سعيد ناشيد: عن معادلة المحبّة والعدالة بمناسبة عيد الحب

سعيد ناشيد: عن معادلة المحبّة والعدالة بمناسبة عيد الحب سعيد ناشيد
لو استطعنا أن نجمع في مكان واحد كل الحكماء والفلاسفة والأنبياء الذين ظهروا على مر التاريخ، ونضع عليهم السؤال، هل يمكن تحقيق العدالة في مجتمع يكون فيه معظم الناس غير عادلين؟ لجاءت الإجابة بالنفي القاطع. 
حين تطغى الأنانية على العيش المشترك، وتطغى المصالح الخاصة على المصلحة العامة، يصبح الناس غير عادلين في معاملاتهم مع بعضهم البعض، وبالتالي يتعذّر بناء مجتمع عادل. 
ولأنّ معظم الناس ليسوا عادلين، وذلك بسبب نواقص الطبيعة البشرية، فإنّ معظم المجتمعات لا تزال بحاجة إلى العقوبات والسجن والغرامات، وإلى القوة القاهرة للقانون.
الآن، لو طلبنا من أولئك الحكماء والفلاسفة والأنبياء أن يتّفقوا على مبدأ سلوكي واحد كفيل بتحقيق العدالة بين الناس في حال الالتزام به، لحصلنا على الأرجح على عبارة من هذا القبيل: عامل الناس مثلما تحبّ أن يعاملوك. على أن معظم الحكماء والفلاسفة والأنبياء قد اتفقوا فعلا على ذلك المبدأ، وإن بصيغ مختلفة (طاليس، بوذا، الأناجيل، رسول الإسلام، كانط الذي أوجد الصيغة المسماة بالقاعدة الذهبية، إلخ). إنه المبدأ الكفيل ببناء مجتمع عادل بالفعل.
إلّا أن التحدي الباقي يتعلّق باستحالة تحويل ذلك المبدأ إلى قاعدة قانونية ملزمة؛ ذلك أن أي إجراء من هذا القبيل سيقضي عليه.
إن الذي يجعل ذلك المبدأ ممكنا ليس قوة القانون، بل قانون المحبة.
محبّة أكثر معناها في النهاية سلطة أقل. وعلى سبيل المثال، لو كان قانون المحبة يحكم كل الأسر لانتهت وظيفة قاضي الأسرة، وربح المجتمع مناصب مالية.
غير أن المحبة في دلالتها العملية هي انفتاح على ملامح الغير، لذلك يؤكد ليفيناس أن ملامح وجه الغير هي المنطلق نحو المسؤولية وبالتالي نحو العدالة. 
العبوس عنف رمزي يقول: لن أمنحك محبتي! في المقابل، ماذا تعني الابتسامة التي اعتبرها المسلمون -قولا بلا فعل- صدقة جارية؟! 
الابتسامة هي أجمل ما يمكن أن يمنحه الإنسان لأخيه الإنسان! 
ثم ماذا تقول المرأة التي تغطي وجهها؟ 
إنها تقول هكذا: محبتك لا تعنيني.
ذلك خيارها الشخصي!
فقط ينبغي لها ألّا تنسى حين تطلب التعاطف أن التعاطف نوع من المحبة، وأنه يمرُّ عبر ملامح الوجه أكثر ما يمرُّ عبر اللغة.
فلا ينبغي أن ننسى أن الإصرار على تغطية وجوه المحكومين بالإعدام هو لأجل تفادي محبتهم والتعاطف معهم في حال انكشاف وجوههم.
معنى ذلك كله...أن تحبّ غيرك كما تحبّ نفسك، أن تحبّ لغيرك ما تحبه لنفسك، أن تعامل غيرك كما تحبّ أن يعاملك، معنى ذلك كله أن تكون قادرا على الحب، وقادرا على منح الحب بالقلب والوجه والوجدان. غير أن فاقد الشيء لا يعطيه، وتلك أزمة الأكثرين. 
أقول قولي هذا، داعيا الله أن يملأ قلوبنا بالمحبة، وجوهنا بالبسمة، وألسنتنا بالقول الحسن، مع متمنياتي للجميع بعيد حب سعيد.