عبد الرفيع حمضي: "زوج بغال "والعقيد

عبد الرفيع حمضي: "زوج بغال "والعقيد عبد الرفيع حمضي
اختارت الجزائر تغيير اسم هذا المعبر الحدودي من جهتها  بعد الاستقلال  -بعدما مكث الاستعمار الفرنسي  هناك ،130 سنة بالتمام والكمال . لتطلق عليه أسما جديدا   "معبر العقيد لطفي " ،حينها أُعْتُبِرَ ان الأمر عملية تقنية صرفة تهدف تكريم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ، لاحد قادتها العسكريين فقط .حيث لم  يكن احد -من المغاربة على الأقل -يعتقد ان الموضوع اعمق من ذالك ،وأن الاسم يؤسس لرؤية سياسية ذات  بعد استراتيجي  ستحكم  مستقبل العلاقة المغربية الجزائرية مستقبلا . كما سنرى.
 
في المقابل اختار المغرب ان يحافظ على الاسم المتعارف عليه محليا بين ساكنة المنطقة من الجهتين "زوج بغال" حتى قبل دخول الاستعمار ،و الذي يقول عنه  مؤرخ المملكة المغربية  المرحوم عبد الوهاب بن منصور  في كتابه " قبائل المغرب " أن الاسم جاء بعد وقوع خلاف بين قبيلة من وجدة وقبيلة بني واسين ،حول قطعة أرضية. ادعت كل قبيلة أنها تنتمي لترابها.وللعدل بينهما وإنهاء الخلاف، حكم أحد العقلاء بينهما ،مقترحا أن ينطلق كل واحد على ظهر بغل في اتجاه الآخر، وحيثما يلتقيان فتلك هي الحدود الفاصلة بينهما. 
 
فانطلق الأول مَشْرِقاً  من ضريح سيدي يحيى بن يونس بأرض وجدة، وانطلق الآخر مَغْرِباً. من ضريح الحاجة مغنية بأرض بني واسين، فرسمت الحدود وأطلق على المكان اسم "زوج بغال". وطبعا هناك روايات اخرى .
 
 شاءت الظروف  ان ازور  قبل يومين " المركز الحدودي " زوج بغال" مع بعض الأصدقاء  ونحن الان في  الذكرى 30  لاغلاق هذا المعبر سنة 1994 من طرف القيادة  الجزائرية  بعد الهجوم على  فندق اطلس اسني بمراكش الحمراء وتورط عناصر جزائرية في الهجوم اثنان منهم لازالا   يقضيان عقوبتهما  بالسجن بالمغرب .
 
ومنذ ذالك الحين  وقبله عبر المغرب  شعبيا ورسميا عن رغبته في فتح الحدود البرية ولم ييأس  في مطلبه ولن ييأس طبعا فتاريخ الشعوب ومستقبلها لايقاس بعقود زمنية ، كما ان السياسة   الدولية الموفقة يؤطّرها مبدأين اساسيين الواقعية والأمل في المستقبل .

 ونحن في اتجاه معبر زوج بغال امتداداً  لمدينة وجدة  ، وعلى مسافة 12 كيلومتر تقريبا ، لم تخفت مظاهر الحياة وحركة السير ذهابا وإيابا ، ولست ادري هل هي الصدفة  أم مكر القدر ، فيمينا وشمالا تنتشر قاعات للأفراح ووحدات سياحية للترفيه  والمرح ولعب الأطفال ونزهة الأسر  ولعشاق الحياة . 
 
في آخر موسسة سياحية بجانب المعبر تجولنا  بفضاءاته  المتعددة قبل ان ناخد مكاننا بالمقهى . فهذه حلبة خاصة  بسباق السيارات mini karting  التي يطل عليها  مطعم ذا تجهيزات راقية . ،وتلك  حديقة للعب الأطفال وذاك أفق تطل منه أضواء مغنية بالليل …، وفي انتظار  وصول الشاي الأخضر  تساءلت بداخلي لماذا اصر  جيراننا على إطلاق إسمَ عَسْكَرِيٍ على معبر بري  مع بلد  من المفترض انه شقيق ؟ فالمعابر الحدودية في العالم عادة ما  تنسب   لمنطقة وتراب  موقعها وتواجدها فيطلق عليه اسمها الاجتماعي  لا السياسي . إلا ما ندر . 

