محمد الطيار: هل وصلت الأمم المتحدة إلى الطريق المسدود في قضية الصحراء المغربية؟

محمد الطيار: هل وصلت الأمم المتحدة إلى الطريق المسدود في قضية الصحراء المغربية؟ محمد الطيار

يبدو أن زيارة "دي ميستورا" المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية، لدولة جنوب إفريقيا مؤخرا استجابةً لدعوة من حكومتها لمناقشة قضية الصحراء، وهي الدولة المعادية بشكل سافر للوحدة الترابية للمملكة المغربية والتي ليس لها أي دور فيما يخص الملف، ستكون لها تداعيات واسعة على العملية السياسية في المنطقة حيث تجاوزت صلاحيات المبعوث الأممي، وخرجت عن الإطار الذي يحدد دوره في الوساطة بين الأطراف المعنية بتسوية النزاع، وستؤدي إلى وضعية الانسداد التي لابد من تحققها بحكم تراكمات عديدة، جعلت الأمم المتحدة رهينة لصراعات القوى الدولية ولاستراتيجيات تبتغي عرقلة تقدم المغرب، وعرقلة حسم هذا النزاع المفتعل.

فهذه المنظمة الدولية تحاول تجاوز العديد من الحقائق الواقعية، التي تؤكد أن نزاع الصحراء المغربية هو نزاع مفتعل لا علاقة له بالشعارات المرفوعة، وقد تم حسمه فعليا منذ عقود خلت، فقد تم في البداية توظيف منظمة الوحدة الإفريقية للنيل من الوحدة الترابية للمغرب وفشلت فشلا ذريعا، وأما منظمة الأمم المتحدة فقد وصلت للباب المسدود.

فالنزاع المفتعل تم حسمه بشكل واضح من خلال عدة محطات نذكر منها على سبيل المثال:

اتفاقية مدريد

النزاع المفتعل تم حسمه باتفاقية مدريد الموقعة بين اسبانيا والمغرب وموريتانيا، وهوما صرح به رئيس الحكومة الاسبانية السيد "ارياس نافارو" يوم 28 يناير 1976 أمام الكورتيس الاسباني، بخصوص مناقشة عقد اتفاقية مدريد، حيث أشار إلى "إن إسبانيا لم تعمل سوى على احترام إرادة الساكنة الصحراوية، وتوجهات الأمم المتحدة. لقد سعت الحكومة الإسبانية إلى غاية عام 1974، إلى تنظيم استفتاء، ولكنها عدلت عن الفكرة أمام "محكمة العدل الدولية" فيما يتعلق بسيادة الإقليم. ومن جهة أخرى، فإن إسبانيا قد احترمت إرادة الساكنة عبر البند الذي ينص على استشارة الصحراويين عبر قناة جمعيتهم (البرلمانية): "الجماعة"".

اعلان الأمم المتحدة صراحة عن استحالة تنظيم استفتاء بالصحراء

أعلنت الأمم المتحدة صراحة عن استحالة تنظيم استفتاء بالصحراء، حيث وقفت على تعذر حصر قائمة الناخبين المؤهلين للمشاركة، حيث تجاوزت الطعون 131 ألف طعن على القائمة الأولى فقط التي حصر فيها حوالي 84 ألف مشارك. وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة وقتها أن البت في الطعون سيكون طويلا،ً وستنتج عنه خلافات أكثر. وقد اعترف عدد من المسؤولين الأمميين بعدم واقعية خيار الاستفتاء في الصحراء، فمند سنة أصبحت تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن استحالة تنظيم استفتاء، خاصة في تقريري الأمين العام الصادر في يونيو 2001 /2001/613S، الفقرات 27 إلى 29، ورقم 2003/565/S الصادر بتاريخ 23 ماي 2003 الفقرة 26.

