السؤال الرئيسي المتصل بتعاطي الأمم المتحدة مع النزاع حول الصحراء المغربية، والذي يجدر بنا طرحه أو هو يطرح نفسه، هو إلى متى سيواصل حكام الجزائر رفضهم التجاوب مع قرار مجلس الأمن بخصوص عقد المفاوضات، رباعية الأطراف، والتي حدد لها موضوعها في البحث عن "الحل السلمي، الواقعي العادل، الدائم والمتوافق عليه"... وهو الحل الذي يوصل إليه المقترح المغربي، الملكي "بالحكم الذاتي"... المقترح السياسي، الجدي والوحيد الذي توصل به مجلس الأمن...
الحكم الذاتي.. الآلية الديمقراطية
الموقف الجزائري، المعزول دوليا، المنطلق أساسا وفقط من مضايقة المغرب بل ومعاداته الساكنة في سياسات قيادات الجزائر، ذلك الموقف المعارض للإرادة الدولية، كما تعبر عنها قرارات مجلس الأمن الأممي، هو المشكل وهو العرقلة للتقدم في مسار التوصل إلى حل النزاع، الذي يلاحظ الجميع أنه طال... وليست الأمم المتحدة... والتي تولت، حصريا، رعاية وإدارة حل النزاع حول الصحراء المغربية... وتواصلت جهودها وتقدمت قرارا بعد قرار، وعلى مدى سنوات، إلى هذا المستوى من التقدم في بلورة «ثقافة» سياسية مرجعية لتعاطيها مع النزاع... ثقافة انخرطت في مفرداتها وموجهاتها، أساسا، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الدول العظمى، فيما يشبه إجماعها على قراراتها، وضمنها الامتناع الروسي، الذي «أجاز» تلك القرارات، وتلك «الثقافة» لعدم إشهاره حق الفيتو... بتلك القرارات، التي تعارضها قيادة الجزائر، بل وتتباكى على ما لمسته من تخلي الإدارة الدولية على «أطروحتها»، والتي تطورت في وضوحها، منذ 2017 إلى قرارها الأخير في أكتوبر 2023... تكون الأمم المتحدة متحملة، بفعالية، مسؤولياتها ليس مجاملة مفتعلة للمغرب، ولكن اقتناعا بصوابية مسعاه السلمي، لفائدة منطقة جواره، والذي أوضحته مبادرته بالحكم الذاتي، المقترح الذي يصون له وحدته الوطنية وسيادته على أرضه، وفي الآن نفسه يمكن سكان الأقاليم الجنوبية المسترجعة من إدارة شؤونها المحلية بآلية الحكم الذاتي، الديمقراطية والمثرية للوحدة الوطنية، كما هو معمول به في عدة أقطار، وبنفس التسمية أو بتعريفات مماثلة، مثل اسبانيا، ألمانيا، الهند، العراق، نيجيريا، الولايات المتحدة وغيرها...
التصلب الجزائري
الأمم المتحدة تفاعلت مع مقترح الحكم الذاتي، بتبني القوى الدولية المقررة فيها لمضونه ولجوهره الرامي إلى السلم، الدائم، العادل، الواقعي والمتوافق عليه... ولأنه مقترح فتح للنزاع مخرجا من الانسداد الذي أصابه بعد ما أعلن مبعوث الأمين العام للنزاع الأمريكي جيمس بيكر، عن استحالة إجراء الاستفتاء في الأقاليم الصحراوية المغربية، بسبب تعذر الاتفاق على تحديد هوية الهيئة الحائزة على أحقية المشاركة في الاستفتاء، من المنتسبين للأقاليم الصحراوية، أولئك المقيمين فيها، وهم الأغلبية، أو تلك الأقلية المحتجزة أو اللابثة في مخيمات تندوف... البوليساريو، وبتوجيه من حكام الجزائر، شاغب لعرقلة «تحديد الهوية» وهو المسلسل الذي دام سنوات، و«أكل» عدة مبعوثين أمميين، إلى أن أقلق ذلك السيد جيمس بيكر، فأعلن عن توقيف ذلك المسلسل وعن استحالة إجراء الاستفتاء، واستخلص من ذلك، اقتراحا بتقسيم الصحراء المغربية ما بين شمالها للمغرب وجنوبها لجماعة البوليساريو... المقترح الذي فورا رفضه المغرب، وفورا قبلته البوليساريو وقيادة الجزائر ... بيكر وحكام الجزائر والبوليساريو انطلقا من تصور الأقاليم الصحراوية «كعكة» قابلة لتوزيعها بين فرقاء النزاع حولها، والمغرب بقي وفيا لمنطلقه الوحدوي الوطني والذي أمنته الهبة الوطنية وما أبدعه فيها الراحل الملك الحسن الثاني من تلك المسيرة الشعبية السلمية من أجل استرجاع أقاليمها الصحراوية من الاحتلال الاسباني... وقد كان الملك الحسن الثاني، في الأصل، واثق من انتصار الوطنية المغربية ضد الانفصال، حين واقف على إجراء الاستفتاء تجاوبا مع نداءات دولية وتحت إشراف الأمم المتحدة...
وستجد الأمم المتحدة كل الدعم وكل التعاون من جلالة الملك محمد السادس، بمشاركة المغرب في كل «موائد» المفاوضات «مانهاست، جنيف مثلا» والتي بسبب التصلب الجزائري والاعتراض الذي مارسته ضد كل بحث جدي، عملي في أفق حل النزاع، بقيت تراوح مكانها... إلى أن بادر الملك محمد السادس بمقترح الحكم الذاتي، سنة2007، الصادر من مشروعه الإصلاحي والتحديثي الشامل للوطن المغربي... فكان المقترح، مرة أخرى، دعما للأمم المتحدة ولمجهوداتها وسعيها لفتح النزاع على أفق حل، ما ساعد أعضاء مجلس الأمن المقررين على رسم إطار ومفردات وغايات التصور الساري المفعول للحل في قرارات مجلس الأمن، وقد خلى من مقولة «الاستفتاء»... والذي هو اليوم «ثقافة» الأمم المتحدة لحل النزاع...
وضوح مجلس الأمن
بهذا تكون الأمم المتحدة اليوم ممتلكة لمقومات الفعل العملي في النزاع، بفعل وضوح قرارات مجلس الأمن فيها وبقوة «إجماع» الدول الدائمة العضوية فيه، على قرار المفاوضات الرباعية للبحث في "أفق "الحل السلمي، العادل، الدائم والمتوافق عليه"... وزير الخارجية الروسية في مراكش خلال الاجتماع الروسي العربي، صرح بأن روسيا ملتزمة بقرارات مجلس الأمن اكتسب قوة اكبر وحيوية أكثر وإمكانية أفعل لفرض توجهها السلمي... وليس المعارضة الجزائرية «وهي اليوم عضو غير دائم في مجلس الأمن» للمسعى السلمي الدولي من سيضعف الأمم المتحدة أو يثنيها عن مواصلة رعايتها، الحصرية، والحيوية لتحقيق الإرادة الدولية في الحل السلمي لهذا النزاع، الذي افتعلته قيادة الجزائر وتواصل عرقلة حله، إراضاءا لمعاداتها الثابتة للمغرب.
طالع السعود الأطلسي/ إعلامي وسياسي