إنه تلميذُ وطالبُ الأمس القريب، أي ذاك الخريج الذي أنتجه تعليم مدرسي فاشل، وزكته منظومة جامعية غارقة في الفساد، واضطُرَّت الدولة إلى توظيفه في غياب بديل عنه أولاً، ولتفادي الإحتقان الإجتماعي الذي تسببه بطالة الخريجين ثانياً.
وهو طبعاً غير مسؤول عن فشل المدرسة ولا عن فساد الجامعة. بل هو نفسُه ضحية الفشل والفساد.
الفشل والفساد لم ينتجهما التلميذ ولا الطالب الذي كان بالأمس، ولا ينتجهما أستاذ اليوم، وإنما هما نتاج إرادة سياسية، وحصيلة سياسة مجتمعية ممنهجة، بُنِيَت على الحط من قيمة المعرفة، وعلى إهانة المثقف، وتدمير الإلتزام السياسي، وتخريب القيم الأخلاقية، ونشر الظلامية والجهل، مقابل الرفع من مكانة اللصوص، والفاسدين، والأذرع المكسورة، والجهلة الذين يحملون صفة "الشيوخ".
هذه السياسة المجتمعية الجهنمية، بكل أدواتها التي يستحيل وصفها بالتدقيق، انتهت بنا إلى تبخيس الثقافة، ولم يعد التلميذ والطالب يرى في التحصيل المعرفي، واتساع الأفق الثقافي، أي مكسب ذاتي. بل صار يرى فيهما وضعا يقترن بالبؤس، والاحتقار، والدونية.
فلا أحد اليوم يتهكم على فاسد مفسد يركب سيارة ثمنها مائة مليون سنتيم. ولا أحد يتفكه على المرتشين. ولا أحد يتندر بسارقي المال العام. ولا أحد يسخر من الانتهازيين والوصوليين.
لكن الجميع يتهكم على المناضل الملتزم، ويتفكه على المثقف المهووس بالقراءة، ويتندر بالأستاذ المنضبط، ويسخر من الفنان ذي الذوق الرفيع.
لقد صار النموذج الناجح هو صاحب أعلى رصيد بنكي في الأسرة والعائلة والحي والمدينة بصرف النظر عن الوسيلة التي توصله إلى ذلك. ولم يعد، بالتبعة، أفق الأستاذ أفقا معرفيا وإنما تحول هو الآخر إلى "بزناس" يبيع "بضاعة" لتلميذ/زبون يستهلكها لكي يصير هو الآخر "بزناساً" بعد ذلك.
ولم يعد حامل الشهادة العليا قيمةً ثقافية ومعرفية في وسطه المباشر، مثلما كان عليه الأمر في الماضي، وإنما أصبح مجرد "خُرْزيٍ مُكَرْطَن" (Un crétin cartonisé) يضع "كرطونته" (بالمعنيين!) رهن إشارة من يدفع أكثر (بالمعنيين أيضا). ولم يعد الأستاذ هو الآخر يفكر أو يعمل خارج هذه الآلية: "التَّخْريز والكَرْطَنَة" (Crétinisation et cartonisation). وإنه لَتَخْريزٌ وكَرْطَنَةٌ حتى...