كما أنه ومنذ سنة 2004 لم يعد مجلس الأمن يشير إلى الاستفتاء، بل يؤكد على ضرورة البحث عن حل سياسي، متفاوض بشأنه ومقبول من جميع الأطراف. كما سبق وأن أكد الممثل الشخصي الأسبق للامين العام "يتر فان والسوم" الذي صرح وبشكل واضح بتاريخ 21 أبريل 2008 أمام مجلس الأمن، إثر سلسلة جوالات تفاوضية مباشرة بين 2007 و2008، بأن استقلال «الصحراء الغربية» ليس خيارا واقعيا، داعيا الدول الخمسة عشر أعضاء المجلس إلى التوصية بمواصلة المفاوضات، كما أكد السيد بيتر فان فالسوم في مناسبة أخرى أن "لا تماثل، ولا تماهي ما بين مدلول مبدأ تقرير المصير والاستقلال"، موضحاً "... إن تقرير المصير ليس مرادفاً بالضرورة للاستقلال".

ورغم ذلك فالأمم المتحدة لا تمارس أي ضغوط على الجزائر، رغم عرقلتها وبشكل سافر تنزيل قرارات مجلس الأمن المتتالية منذ عقود، بل ولا تسمح حتى بتمكين المنظمات الدولية من احصاء ساكنة مخيمات تندوف.

مقترح تقسيم الصحراء يفضح الجزائر:

اقترحت الجزائر يوم 2 نونبر 2001 بهيوستن، من خلال رئيسها السابق عبد العزيز بوتفليقة تقسيم الصحراء المغربية بين المغرب و"البوليساريو".

هذا المقترح الذي يتناقض أصلا مع مبدأ تقرير المصير وأسطورة "إقليم وشعب الصحراء"، الذي تدعي الجزائر الدفاع عنهما، قد اظهر بشكل ملحوظ نواياها وهدفها الأساسي المتمثل في الوصول إلى المحيط الأطلسي من خلال إقامة دويلة صغيرة تكون تحت سيطرتها التامة ولا يهم حجم مساحتها، بعدما أن فشلت سابقا في السيطرة على موريتانيا، سواء من خلال الضغط والتهديد وسوء المعاملة الذي تعرض له الرئيس الموريتاني ولد داداه من طرف الهواري بومدين من اجل إجباره على إقامة نظام فيديرالي مع الجزائر، أو من خلال محاولة السيطرة على العاصمة نواكشوط بواسطة ميليشيات "البوليساريو" عن طريق عدة هجمات متواصلة طيلة أربع سنوات، من سنة 1975 إلى سنة 1979.

وقد رفضت المملكة المغربية بشكل قاطع هذا "المقترح" الغريب الذي تقدمت به الجزائر، والذي كانت ترمي من خلاله تحقيق حلمها للوصول إلى شواطئ المحيط الأطلسي وتطويق المغرب.

ساكنة الصحراء تمارس مبدأ تقرير المصير

ساكنة الصحراء المغربية ومنذ استرجاعها وجلاء الاستعمار الاسباني عنها ، تدبر شؤونها عبر ممثليها بالبرلمان وهيئاتها المنتخبة في إطار الجهوية المتقدمة، حيث هنالك عدد مهم من الصحراوين من الجهات الصحراوية الثلاث العيون-الساقية الحمراء والداخلة-واد الذهب وكلميم-واد نون، في البرلمان و بمجلس المستشارين، ومنهم ممثلين عن الغرف المهنية والمأجورين، كما يوجد عدد كبير من المنتخبين في جل جماعات الجهات الثلاث، والذين يتم انتخابهم من خلال انتخابات جماعية وجهوية، وهناك أيضا أعضاء منتخبين بمجالس العمالات والأقاليم بمجالس هذه الجهات الثلاث .

وتعد نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بالأقاليم الجنوبية الأكثر ارتفاعا مقارنة بباقي جهات المملكة، وكل الأشخاص الذين يتم انتخابهم من رؤساء وأعضاء المجالس الجهوية والمحلية ينحدرون من هذه من الجهات الصحراوية ، مما يعزز بشكل واضح وأمام أنظار المنتظم الدولي قيام الصحراويين بتدبير شؤونهم الذاتية بإقليم الصحراء، والاستجابة الحقيقية لمعايير الأمم المتحدة المرتبطة بمبدأ تقرير المصير.

 

                                        محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية