في سياق الحراك السياسي الذي تقوده التنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي CLTD، بالجزائر، منذ نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أدت إلى تقلبات على أجهزة الدولة الجزائرية أسفرت عن تغييرات و إقالات و إعفاءات لمجموعة من رموز الدولة في الجزائر سواء جنيرالات أو سياسيين أو مستشارين أو مدراء، وهي التغييرات التي تحكم فيها سعيد بوتفليقة شقيق الرجل المريض في الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، أورد مقران آيت العربي المحامي والناشط الحقوقي ، أحد أعضاء التنسيقية المذكورة،في صفحته على الموقع الاجتماعي" الفيس بوك" موقفه "دور الجيش الجزائري في الانتقال الديمقراطي السلمي"، و هو الحديث الذي يشي بمطلب جزائري من أجل تدخل الجيش لتحقيق الانتقال الديمقراطي، بعد خيبة الأمل في التغيير عقب رئاسيات الجزائر التي قادت الشعب الجزائري نحو عهدة رابعة يتمته بها رئيس في غرفة العناية المركزة بقصر المرادية.
ومما جاء في بيان مقران آيت العربي،ما يلي" (...) لم أطالب إطلاقا بتدخل الجيش لتغيير النظام بالوسائل التقليدية المعروفة بالانقلابات العسكرية مهما كانت الطريقة، لكون هذه العملية لا تتم إلا بالعنف. بينما مطالبي المتكررة والمستمرة تتمثل في التغيير السلمي عن طريق اتفاق المعارضة والسلطة والمجتمع المدني والشخصيات الفاعلة والكفاءات في كل المجالات حول برنامج انتقالي. وينبغي أن يسمح هذا البرنامج بالانتقال من نظام التعسف إلى دولة القانون، ومن التسلط إلى احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطن، ومن خدمة جماعات المصالح إلى الاعتناء بالطبقات الأكثر حرمانا لضمان العدالة الاجتماعية.
ولكن السلطة تتمسك بموقفها المتمثل في أن الجزائر بخير وعافية ولا حاجة لأي تغيير نظرا لوجود مؤسسات منتخبة. بينما يرى أنصار التغيير السلمي أن الجزائر تعيش أزمات متعددة وخطيرة، وأن الخروج منها يستدعي تغيير النظام بالوسائل السلمية، حتى لا يحدث عندنا ما حدث عند غيرنا، وخاصة أنه بإمكان الشارع أن يتحرك في أي وقت. ومن جهتهم، فإن بعض أنصار التغيير يتمسكون بضرورة المرحلة الانتقالية ولو بدون موافقة السلطة. وأمام حوار الصم لا بد من حل. والحل بيد الجيش.
إن الجيش الجزائري ليس من تركات العهد العثماني ولا من مخلفات الاستعمار الفرنسي (بغضّ النظر عن بعض الضباط الفارين من الجيش الفرنسي) بل هو رغم بعض التحفظات امتداد لجيش التحرير الوطني الذي تكوّن من فلاحين وعمال وطلبة ونساء بغرض تحرير الجزائر وليس من أجل ممارسة السلطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وأمام هشاشة الطبقة السياسية بعد الاستقلال، كان للجيش دور سياسي جعله يؤثر في الأحداث والتحولات الكبرى من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي إلى العهدة الرابعة. فقيادة الجيش (وبغضّ النظر عن فضل هؤلاء) هي التي صنعت الرؤساء من أحمد بن بلله إلى عبد العزيز بوتفليقة. وهي التي حددت الخطوط العريضة لبناء الدولة. وهي التي أثرت في الأحداث الكبرى سلبا أو إيجابا. وهي التي تملك الوسائل المادية والبشرية والكفاءات التي يمكنها أن تساهم مساهمة فعالة في التحول الديمقراطي السلمي، وإعادة الكلمة للشعب. ويتلخص ذلك في أن الجيش في خدمة الدولة والشعب والأمة، وليس في خدمة السلطة أو مجموعة أو نظام. ولا يمكن للجيش، في رأيي، أن يعود إلى الثكنات بالبساطة التي يتصورها البعض والجزائر في أزمة متعددة الأبعاد. فدوره في الظروف الراهنة يتمثل في إقناع رئيس الجمهورية بضرورة التوصّل إلى اتفاق عاجل بين السلطة والمعارضة، حول أرضية مشتركة يتبناها الجميع، بهدف التغيير السلمي، لتفادي مأساة جديدة. وبعد التوصّل إلى دستور توافقي فعلا يشارك في إعداده الجميع وليس عن طريق استضافة أشخاص وأحزاب في قصر الرئاسة. ومعظم هؤلاء الأشخاص لا وزن ولا تأثير لهم في المجتمع. وباستثناء بعضها، فالأحزاب التي تم استقبالها برئاسة الجمهورية "للتشاور" لا تملك في الحقيقة إلا ورقة الاعتماد لمثل هذا الغرض. فبعد التوصل إلى إجراء انتخابات حقيقية بعيدة عن التزوير والمال الفاسد، وبعد وضع أسس نظام جديد منبثق من الإرادة الشعبية، مبني على مؤسسات ديمقراطية وليس على الأشخاص والجماعات ، وبعد وضع أسس دولة القانون، يمكن للجيش أن ينصرف إلى مهامه الدائمة ككل جيوش الدول الديمقراطية. وقبل ذلك، فللجيش مسؤولية تاريخية أمام الشعب والأمة في التغيير الديمقراطي السلمي، وذلك بتدخله بعقله وعبقريته وكفاءاته وانضباطه، وليس بالدبابات كما فهم البعض. فالمرجعية السياسية هي
بيان نوفمبر 1954 وقرارات مؤتمر الصومام. فكما نجح جيش التحرير الوطني في تحقيق الاستقلال، يمكن للجيش الوطني الشعبي أن يساهم في تحقيق دولة القانون. و لماذا لا نفتح نقاشا واسعا وهادئا حول هذا الموضوع ونحن على أبواب الاحتفال بالذكرى الستين لاندلاع إحدى أكبر ثورات القرن العشرين؟ فلنكن في مستوى تضحيات شعبنا عبر ألفي سنة.