من المتعارف عليه عند الفنانين "خاصة الروايس" بسوس، أنهم يبدؤون حفلاتهم الموسيقية ببعض الأشعار الدينية بحكم أنهم مروا من بعض مراحل التعليم العتيق ذي الطبيعة الشرعية ويحفظون ما تيسر من أحزاب القرآن الكريم، وأيضا بحكم حضورهم في بعض مجالس كبار المجتمع حيث يجالسون أعلاما فقهية وأدبية وحكماء المجتمع.. وهنا اتحدث عن الجيل الأول والثاني من الروايس الذين نعرفهم مثل الحاج بلعيد عمر واهروش ألبنسير وحديثا أوتاجاجت وغيرهم..
مربط الفرس هنا هو أن الرايس يبدأ بتوجيه خطابه لجمهور خاص يتواجد بالضرورة بين الناس، وعنده إلمام بالدين ويعتبر نفسه وصيا على قيم المجتمع.. هذا الخطاب مختصره "ما تودون أن تخبرونا به نحن نعرفه جيدا وهذا بعض منه، وما سيأتي فيما بعد هو للترويح عن النفس.. ولا يتعارض مع “ما سبق" وينهون هذه التوطئة بالدعاء وطلب "التسليم لساداتنا الفقهاء"..الاحترام المتبادل بين الروايس والفقهاء يتجلى أيضا في بعض المظاهر..
فالرايس الحاج بلعيد مثلا قبل أن يسجل أغانيه على الأسطوانات بباريس قام باستشارة واستئذان علماء وفقهاء زمانه..هو تعاقد غير مباشر بين الطرفين، يعلن من طرف الرايس مفاده "احترمونا.. نحترمكم".. ولهذا لم يسبق لنا أن سمعنا بمشاحنات او تطاول من طرف على الآخر .. وهو ما يحدث الآن وإن كان ما نسمعه الآن صادر عن متقمصين ومقتاتين من الخطاب الديني لا غير..
من بين هؤلاء المتفيقهين السوسيين يتواجد "أبو عمار" المختص في توجيه سهامه للروايس وتاروايسين وكذلك النساء.. مثل "تابعمرانت" و"أوالطالب المزوضي".. حيث أصبح "باقشيشا" يؤثث الأعراس والمناسبات العائلية بخرجاته المصورة والتي تستهوي جمهورا محددا، يبتغي من ورائه توفير دخل عبر اللايكات والأدسنس..
وخلال تعقيب "الرايس أوالطالب المزوضي"على سؤال للصحفية "فرح الباز" أشار إلى مجالسته لكبار فقهاء سوس ،ولم يسبق لأحد منهم أن أخبره بأن ما يمارسه يدخل في باب التحريم، وقد أرجع ما يقوم به"أبوعمار" (بالإشارة وليس بالتجريح) إلى ماضيه غير الموفق في المجال الفني واختلافه مع زملائه في الفرقة الموسيقية.. ردة فعل "أبو عمار" لم يكن موجها للرايس "أو الطالب" لأنه حذره من خلال تعقيبه وأنذره بأنه يعرف تفاصيل ماضيه (وهذا بمنطق ما أشرنا إليه في بداية هذا المنشور) بل حول البوصلة إلى الصحفية "فرح الباز" موجها إليها سهامه باعتبارها بالنسبة إليه "ذلك الحائط" القصير..
إن العلاقة بين الشعراء والروايس من جهة والفقهاء من جهة أخرى، في الثقافة الأمازيغية، وأخص بالذكر في سوس تبقى علاقة تكامل حيث أنهم يعتبرون قنوات لنشر للقيم والتوعية والتفقه في الدين، فعلى سبيل المثال فمجموعة من الروايس يتوفرون على أغاني وأشعار تتحدث عن الحج أو تتحدث عن الأخلاق كالبر بالوالدين وما إلى ذلك..
وما لاحظناه في هذه السنوات الأخيرة من دخول هذا المد التحريمي لمجالنا، حيث يمنع الناس من أفراحهم، ويجعل الأعراس مآثم.. إنما هو فكر دخيل لن يلبث أن يعود أدراجه بعد أن يستنفذ موارده التي بدأت منابعها تجف..