نتذكر جميعاً الأزمة التي عاشها المغرب والبرلمان الأوروبي، قبل سنوات، بسبب التقارير التي أصدرها هذا الأخير حول حقوق الإنسان وقضية الصحراء، وكان لتقاريره أثر سلبي على العلاقة بينهما؛ الآن وبعد تلك الأزمة يبدو أن الأمور تتجه نحو عودتها لسابق عهدها، لنقل عودتها بنوع من الهدوء لحين تطبيعها بشكل كامل. مردُّ هذا الحديث التطورات التي شهدها البرلمان الأوروبي ارتباطاً بالمسودة التي تم إعدادها وانتهت بعد جهد دبلوماسي كبير إلى إسقاط موضوع «الصحراء الغربية» من قاموسها، خاصة وأنه كانت هناك محاولات وتحركات للإشارة إليها ضمن التضامن مع فلسطين ليتم إجهاضها بفضل ما تم القيام به من تحرك دبلوماسي كبير قوي، سواء المغربي منه من خلال الرسائل التي وجهها سفراء المغرب بأوروبا لمختلف أعضاء البرلمان الأوروبي، أو تلك التي تم القيام بها من طرف البرلمانيين الأوروبيين أصدقاء المغرب.
لقد كان يُفترض أن يتضمن التقرير عبارة « إيلاء اهتمام خاص لحالة حقوق الإنسان في الصحراء»، مع وصفها بأنها واقعة «تحت الاحتلال»، وهي العبارة التي أُسقطت من مسودة التقرير بعد المجهود الذي تم القيام به من طرف كتل البرلمانيين الأعضاء في مختلف الأحزاب الأوروبية الممثلة بالبرلمان الأوروبي، من الاشتراكيين إلى الليبراليين إلى حزب الشعب «اليمين»، وقد لقيت هذه المبادرة دعماً من منسق اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان عضو البرلمان الأوروبي الإسباني الاشتراكي، الذي كان داعماً للتحرك المغربي الدبلوماسي الذي كان في مستوى اللحظة كما كان سريعاً، فعالاً واستباقياً لصدور التقرير، مما جنب المغرب والبرلمان الأوروبي فصلا جديدا من فصول المواجهة بينهما.
لقد كشف تعديل المسودة ليس فقط إيجابية التحرك المغربي، لكن انهيار الأطروحة الانفصالية داخل البرلمان الأوروبي، التي كان يتم الترويج لها أوروبيا، ليس فقط سياسياً بل على مستوى التأثير داخل المؤسسات الأوروبية، بحيث كان البرلمان الأوروبي يشهد حالات انفلات سياسي تشهد تسلل البرلمانيين الأوروبيين الموالين للبوليساريو والنظام الجزائري لتضمين فقرات ضمن التقارير التي كانت تصدر من البرلمان الأوروبي معادية للمغرب وماسة بمصالحه الحيوية، هذا الانفلات الذي كان يراد مرة أخرى إحداثه، فشل بقرار سياسي اتخذته الكتل البرلمانية، وتعزز بالرسائل التي وجهها سفراء المغرب بأوروبا لمجموع الكتل البرلمانية لتوضيح حقيقة الوضع في الصحراء حقوقياً، تنموياً وسياسياً، في مرافعة دبلوماسية قوية كشفت زيف الأطروحة التي كان يتم الترويج لها سابقاً، والتي كان يُراد مرة أخرى تضمينها في تقرير اللجنة حول حالة حقوق الإنسان والديموقراطية في العالم من بينها المغرب.
البرلمان الأوروبي يبدو من خلال رفض المقترحات المعادية للوحدة الترابية المغربية أنه يريد تدشين علاقة جديدة مع المغرب، ساهم فيها بالأساس البرلمانيون الإسبان خاصة الاشتراكيين منهم الذين أثبتوا أنهم أصدقاء أوفياء للمغرب ولهم التزام سياسي واضح تجاه تحصين العلاقة المغربية-الإسبانية وتنفيذ التزامهم السياسي الناجم عن الإعلان الإسباني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي، كما يضاف إليها الأجواء الإيجابية التي تشهدها العلاقة المغربية الفرنسية، بفضل ما تعيشه، تقييماً جديداً يريد الدفع بها نحو العودة لطابعها الاستراتيجي، هذان العنصران كانا مساعدين في إجهاض محاولة تمرير التوصية التي تم اقتراحها وانتهت بالفشل..
إن المغرب بفضل تنظيم تحركه الدبلوماسي من خلال دعم المبادرات التي تم القيام به، واستثمار علاقته القوية مع إسبانيا وعودة الهدوء للعلاقة مع فرنسا استطاع أن يُحبط هذه المناورة التي لو نجحت لكانت أعادتنا لفصل جديد من فصول الأزمة الشديدة التي سبق أن عاشها المغرب مع البرلمان الأوروبي، وهي الأزمة التي كانت مرتبطة ببيانات وقرارات صادرة عن هذا الأخير تحمل مواقف معادية للمغرب، وكانت قد شهدت تحركاً قوياً آنذاك للمغرب رسميا، مؤسساتياً وشعبياً للرد عليها، حالياً يبدو أن التحرك الأوروبي كان بدافع عدم العودة في الاصطدام، والحفاظ على حالة الاستقرار التي تشهدها العلاقة بين الطرفين خاصة في ظل الرغبة في تجديد مختلف الاتفاقيات التي تجمعهما وتشمل التبادل التجاري في مجالات الصيد البحري، الفلاحي…
لذلك نحن أمام مقدمة لعودة الشراكة التي جمعت مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي والمغرب خاصة البرلمان الأوروبي منه، وبهذا الموقف السياسي الجديد من الصحراء المغربية نكون قد دشنا مرحلة جديدة يجب أن يتم استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية للمغرب بوابتها التقارير الحقوقية، هذه التقارير يجب أن يكون هناك حرص دبلوماسي مغربي شديد على أن تكون في خدمة المغرب وقضاياه لا العكس، وهنا تكون الدبلوماسية قد تفوقت…وأجهضت المخطط!!