هذه فعلا من أكثر الأفكار والمشاريع إثارة للسخرية السوداء، ليس على المستوى المغاربي، او العربي، أو حتى المتوسطي والإفريقي... بل على الصعيد العالمي، وبكل جدارة واستحقاق... فكيف ذلك؟!
بداية، عندما تدعو دولة من الدول دولةً أخرى، أو مجموعة دول أخرى، للدخول معها في محور أو اتحاد، أو في أي إطار آخر يمكن أن تقام فيه علاقات تعاون وتنسيق مستديم ومتكامل، فمن المنطقي والبديهي أن تكون الدولة الداعية إلى ربط ذلك الضرب من العلاقات قادرةً هي ذاتها على الإتيان بقيمة مضافة إلى مشروعها التنسيقي أو الوحدوي، وبالتالي قادرةً على ان تفيد الطرف الآخر، في هذه الشراكة أو التوأمة أو الاتحاد، بما يجعله مقبلاً على هذا المشروع متزوِّداً بما يمتلكه هو الآخر من قدرات وكفاءات سياسية او اقتصادية أو ثقافية تسد الثغرات التي يشكو منها باقي الأطراف أو أحدها... ومن هنا بالذات، يكون المشروع الوحدوي واعداً ونتائجه وثماره مضمونةً بمعايير الواقع، لا بالشقشقات والأدبيات الكلامية فحسب!!
إن شرط القدرة هذا، على تقديم إضافات ومنافع للطرف او الأطراف الأخرى في المشروع، يُعتبَر واجباً ولازماً بكل المعايير، وعلى صعيد كافة أطراف المشروع وإلا فإن هذا الأخير سيكون مشروعاً ميّتاً في مهده، بل ميتاً قبل ولادته!!
نأتي الآن إلى "جزائر المليار شهيد" (!!!)، لنقف على الواقع التالي:
1- استقرار سياسي منعدم تماماً، في ظل نظام عسكري شمولي يشكو من تعدد الأجنحة، ويقوم بين أجنحته صراعٌ على البقاءٍ لا ينتهي، ولذلك يشاهد العالم بين يوم وآخر تصفيات جسدية واعتقالات بالجملة تنزل فؤوسُها فوق رأس جنرال أو عقيد أو لواء أو نحوه، حتى بات عدد المعتقلين من هؤلاء، وكذا الذين تمت تصفيتهم جسدياً باغتيالات فاضحة، غير قابل للعدّ والإحصاء؛
2- حراك جماهيري مكبوت وخاضع لضغط رهيب ينذر بانفجاره في أي لحظة، ولا أحد داخل الجزائر او خارجها، وحتى داخل دواليبها القيادية، يستطيع أن يتوقّع أي شيء في هذا الباب؛
3- أحوال اقتصادية متردية إلى أسفل سافلين، بالرغم من عائدات الغاز والنفط، التي أثمرت في فترة سابقة حوالي 1500 مليار دولار من العملة الصعبة في الخزينة الجزائرية العامة، في عهد بوتفليقة، ولا أحد يستطيع أن يقول، أو حتى يسأل، أين ذهب أكثر من نصف تلك الثروة المُهْوِلة، علماً بأن الرصيد الحالي لدى تلك الخزينة لا يتعدى بالكاد 200 مليار دولار؛
4- سقوط مدوٍّ للدينار الجزائري وصعود مستوى التضخم بشكل غير معقول وغير منطقي، مما يدل على أن الجزائر ليست دولة بترول وغاز كما يُفترَض لها أن تكون، وكما هي دول الخليج مثلاً، وإنما هي "تاجر شنطة" يبيع الغاز والبترول ويقبض الثمن... ثم لا شيء بعد ذلك، لا تخطيط ولا توقّع ولا برمجة ولا حسيب ولا رقيب؛
5- شعب جزائري مصاب بكل الآفات، يخرج عن بكرة أبيه يوميا، بالملايين، لينتظم في طوابير تستمر لساعات طوال من أجل الظفر بكيس حليب أو كيلوغرام سميد أو عدس أو فاصوليا أو زجاجة زيت... أو حتى "بقنينة غاز في بلد الغاز"، على وزن ذلك الذي "أصابه الزكام في بلد فليو" كما يقول المثل الشعبي الساخر؛
6- غياب أي تخطيط أو أفق اقتصادي يمكن أن يشكّل مرتكَزاً لتوقعات مستقبلية جديرة بالثقة، وقابلة لصياغة مجرد تصوّرات لمستقبل اقتصادي واجتماعي واضح المعالم؛
7- انعدام طبيعي ومنطقي للأمن في ظل الوضع غير المستقر، وقيام صراعات لا تنتهي فيما بين الأجهزة، إلى درجة أصبحت معها أفراد المخابرات الداخلية والخارجية يتحركون وهم يتلفّتون يميناً ويساراً كما يفعل الذين "يحسبون كل صيحة عليهم"، ويستمرون في وضع أيديهم على أعناقهم وفوق رؤوسهم تحسُّباً لأي فأس قد يقع على الرأس فجأةً وكأنه قادمٌ من فراغ؛
8- جهاز للدفاع "كَمِّيّ" بكل المعايير، مع تدني فاضح في مستواه "النوعي"، لأنه يكتفي بشراء الأسلحة وتكديسها كما كان يفعل صدّام والقذافي، وتقريباً من مصدر واحد هو روسيا الاتحادية، وتخزينها كأنما يُعِدُّها ليوم القيامة، ثم يكتفي بين الحين والآخر باستعمالها استعمالا باذخاً ومُكَلِّفاً في مناورات لا نفع فيها، وبالذخيرة الحية، تحولت لكثرتها وعدم فعاليتها إلى مجرد ألعاب نارية يتسلى بها رئيس الأركان وحَواريوه تحت أنظار عالم يستلقي من فرط الضحك على قفاه، والأدهى من ذلك، أن الجانب النوعي للأسلحة الروسية المقتناة لا يشكّل هاجسا نوعيا للقيادات الشائخة والغبية، لأن كل همّها هو أن تشتري، وتشتري، وتشتري، فتملأ بذلك الخزائنَ الروسيةَ "بالغازُودولار"، وتملأ جيوبها بنسب عالية من العمولات او الكومسيون، التي جعلت من تلك القيادات مليارديرات في غِنَى فاحش، وجعلت من أبنائهم المقيمين بأوروبا وأمريكا أمراء يلعبون بمقدَّرات الشعب الجزائري المغلوب على أمره، والذي صار السؤال مُلِحّاّ عن مدى توفره على "رجال" بالمعنى العمليّ للكلمة، مِن الذين يمكن أن يجرُؤوا ذات يوم مقبل على الخروج في حركة عصيان مدني لا تنتهي إلا برحيل شيوخ العسكر عن أرائكهم الوثيرة وانتقالهم إلى حيث مكانهم المنطقي، داخل مزبلة التاريخ؛
9- نظام يقوم عليه شيوخ فوق السبعين من العمر، وهو منطقياً سن الحكمة والرزانة والسداد والتأنّي... لولا أن هؤلاء يقضون سحابة لياليهم في العربدة والسُّكْر الطافحَيْن، والأدهى من ذلك أنهم لا يتخذون قراراتهم إلا وهم في حالة غياب كلي او جزئي عن الواقع من فرط إدمانهم، ولذلك يراهم العالم وهم يغيّرون قراراتِهم ومواقفَهم أكثر مما يفعلونه بجواربهم الثخينة وأحذيتهم الثقيلة؛
