وقد شكل هذا التكليف إضافة نوعية لتجربة العدالة الانتقالية في العالم .
وفي لحظة من مسار النقاش مباشرة عبر الأثير، سألني أحد المعلقي chroniqueurs بلغة فرنسية رفيعة .أليست بلدنا في حاجة بالضرورة إلى هيأة للعدالة الاقتصادية والاجتماعية والإنصاف التنموي ؟ بدل الانغماس في النقاش حول الماضي والسياسة والديمقراطية.؟
ومما لا شك فيه إنه تساؤل قديم جديد، حول ثنائية من جهة الاقتصاد بفاعليه من رجال ونساء المقاولة والصناعة والمال ومن جهة أخرى السياسة بعمودها الفقري الأحزاب السياسية مع ما تنتجه من مؤسسات تمثيلية للتدبير الديمقراطي وطنيا وجهويا ومحليا .
وهذا النقاش بقدر ما اهتمّ به علماء السياسة في اكبر الجامعات الدولية بقدر ما تداوله رجل الشارع العادي في جلساته التقليدية الخاصة، أوعبر شبكات التواصل الاجتماعي .مع اختلاف الزوايا ومقاربة المعالجة . ولعل ما أعاد النقاش حول الموضوع هو الأوضاع التي أصبحت تعيشها نخب الأحزاب السياسية من انفصام عن المجتمع ،وكذلك من انحراف - له أسبابه الذاتية المتعلقة بالحزب نفسه وأسباب موضوعية بما فيها الأيادي الخفية في سياقها المغربي وليس تلك اليد الخفية التي تنظم سوق الأسعار التي تحدث عنها ادم سميث -حتى أصبح السؤال هنا قبل هناك .هل يمكن إقامة نظام ديمقراطي بدون أحزاب سياسية .؟
إذا كان هذا الأمر يعيد إلى الأذهان ما تعرضت له الأحزاب السياسية هناك في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1796، على يد الرئيس الأمريكي جورج واشنطن من انتقادات لاذعة .فقط ،لكونها أتاحت الفرصة لرجال حسب قوله "مخادعين وطموحين وبلا مبادئ لتقويض سلطة الشعب".
فإن هذا النقاش يجعلنا كذلك نعيش ونرى هنا و الآن وفي سنة 2024، نخبا حزبية سياسية تتساقط الواحد تلو الآخر قيادات ،وطنية وجهوية ومحلية ممثلين للأمة بالبرلمان ويدبرون ويسيرون جماعات ترابية .
ماذا سيقول جورج واشنطن لهؤلاء لو زارهم بالسجن المحلي بعكاشة ؟.
هل سيذكرهم بأن النظام الديمقراطي يحتاج إلى فصائل سياسية قوية ومنظمة وجديرة بالثقة؟. والثقة يصنعها رجال ونساء الأحزاب ولا تسقط من السماء؟، وهل سيعلمهم أن مخاطر الشعبوية، تكمن في محاولة التفاف البعض على الأحزاب السياسية ومخاطبة الشعب مباشرة مما سيشيع الفوضى على حد تعبير نانسي روزينبلوم، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد.
هذا في الوقت الذي أدرج دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الاختيار الديمقراطي ضمن الثوابت الجامعة للأمة،بجانب الدين الإسلامي والوحدة الوطنية المتعددة الروافد والملكية الدستورية مع تحصين هذا الاختيار الديمقراطي بمقتضى الفصل 175 من كل مراجعة دستورية محتملة .
إذا كان هذا هو الحال الذي أصبحت عليه السياسة في بلادنا فإنه مع الأسف ما يعمق الخلل هو ان جل المتابعين هم كذالك رجال أعمال أصحاب شركات مقاولون .
وإذا كانت الأحزاب المستقلة والجادة والحاملة لمشروع مجتمعي واضح ،هي قطب الرحى للديمقراطية فان المقاولة هي المنتج الأول للثروة الوطنية والإنتاج الداخلي الخام الفردي والقومي وللشغل كذلك ،وهما معا جنبا إلى جنب ضروريا لكل تنمية أنية أو مستدامة وبالتالي فلا مكان لسؤال تراتبية الوجود هل الدجاجة أو البيضة.؟.
وفي الأخير فيقينا إن هذا الواقع الرمادي يبعد المواطن عن الشأن العام وعن الفعل المنظم. وبالتالي لا يمكن لبلادنا أن تواجه المحطات المقبلة ونخبتها السياسية والاقتصادية والإدارية لا تزعجها الدرجة 97 التي صنفتها فيها منظمة transparency.