محمد النوري: كان المرحوم الأستاذ حسن محب رجلا مناضلا متعففا وزاهدا

محمد النوري: كان المرحوم الأستاذ حسن محب رجلا مناضلا متعففا وزاهدا حسن محب
ودعنا خلال الأسبوع الأخير المناضل الكبير حسن محب بعدما واريناه تحت التراب، لكن في الواقع عدنا ولا زالت روحه بيننا، أكثر من ذلك، لا زال جسده ماثلا أمامنا بالرغم من المرض الذي نخره. لا يمكنك أن تذكره دون أن يتجسد أمامك روحا وجسدا. حتى القسمات بقيت نفسها لم تنل منها السنون ولم تأخد بريقها الأيام والليالي التي قضاها في المستشفيات وشدة وخز الإبر، ومرارة الأدوية.
كان إنسانا بسيطا يجسد ولد الشعب الحقيقي، ولم تغريه لا الحياة الدنيا ولا متاعها، ظل ملتصقا بحي بياضة الشعبي بمدينة أسفي يعيش مع البسطاء، ويتقاسم معهم همومهم، وأفراحهم. أقصى ما امتلكه دراجة نارية "103" لم تعمر معه طويلا، وهو الذي كانت مؤهلاته وكفاءته تؤهله ليعيش حياة الرفاهية والسكن في الفيلات الراقية وامتطاء أخر صيحات السيارات. لكنه كان يعيش يومه، ولا يفكر في غده، والمحاماة بالنسبة له حرفة تضمن الكفاف والعفاف والغنى عن الناس.
كان صديقا للجميع، صديقا للمهمشين، والناس البسطاء، كما كان يرافق المناضلين والنقابيين والمثقفين وحتى مجالسة الفنانين الشعبيين. حضوره لافتا في كل التظاهرات الثقافية أو الحزبية أو النقابية وحتى الحقوقية. كان إنسانا فاعلا من خلال التوجيه والاقتراح والمساهمة في صياغة الأفكار والبيانات. كان يعيش داخل الكواليس ومناوراتها محاولا إيجاد الحلول الضرورية والدفع بالكفاءات إلى واجهة المسؤولية في وقت كان يكتفي بالصفوف الخلفية.
عرفته في المرحلة الثانوية عبر أصدقاء مشتركين بينا، لكن لم أتعرف عليه عن قرب إلا بعد التحاقنا بالمرحلة الجامعية، ولو أنه التحق بكلية الحقوق بالبيضاء، في حين كانت وجهتي مدينة الرباط، لكن كنا نتقاطع في النضالات الطلابية يوم كنا نترافع من أجل رفع الحظر عن  الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وتجسدت أكثر حينما جمعتنا الشبيبة الاتحادية يوم كان زعيمها عبد الهادي خيرات إلى حين سلم المشعل بمدينة فاس لمحمد الساسي. 
في أحد أيام الصيف، كنت أقوم بتغطية بطولة كأس افريقيا للأمم لكرة اليد لحساب الجريدة، كنت أقطن حينها بغرفة بمركز المنظر الجميل بالرباط، ولما هممت بالدخول إلى النوم طرق بابي حارس المركز، وكان خلفه حسن محب ومعه بوشعيب الحرشي وسعيد عاهد (دكلة وعبدة هههه). لا أتذكر بالضبط كيف تقاسمنا تلك الغرفة ذات السرير الواحد، ما أعرفه أن الليلة كانت بيضاء من خلال النقاشات المتشعبة، ما أتذكره أني تخلفت في تسليم المادة الصحفية إلى مقر الجريدة بالرباط التي كان مسؤولا عنها محمد الأشعري.
كان المرحوم حسن محب من بين الأصدقاء المحامين الذين اتصلوا بي على أساس الإشراف لتهييء فريق لمحامي هيأة آسفي للمشاركة في بطولة نظمتها هيأة المحامين بالمغرب. وبعد ذلك عملنا سويا على الدفع بتأسيس فرع جمعية "لاميج" وتأسيس فرع لجمعية الشعلة بآسفي حضرها رئيسها حينذاك عبد المقصود الراشدي. لأن الفقيد كان يعتبر العمل الجمعوي مقدمة ورافدا ضروريا للعمل السياسي.  
 شاركنا سويا في كل الحملات الانتخابية للجماعات الترابية أو البرلمانية. التي عشنا إخفاقاتها ونجاحاتها، كما عشنا مناورات السلطة وتدخلاتها خاصة منها أساليب التزوير وتوجيهات المقدمين والشيوخ للتصويت لمرشحي الأحزاب الإدارية وصنع الخرائط الانتخابية، فضلا عن الإنزال المدهش للمال الحرام الذي لم نكن نعرف لا فصله ولا كنهه. 
وأتذكر بالمناسبة أننا دخلنا مع توقيت الظهر إلى أحد الدواوير بمحيط مدينة آسفي ولم نجد أحدا فيه. تجولنا في مختلف الأزقة إلى حين سمعنا هرجا ومرجا بأحد الدور التي ولجناها ووجدنا أحد المرشحين يقيم مأدبة غداء طبقها اللحم بالبرقوق والمشروبات الغازية. أخد الكلمة الفقيد يحث على الأكل والشرب وحتى الاستفادة من الأموال فهي حلال لهم، لكن التصويت حرام عليهم وبالفعل لم يحز ذلك المرشح صاحب المأدبة إلا على  أصوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من ذلك الدوار وأظنه هو صاحب الخيمة وأسرته التي عرفت مسرح الوليمة.
كان الفقيد يتصل بي دوما لمناقشة موضوع أو أخد رأي وغالبا ما نلتقي في مقهى لمواصلة النقاش حول ما يشغل باله، حيث أنه لم يكن مهتما وخبيرا في الجانب القانوني فقط ، بل كان مهتما بالجانب الثقافي والرياضي كذلك. ومن القضايا التي شغلت باله مؤخرا هي اعتقال رئيس فريق أولمبيك آسفي والمصير القانوني لمكتب الفريق ومدى شرعية تعيين خليفة له.
على أي كان الفقيد ذاكرة الحزب بالمدينة إلى جانب المرحوم محماد لمرابطين (السكليس) بموتهما فقدنا تراثا تاريخيا لا يمكن تعويضه.
رحمة الله عليك أيها الرجل الإستثنائي .