10- وأخيراً وليس آخراً، إفلاح ذلك النظام، فقط لا غير، في امتلاك قدرة جبّارة، إلى درجة المثالية، على صنع عداوات تتناسل يميناً وشِمالا، وفي المحيط المباشر قبل غيره، إلى درجة صارت معها سحب الحرب تخيّم على الحدود الجزائرية من كل الجهات التي لها فيها حدود مع الغير... جهة مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ جهة ليبيا المضطربة والنائمة أمام فوّهة مدفع؛ جهة موريتانيا التي قد يصل الضغط الذي يمارسه النظام الجزائري عليها إلى حدوده القصوى، التي لن يكون بعدها سوى الانفجار والاصطدام؛ جهة تونس، التي يبدو في أفقها المنظور تمردٌ شعبيٌّ لن يلبث أن تنفجر وتشتعل نيرانه بسبب سلوك النظام الجزائري ذاته، والذي حوّل تونس الرئيس الأبله قيس سعيّد إلى ولاية جزائرية بكل المقاييس؛ ثم جهة المغرب؛ الذي يحلم النظام الجزائري بتفكيكه ثم الدخول معه في حرب لا يملك الجرأة ولا الشجاعة على خوضها بالفعل، ولذلك يكتفي بالتلويح بها بشكل كاريكاتوري صار مثاراً للسأم والملل لدى عالم منشغل بملفات كبرى ينعقد عليها مستقبل الإنسانية، كتهديدات الاحتباس الحراري، التي صارت تنذر بالفناء، وكبُؤَر التوتر والصراع، الحقيقية وليست الكلامية، في مناطق معلومة من القارات الخمس...
كل هذه المعاينات الملموسة، تجعل من الجزائر آخر دولة يمكن لها أن تشكّل طرفاً فاعلاً في أي توأمة أو اتحاد جاد وفاعل وواعد، مع أي طرف آخر، بغض النظر عن أحوال هذا الطرف الآخر أو ذاك.. فبالأحرى أن تكون الجزائر الطرف الداعي والمؤسس الرئيسي لمثل ذلك المشروع!!
والآن، لنتأمل واقع الأطراف الثلاثة الأخرى التي يحاول نظام العجزة ان يصنع معها تكتلاً أو اتحاداً أو حتى محوراً ضد المملكة المغربية، التي استمدّ منها اتحاد "المغرب العربي" أو "المغرب الكبير" اسمه منذ انبلاج فكرة تأسيسه بمدينة مراكش سنة 1988:
1- تونس: منذ سرق الرئيس قيس سعيّد كرسي السلطة بهذا البلد، وبادر إلى حل البرلمان، وانطلق في حكم فردي مُقَنّع خلف مفاهيم لا يفهمها أحد من اخصائيي القانونين الدستوري والدولي، وهو يحوّل بلاده مع مرور الوقت إلى مجرد ولاية جزائرية من جراء تهافُتِه على فُتات المال الجزائري بشكل فاضح وأمام الملأ.. ويضع بلاده بالتالي على فوهة بركان اجتماعي يوشك أن ينفجر ويُعيد في أي لحظة تجربة الربيع "التونسي/العربي" لسنة 2011، انطلاقاً مما عوّدنا عليه شعب تونس الشقيق، الذي يظل جالسا على ركامات رماد لا تلبث أن تستعيد جذوتَها في أي وقت وبلا سابق إشعار...
زيادة على هذا، فتونس بلد في غاية الضعف والهوان بسبب نظامه هذا بالذات، ومَن كان في حالة ضعف وهوان كهذه لا يسعه منطقيا أن يشكّل عنصر قوة في أي اتحاد مهما كان نوعه، حتى ولو كان اتحاداً في مجال الموسيقى والطرب، أو في أي مجال آخر غير السياسة والاقتصاد والصناعة والتجارة والدفاع والأمن... ثم أيّ فائدة يمكن أن يجنيها التونسيون بدورهم من دولة جزائرية بالمواصفات المؤسفة والمعَبَّر عنها أعلاه؟!
