هل يمكن الاكتفاء بالمشاريع الميكرو-ثقافية لترسيخ قيم التسامح والتعايش؟ هل الرهان على المشاريع الثقافية المحلية ذات الحمولة القيمية ولو ببعدها الكوني كاف لمحاصرة خطاب الكراهية وتجفيف حاضنات الإرهاب والتطرف؟
هي أسئلة قوية كانت موضوع نقاش داخلي بالمرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف، حيث أن الدينامية المحلية ولو ببعد قيمي كوني تظل محدودة الأثر لترويج الصورة الحضارية لمغرب التسامح والتعايش وللترافع الدولي حول مغرب التسامح وأن ما يقع في المغرب من تطرف قد يصل للعنف باسم الدين أحيانا ليس بنيويا ولا منتوجا حضاريا مغربيا، بل هو ظاهرة مستورة دخيلة، ونشاز سوسيو ثقافي... لا يفسر نجد لها تفسيرا في المسار التاريخي للمغرب.
فكيف نرسخ لهذه الصورة الحضارية لمغرب التعايش والتسامح وفي الوقت ذاته نجسر بين الشعوب بغض النظر عن العرق والعقيدة واللون والنوع والجنس والخلفية الثقافية...؟
للإجابة على مجمل هذه التساؤلات، تشكلت لجنة للتفكير بالمرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف لصياغة الأفكار والتصورات التي من شأنها دعم لجنة صياغة المشاريع الماكرو-اجتماعية والثقافية في بناء تصور عملي عقلاني واقعي قابل للتنفيذ والتطور والتجديد ومفتوح على الشركاء المحليين والدوليين من منظمات مدنية ومؤسسات عمومية وداعمين في مجال التنمية والتربية والحقوق والتعددية الإثنية والعقدية.
من هذه التصورات والمسار التفكيري بزغت فكرة تأسيس" متحف الأديان"... فضاء الحوار وتشكيل جبهة مدنية ثقافية متعددة المتدخلين في اللاهوت والديمقراطية والقيم الكونية.
وبعدما صادق المكتب التنفيذي على الفكرة، ها هو الآن مشروع "متحف الأديان " يمر إلى مرحلة الدراسة لصياغة هذا المشروع الوطني الدولي ذي البعد القيمي الكوني المتعدد الأطراف والأطياف الثقافية والعقدية لمواجهة مخططات التدمير باسم التكفير أو النقاء العرقي أو الاستعلاء الحضاري.
مشروع " متحف الأديان " هو أولا فضاء سيتجاور فيه الرأسمال الرمزي للأديان الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحية، تجاورا يسمح بالتقاط الرسالة المشتركة لهم ليس في المنظومة اللاهوتية فحسب ولا في الشعائر ولا الطقوس بل في التصور المشترك لكل هذه الأديان حول سعادة الإنسان وكرامته.
فكل الأديان جاءت لخدمة الإنسان، وإن اختلفت في الوسائل ولكن كلها تلتئم عند بؤرة الرسالة نفسها... السلام والأمن الروحي والمحبة والتضامن والعدالة والكرامة والحرية المسؤولة والفضيلة.
يسارع المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف الزمن لوضع اللمسات الأخيرة على هذا المشروع التسامحي القيمي الكوني، بالبحث عن النواة الأولى للشراكة التي من شأنها السماح بالتوطين ثم الإغناء عبر مؤسسات مدنية ودينية ودولية للمتحف بالرأسمال المادي الرمزي واللامادي التاريخي والفني والثقافي.
من المنتظر أن يكون " متحف الأديان٠" فضاء معرفيا وتاريخيا وحضاريا، ومركزا للدراسات والفعاليات المتعلقة بحوار الأديان، وفضاء لوضع استراتيجية متعددة الأديان لترسيخ السلام ومواجهة خطاب الكراهية والتوثيق للألم والجراح والمآسي التي يخلفها خطاب الكراهية والتطرف ومعاداة السامية والاسلاموفويا والتكفيري ومكتبة ورقية ورقمية كونية.
" متحف الأديان" مشروع حضاري مغربي لكنه كوني... يسهر منذ سنة المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف على صياغة تصور كامل لمدخلاته ومخرجاته ولكل العمليات التأسيسية بدقة ويحتاج إلى إرادات متنوعة تراهن على المواطن الكوني في إطار المجتمع الدولي الذي يتأسس وفق منظومة قيمية تراهن على قيم الحق في الاختلاف وترسخ القناعة بأن الاختلاف هو غنى وأن التنوع هو مصير الحضارة، وأن كل مواجهة كل خطاب للكراهية على أساس تمييزي أو ديني مسؤولية الجميع بغض النظر عن الدين والعرق والنوع.
هو مشروع طموح ماكرو-ثقافي تحديات كبرى مفتوح على كل الأفكار وعلى كل شراكة ممكنة ولا يمكن أن يؤدي رسالته إلا بدعم متعدد الأطراف لكنه ملتحم حول جبهة لمواجهة التطرف بالرأسمال اللامادي والمادي الرمزي والفعاليات المتعددة الديانات .
إنه انطلق كالحلم لكنه الإرادة حولته إلى مشروع، وانفتاحه على مبادرات محتملة هو إغراء للرؤية يراهن المرصد المغربي لنبذ الإرهاب على جعله محطة سياحية وثقافية وحضارية، بتكاثف الإرادات والانخراط العمومي والخاص والمدني والأكاديمي في تنزيله إلى أرض الواقع وطبعا في إطار رؤية مشتركة مع المؤسسات المنتخبة وكل الأطياف الدينية.