لكنني تذكرت  انه  منذ آخر إغلاق للحدود سنة 1994 سكن قصر المراديية بالجزائر العاصمة  كل من  الرئيس اليامين زروال 1994-1999 وهو بالمناسبة قائد سابق للأركان للجيش الوطني الشعبيّ الجزائري  وهو الذي اغلقت في عهده الحدود وعبد العزيز بوتفليقة 1999-2019  و عبد القادر بن صالح  الرئيس المؤقت  - أبريل 2019  -ديسمبر 2019 وعبد المجيد تبون  منذ  ديسمبر 2019 .
 
موزعة هذه المرحلة بالذات على سبع ولايات  رئاسية:
منذ 1994 لم يجرء رئيس منتخب  (زْعْمَا) ان يقترب من ملف "زوج بغال"  وإذا  حاول ولو من باب الهزل    فالعقيد  لطفي منتصب القامة  يذكره بمن عَيَّنَه.عفوا انتخبه .
منذ 94  تم تنصيب  حكومات متتالية بلغت  عدديا إلى 29 حكومة  أولها حكومة  معالي مقداد سيفي الاولى وأخرها حكومة  سعادة ايمن عبد الرحمان  .
أليست هذه هي الديمقراطية   حكومات  ومناقشات  وتداول على الوزارات  والمقاعد  والمكاسب والمنافع ؟ لكن القرار في مكان آخر معلوم وليس مستور .
منذ 94 لم نسمع ان رئيس حكومة  من التسعة والعشرين ،طرح  يوما للنقاش  في مجلس الحكومة  مسالة  إغلاق أو فتح الحدود مع المغرب بما لها وما عليها، إذا لم يكن من منطلق الجيران، فربما من منطلق الأخوة في الدين ،وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك .فلماذا لا من منطلق المصالح ؟أليست  المصالح أساس  للعلاقات الدولية وكلنا رواد مدرسة العم  كيسنجر الديبلوماسية  ؟. 
فعند كل اجتماع للحكومة ،ما ان ينهي رئيسها البسملة (احيانا ) ويعلن  عن افتتاح الاجتماع الأسبوعي  ،إلا وينتصب العقيد لطفي  واقفا ويعطي التحية لتذكير الحضور  أنه وجماعته قريبون منهم في الغرفة الخلفية للاجتماع .
منذ 94 نظمت انتخابات تشريعية متواترة كل خمس سنوات لانتخاب أعضاء الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري 
منذ  94  والسادة البرلمانيون والبرلمانيات المحترمين والمحترمات وهم يمثلون إرادة  بلد المليون شهيد  -لا ادري ماهي وحدة الحساب -في المجلس الشعبي الوطني  يطرحون الاسئلة الشفوية والكتابية عن الذكاء الاصطناعي وعن الشيشان وأكرانيا وافغانستان  وعن السيدا وكرة القدم سيدات داخل القاعةوعن الزليج والقفطان والكسكس لكن لا احد  تساءل لا كتابيا ولا شفويا ما قصة إغلاق الحدود مع المغرب . 

 
فالعقيد لطفي يتجول بقاعة الجلسات العامة  وفضاءات اللجن البرلمانية ومكاتب  الفرق البرلمانية أغلبية ومعارضة بلباسه العسكري لكن هذه المرة  هم من يؤدون له التحية الواحد تلو  الآخر ولسان حاله يقول بصوت هادئ الخبار  فراسكم) عاد مستخدم المقهى بلباسه الأسود الأنيق وقبعته المكسيكية ،حاملا شايا اخضرا بالنعناع وبعض أعشاب منطقة -زوج بغال -التي تصر على ان تنبث رغم الجفاف لتعطي  رائحة وطعما خاصا للشاي هنا وهناك مستهزئة من قرار الإغلاق واستمراره  ومن العقيد لطفي  وعجرفته..