يوسف غريب: الفقه بين العلم والتهريج

يوسف غريب: الفقه بين العلم والتهريج يوسف غريب
من بين تجاربي الإعلامية التي أعتز بها هي محاورتي لأكثر من 30 فقيه وعلامة بسوس الكبرى والصحراء.. أنجزتها حينها لجريدة الأحداث المغربية مباشرة بعد تفجيرات ماي 2003.. نظراً لما تركته هذه التجربة الروحية من أثر إيجابي على مساري كإنسان، وأنا ألامس تواضع هؤلاء العلماء حين تكون بحضرتهم.. وحديثهم اللّيّن  لحظة سماعهم.. وغناهم في التحصيل والتهذيب تغنيهم عن إغراءات وملذات الحياة.. هناك وسط جبال سوس والصحراء وبأدنى شروط الحياة المدنية في غالب الأحيان.. حتّى اني سميت أحدهم بفقيه مناضل.. نعم بقرية أداي..
وبعد منعجرات الطريق بسيارة خاصة بالمدرسة العتيقة المكلفة بنقل الخبز ومواد غذائية إليها وصلت.. لأجد أكثر من 600 طالب من حفظة القرآن وعلوم الشرع تحت إشراف الحاج الطيب.. بعد اللقاء معه وتسجيل الحوار دفعني الفضول الصحفي لاستفسر احد معاونيه عن الموارد المالية ومصدرها؟! أخبرني أن الفقيه يسافر كل خميس إلى الدار البيضاء من أجل جمع الأموال لدى أحباء المدرسة وطلاب العلم.. كان ذلك سنة 2003.
تذكّرت كل هذا الشريط وأنا أزوره بموسم الإحتفال بالمدارس العتيقة للا تعلات الخميس الماضي، لأجد الزمن قد بلغ به من العمر عتيّا دون أن يصل إلى هذه  الروح الطيبة التي استقبلني بها وغيري من الزوار وبكثافة..
لم تغرب شمس ذلك اليوم حتّى توصلت بشريط فيديو لشخص تظهر عليه كل علامات التدين من حيث الشكل تحت اسم عمر اباعمّار يقذف في فقيهنا الحاج الطيب الذي يعتبر مجرما في نظره..وهو الذي أنذر نفسه لمدة تزيد عن 70 سنة للتدريس والتحصيل والتعليم،  بل وصلت به الجرأة الوقحة أن ينفي عليه صفة العالم..
بقدر ما كانت صدمتي قوية في هذا الهجوم على قامة فقهية معروفة على المستوى الوطني آخرها شهادة من السيد عبد الله بنكيران مؤخرا، وقبله الكثير من الفقهاء من مجالسيه، وبعدهم الآلاف من الطلبة خريجي مدرسة أداي العتيقة هم أئمة وخطباء بمختلف منابر المملكة وفي دول أفريقيا والخليج وعند مغاربة المهجر.. بل وأستحضر شهادة  فقيدنا الفقيه العلامة الشريف الإدريسي سيدي أحمد بسيدي بوسحاب - شتوكة.. حين زرته بعد لقائي بالحاج الطيب.. فقلت له:
( لقد قيل لي بأنه يكتب للناس وفي النّاس)
بدأ يضربني على فخدي دون أن ينظر إليّ  كنوع من التوبيخ مردّداً عبارة:
(لكنّه يطعم النّاس ويعلّمهم)
هذه شهادة فقيه في حق فقيه آخر حوّله بعض من سقطوا سهوا على منبر الوعظ والإرشاد وانتحلوا هذه الصفة بدون وجه حق إن على مستوى التكوين المعرفي أوالأخلاقي.. وخير شاهد على هذا السقوط هو أنه لا يتقن في مجمل خرجاته سوى التجريح والتشكيك في دين المغاربة وطريقة تدينهم بالإكثار من كلام العامة. والمبالغة في ضرب المثل التافهة. وتضحيك الناس والتهريج عليهم، والإستخفاف بعقولهم وغيرها تجعله هذا الشخص أقرب إلى المهرج منه إلى الواعظ والمرشد أو الداعية.. بدليل الآية الكريمة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
الآية الكريمة تخبرنا أيها المهرّج بأن الله وحده أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.. 
وهي قطعاً تحرّم على أيّ شخص كيفما كانت درجة علمه وتفقهه أن يحاكم الناس في نواياهم التدينية.. فكيف بشخص يتنكر داخل جلباب كي يزكي نفسه ويجرّم غيره.. وهو جاهل بكونه قد تتطاول على اختصاص حصريّ لله سبحانه وتعالى..
بل كيف نفسّر هذا الصّمت المريب للمؤسسة الوصيّة على الشأن الديني وهي تترك مثل هذه الطفيليات تتسرب إلى منبر الإفتاء في أمور الدين دون وجه حق لا من حيث التكوين والتدرج في مراتب الفقه والعلوم الشرعية ،وهو بهذا المعنى يكون في وضعية انتحال صفة الفقيه المنظمة بقوانين ومرجعيات.. ولا أجد أي فرق بين هذه الحالة وحالات في مهن ووظائف أخري.
هو صمت غير مفهوم بترك المجال لكل من هبّ ودبّ وبدون خلفية معرفية متخصصة يعطي لنفسه الحقّ في أن يمثلنا عنّا دور الضمير الأخلاقي وحارس المعبد بأسلوب الترهيب والوعيد..حد التشكيك في نوايا الناس.. بعيدين كل البعد عن مبادئ وأخلاقية الواعظ التي فيها الخليل :( هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب).
أما هذا  النوع من المهرّجين فقد سجل لنا التاريخ سقوطهم عند ابسط امتحان الحياة، وسيسقط العديد منهم غداً بكل تأكيد لانهم لم يكونوا سوى نقلة عابرة وأصوات هوجاء لا تتجاوز مواعظهم حناجرهم، هذا النوع من الوعاظ -ببساطة- لم يكن سوى مرتزق يتخذ من الدين غطاء لمصالح شخصية أو مهرج بائس استغل جهل الأمة وغباءها في تشكيل شخصية ذات نفوذ ديني، مما يجعله واجهة دينية نافرة..
لهذا النوع.. وعلى رأسهم هذا المنتحل لصفة الفقيه أن يدبّر الآية الكريمة:
(وأنذر عشيرتك الأقربين)
دبّر حال الأقربين إليك أوّلاً.. وبين الحين والآخر تعود إلى ذاك الوشم بذراعيك حتى لا تنسى من أين أتيت... لعل ذلك يجعلك تبتعد عن تجريح الناس وتبخيس مصادر رزقهم..
اقول قولي هذا واستغفر الله تبارك وتعالى
 
 
يوسف غريب كاتب /صحافي