2- ليبيا: إن الأحوال الليبية تتحدث عن نفسها بلا حاجة إلى إطناب... فالبلد في حالة من التفكك، والصراع محتدم بين فصائل ليبية كثيرة تركها غيرُ المأسوف عليه معمر القذافي في أهْوَنِ حالٍ من جميع الجوانب، لأنه كان وحده دون غيره الرجل القوي في مجموع التراب الليبي، ولا أحد غيره، حتى أنه بالغ في تَقَمُّص دور الرجل/الظاهرة، إلى درجة الإصابةِ بجنون العظمة وتنصيبِ نفسِه "ملكاً على ملوك إفريقيا"، ويا له من توصيف في غاية السريالية!!
ليبيا إذن في حالة ضعف تفوق الحالة التونسية، مادام طرفا النزاع الرئيسيان فيها، بقيادة كلٍّ من الدبيبة وحفتر، يضعان أصابعهما على الزناد تحسبا لأيِّ احتكاك ساخن محتمل!! ثم أيُّ خير وأيُّ فائدة يمكن أن تُجنَى من الدبيبة الذي تظهر عليه علامات الغباء السياسي من خلال اختيارات كثيرة وضع البلاد فيها في أحرج المواقف؛ والجنرال حفتر، الذي لا يختلف كثيرا عن جنرالات الجزائر، ولذلك فهو مرشّح للتصادم مع هؤلاء الأواخر أكثر من ترشُّحِه للدخول معهم في أي وئام؟!
ثم كيف يتصور أغبياء النظام الجزائري، بدءًا "بالرئيس/الدمية" و"رئيس الأركان/المَسْخَرة"، أنّه في الإمكان جر ليبيا، وهي منقسمة فيما بين مكوّناتها، إلى اتحاد يستحيل قيامُه إلا بين أعضاء يتمتعون بالوحدة والاستقرار داخل ترابهم الوطني كأولوية الأولويات، وضد مَن؟ ضد مغرب يعترف الليبيون بمختلف فصائلهم المتنازعة بقدرته المثالية غلى صنع التوافق والمصالحة فيما بينهم بدون أدنى خلفايات أو انحيازات مُسْبقة؟!
3- موريتانيا: هذه هي الأخرى في قمة الضعف والهلهلة، لولا أن الألطاف الإلهية اقتضت أن تنسحب من هذا المشروع الملتبس والمثير للضحك، لأن رئيسها، ولد الغزواني، أبان عن كثير من الحكمة والاتزان بخلاف نظيرَيْه التونسي والجزائري، ففضل الإبقاء على علاقاته الطبيعية والطيبة مع جاره المغربي، كما كانت دائما منذ نشوء موريتانيا رسميا في متم ستّينات القرن الماضي داخل أبهاء المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بالرباط غداة حرق المسجد الأقصى...
أيُّ حشرةٍ سامّةٍ إذَنْ، هذه التي لسعت رؤوس سكان الموراديا حتى ذهب بهم "خيالهم اللاعلمي" إلى درجة إنشاء اتحاد من مجموعة يُمَيِّزُها "اللااتحاد"، واللاقوة، واللااستقرار؟!!
أمَا كان غلى حكام الموراديا مثلا أن يتعلموا شيئا ولو طفيفاً من التجربة والحنكة المغربيَتَيْن، فيبدأوا بالبحث الجاد والمسؤول عن سبل إرساء دعائم الاستقرار داخل وطنهم أولاً، ثم بعد ذلك لدى إخوانهم وجيرانهم التونسيين والليبيين، بدلا من التشبّه بأطفال في سنوات طفولتهم الصغرى يلعبون بقنابل موقوتة أسقطتها إحدى الصُّدَف القاتلة بين أناملهم الدقيقة يكادون يفتحون بها أبواب جهنم؟!!
لكن، هل بلغ النضج العقلي والسياسي بأطفال المراديا الشائخين إلى درجة تقديرهم لهذه الأُلْعوبات الخطيرة؟... ذاك هو السؤال!!!
محمد عزيز الوكيلي/ إطار تربوي