من له المصلحة في إفشال كل المبادرات الجادة والهادفة من أجل ترميم قصبة الوليدية التي يعتبرها المراقبون ورشا ومشروعا ملكيا؟ ولماذا لم تجد كل مساعي الترافع التي قامت بها عدة أطراف دولية، ووطنية، وجهوية، ومحلية، الآذان الصاغية لترجمة عصارة توصيات واقتراحات فعاليات المجتمع المدني؟ وهل من مبادرة جديدة تحسم في ملف الترميم، الذي طال واستطال، وتعيد الروح الحضارية والتاريخية والثقافية لمعلمة القصبة التي تتآكل يوما بعد يوم أمام أنظار من يهمهم الأمر في زمن التغني بكنوز التراث المادي واللامادي؟
أسئلة تجيب عليها حلقات من سلسلة مقالات تنشرها جريدة "أنفاس بريس" استخلصناها من أوراق بحثية في الموضوع بقلم المتخصص في التاريخ الأستاذ مصطفى وفقي.
ملف الترميم على طاولة الجماعة الترابية لمدينة الوليدية:
أكد مجموعة من الفعاليات الجمعوية والمدنية لجريدة "أنفاس بريس" أن أول خطوة جريئة يمكن أن تقوم بها الجماعة الترابية لمدينة الوليدية لرد الروح الحضارية والتاريخية والثقافية لقصبة الوليدية ومحيطها البيئي تتمثل في عقد دورة استثنائية من أجل الحسم في نقطة فريدة في جدول أعمالها وهي التصويت بالإجماع على رفع صفة "محجز الحيوانات والسيارات ومستودع محجوزات مواد البناء العشوائي عن المركب الأثري لقصبة الوليدية"، بتنسيق مع كل المتدخلين والقطاعات الحكومية المعنية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا.
خمس منطلقات أساسية للحسم في ترميم قصبة الوليدية:
علاقة بموضوع مطلب ترميم قصبة الوليدية يرى الأستاذ مصطفى وفقي أنه لابد من الإشتغال بتنسيق مع كل الفرقاء من منطلقات أساسية وذات أولوية تلزم كل المسؤولين المحليين والجهويين الحسم فيها وتتمثل فيما يلي:
أولا: ضرورة رفع صفة محجز الحيوانات والسيارات ومستودع حجز مواد البناء العشوائي عن المركب الأثري، والتعجيل بنقل هذه المواد والمعدات والمحجوزة أو التي في ملكية الجماعة إلى مكان آخر تابع للجماعة الترابية للوليدية.
ثانيا: اتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة لترميم القصبة بتنسيق مع جميع المتدخلين والمعنيين، وتحديد جميع المرافق والفضاءات، من أجل القيام بترميم شكليا يشمل الأسوار والأبراج المتبقية التي مازالت تحافظ على معالمها الأصلية، وترميما جوهريا للمعالم الأثرية الأخرى وفق التصميم التاريخي لقصبة الوليدية، وهي معالم اختفت بفعل عامل التساقطات المطرية العنيفة، خاصة البرجان اللذين كانا متواجدين بالجهة الْقَبْلَانِيَةْ "الشرقية" من القصبة، وكذا سَانْيَةْ المخزن والصهريج والساقية (محددان في الرسم العقاري).
ثالثا: ضرورة إزالة كافة التشوهات التي تم بنائها داخل القصبة، والتي لا تمتّ بصلة للتصميم التاريخي للمركب الأثري، بتنسيق مع المصالح المختصة، وإجراء بحث عن الظروف التي بنيت فيها هذه المعالم. وفي هذا السياق حدد الأستاذ مصطفى وفقي التشوهات التي لحقت بقصبة الوليدية وهي كالتالي:
أ ـ الباب الذي بني بالإسمنت والرمل الصلب والحجر الكلسي الحديث القلع.
ب ـ سور بداخل المركب الأثري يحيط بوحدة سكنية أثرية غير مأهولة.
ت ـ سور آخر يحيط بمنزل مأهول يلحق تشوها فاحشا بالمركب الأثري.
رابعا: تنظيم حملة نظافة بتنسيق مع الجماعة الترابية والجمعية الحاملة لمشروع هذه الإقتراحات، تستهدف اقتلاع وإزالة النباتات الشوكية وبعض الأشجار المغروسة المضرة بتماسك البنايات. مع ضرورة الإبقاء عل شجرة التوت المغروسة قبالة مسجد القصبة. على اعتبار أن تلك الشجرة "وردت الإشارة إليها في إحدى النصوص التاريخية".
خامسا: إزالة الأتربة التي تراكمت فرق الساحة الداخلية للقصبة من أجل الكشف عن مجموعة من خزانات الماء التقليدية "النْطَافِي" التي طمست معالمها. والكشف أيضا عن موقع ضريح "سِيدِي كَانُونْ" قرب شجرة التوت. والعمل على منع دخول الأجسام الثقيلة الى داخل القصبة خاصة المركبات والآليات والشاحنات والسيارات.
وشدد الأستاذ مصطفى وفقي على أهمية وضرورة إجراء مسح ومعاينة ميدانية لقصبة الوليدية وجميع مرافقها وأجنحتها الأثرية تنظمها وتقوم بها جميع الأطراف المعنية والفاعلين الجمعويين كأول خطوة لاستقراء عملية الترميم.
