغست/ اوداگوست هي عاصمة مملكة أودغست (بضم الغين)، وهي مملكة أمازيغية تأسست قبل المرابطين، كانت في الجنوب المغربي، ربما تقع حاليا بموريتانيا، ونفس الاسم تقريبا تحمله بلدة ب"آيت وابلي" بإقليم طاطا وهي بلدة تاداگوست.
فتعامل التجار الأمازيغ بهذه المدن التجارية الصحراوية (أي سجلماسة وأودغست) بالصكوك في عصر ابن حوقل (القرن العاشر الميلادي، الرابع الهجري) يعتبر شيئا غريبا بالنسبة للمشارقة، بل وصلت غرابته بالنسبة لهم أن اعتبروا الأمر طرفة ونكتة عندما أخبرهم ابن حوقل بذلك.
واليوم بدأنا نعود تدريجيا إلى ريادتنا التاريخية في افريقيا ومنطقة جنوب المتوسط بعودتنا التدريجية إلى هويتنا وقيمنا الأمازيغية لأنها أساس تميزنا ونهضتنا أمس واليوم.