كيف يمكن تصور عملية ترميم قصبة الوليدية؟
يمكن تقسيم عملية الترميم إلى ترميمات جوهرية وأخرى ترميمات شكلية:
الترميمات الجوهرية:
تتطلب إعادة بناء بعض المعالم أو المرافق التي كانت منجزة بالمركب الأثري ضمن التصميم التاريخي الأولي لقصبة الوليدية. علما أن بعض المعالم قد تعرضت للتلاشي والإندثار حتى اختفت كليا أو جزئيا، إما نتيجة العامل البشري الذي لم يقدر أهميتها الثقافية، أو قد تداعت للإنهيار بفعل عوامل طبيعية، كعنف التساقطات المطرية.
الترميمات الشكلية:
1 ـ "الْبُرْجُ الْقَبْلَانِي" تعرض هذا البرج بفعل عنف التساقطات المطرية منذ مدة تزيد عن 40 سنة، كان جزأه العلوي مبنيا بالحجارة المهذبة والمشذبة بـ "الشَّاقُورْ". أما الجزء السفلي والذي ما زال قائما إلى حدود اليوم فكان مبنيا بـ "التَّابْيَةْ" الصلبة المدكوكة دكّا. وكان يطلق عليه اسم "برج". هذا البرج يتطلب ترميما جوهريا وفق التصميم المضمن لهذه المقاربة كمرجع فني وهندسي اعتمد في تحديد وصفه وأبعاده على مستوى الطول والعرض والإرتفاع. وتقربها نسبيا إلى حالته الأولية بعد الإستعانة بالذاكرة الشعبية ممن عاينوا هذه المنشأة وترسخت أوصافه في ذاكرتهم.
في سياق متصل تستحضر الذاكرة الشعبية بمدينة الوليدية أن برجا آخر كان يوجد بالجهة القبلانية "الشرقية" من القصبة، اختفت معالمه نهائيا. وقد حددت الذاكرة الشعبية معالمه، حيث كان يطلق عليه اسم "بُرْجْ خَيِّي" وكان موقعه بالركن الشمالي من القصبة، طوله وعرضه وعلوه يصل إلى خمسة أمتار، أي أن شكله كان مربع القاعدة. مما يستدعي ترميم هذا البرج بإعادة بنائه وفق التصميم والأبعاد الهندسية التي تقربه نسبيا من حالته الأولية.
2 ـ ترميم "البرج الْقَبْلَانِي رقم 2" (أنظر موقعه في بطاقة تصميم القصبة الأثرية) استنادا إلى الرواية الشفهية يحكى أن هذا البرج كان يوجد بالجهة الشرقية من القصبة، لكن للأسف اختفت معالمه المادية كليا. وكان هذا البرج وفق الذاكرة الشعبية التي وصفت معالم بنايته وشكله الهندسي، حيث كان مبنيا بالحجارة المشذبة والمهذبة بـ "الشَّاقُورْ" واستعمال خلطة تربة الحمري والجير في لحم الحجارة.
3 ـ "سانية المخزن والصهريج والساقية"، حيث تعتبر هذه المعالم جزء جوهريا من المركب الأثري لقصبة الوليدية، على اعتبار أن ساكنة القصبة كانت قديما تتزود بماء البئر لمختلف الاستعمالات. وقد أشير إلى هذه المعالم في رسم ملكية خاصة لعقار مجاور للقصبة من الجهة القبلية، حيث أشارت هذه الملكية إلى هذه المعالم كحد فاصل بين حريم البئر والساقية والصهريج بـ 10 أمتار.
4 ـ "دار الحاكم ـ دار الباشا"، هي المعلمة الأثرية التي تقع في الركن الشمالي الغربي من القصبة. وتتكون من جزئين جوهريين هما. الجزء السفلي على شكل برج تعلوه نافذة حربية تطل على البحر كانت مجهزة بمدفع من الحجم الصغير. ثم جزء علوي عبارة عن بناء يتكون من غرف مؤطرة بالبناء بمواد الحجر والرمل والإسمنت ذات نوافذ مستديرة الشكل في جزءها العلوي. ويحمل أحد أبواب هذه البناء تاريخ سنة 1926م.
إذا كانت عملية ترميم قصبة الوليدية، ودار الباشا أو دار الحاكم، وهي جزء جوهري منها نظرا لما تحتوي عليه من الغرف، والقاعات، فقد تشكل فضاءاتها مساحة ذات أهمية لاستغلالها استغلالا مثاليا من الوجهة الثقافية، واستثمارها في الوجهة السياحية والاقتصادية. من خلال تخصيص كل غرفة لوظيفة أو نشاط ثقافي معين. وهكذا يمكن تخصيص غرفة مثلا كمتحف محلي، وأخرى كقاعة للاستقبالات، وثالثة كخزانة محلية، ورابعة كقاعة للعروض والمحاضرات. ويمكن التدرج في استغلال هذه المرافق والفضاءات حسب الإمكانيات والقدرات المتاحة حاضرا. بل أنها ستشكل موردا ماليا ينضاف لمداخيل الجماعة الترابية لمدينة الوليدية.
قصبة الوليد بن زيدان السلطان السعدي الذي تنسب إليه الوليدية، وقصر المغفور له محمد الخامس السلطان العلوي الذي عشق الوليدية، معلمتان تاريخيتان تؤشران على أن الوليدية مشروع ملكي.