نجيب العوفي: هذا المحفل العاصمي

نجيب العوفي: هذا المحفل العاصمي نجيب العوفي
أنْ ينعقد هذا المحفل الأدبي الوارف حول الشاعرة والباحثة والمناضلة "مليكة العاصمي"، فهذا دليل بليغ على المكانة الرفيعة التي تتبوأها في مشهدنا الثقافي على امتداد عقود حوافل من العطاء الجميل والبذل الموصول.
ولعل حجم هذا الكتاب، أو بالأحرى هذا السِّفر الباذخ المرصّع بعقد نضيد من الأسماء الوازنة من كل فجّ، ناطق بلسان الحال.
وللتذكير، فهو الجزء الثاني من المحفل العاصمي بعد الجزء الأول: (ملاك الشعر وسحر القراءة / دراسات ومقاربات لشعر مليكة العاصمي). 
وليس هذا بدْعا في حق هذه المبدعة العريقة العابرة للأجيال والتواريخ، نخلة مراكشية فارهة متجدّدة العطاء والبهاء.
بل إن هذا الوَبْل الغامر من كلمات ومساهمات الأسماء الوازنة المشاركة في هذا المحفل الأدبي العاصمي، ليس في تقديري ولا مبالغة، سوى غيض من فيض ما تستحقه هذه المبدعة المغربية المتجدّدة - المتعدّدة.
وليكتمل حقّ الوفاء في محفل الوفاء، لا مناص من تحية شكر وتقدير لهذا الفتى الباحث المتنوّر، د. خالد قدروز الذي أشرف بأريحية أدبية رائعة على إعداد ورعاية مشروع هذا المحفل العاصمي، مُسطّرا بذلك أُمثولة بهيّة على التواصل الأدبي – التاريخي الجميل بين الأجيال ومُستعيدا فرح الخلف بالسلف، في زمن ثقافي عضُوض لا يخلو من التدافع وتنازع البقاء.
وقد كان اختيار عنوان هذا الكتاب وافيا شافيا وجامعا مانعا كما يقال، فمليكة منذورة منذ انطلاقتها الرائدة في أواسط الستينيات من القرن الفارط، للأسئلة الكبرى الساخنة، أسئلة الثقافة والإبداع، وأسئلة الوطن والمجتمع، وأسئلة الهموم والشجون العربية.
لهذا كانت القصيدة عندها على الدوام راشحة بالهموم والأسئلة الكبرى.. حتى وهي تلامس الهموم والأسئلة الصغرى..
كانت القصيدة عندها ملتحمة بالعقيدة، كما عبّرتُ في مداخلة ذات يوم.
ويكفي "مليكة" في هذا الصدد، افْتكاكُها الحُبسة الشعرية عن الصوت النسوي وريادتها للحداثة الشعرية النسوية في المغرب في تضافر وتآزر مع جمع المذكر، من غير أن يعني هذا بحال تفرقة أو تمييزا بين جمع المذكر وجمع المؤنث، بقدر ما يعني أن "مليكة العاصمي" كانت سبّاقة إلى قرع أجراس (الجندر) النسوي، أي نقد النسوية التقليدية التي كمّمت وألجمت صوت الأنثى، مُعضّدة ومُكملة جهود قرينتيها "خناتة بنونة" ورفيقة الطبيعة "زينب فهمي" في مجال الإبداع السردي.
لهذا ستبقى هذه الأسماء النسوية الرائدة رموزا نيّرة في لوح الذاكرة المغربية.
وأودّ في مَساق هذا التقديم، تسجيل رؤوس ملاحظات أولية لعلها أول ما يلفت انتباه متصفّح هذا الكتاب والوالج إلى محْفله. 
الملاحظة الأولى، أن هذا الكتاب/ المحفل يجمع بين دفّتيه أسماء من كل فجّ عربي عزيز، فإلى جانب الأسماء المغربية التي تملأ الرّحب، ثمّة أسماء عربية مرموقة واكبت التجربة الشعرية لمليكة العاصمي وقاربتها وأدلت فيها بدِلائها، ولو شطّ المزار وبعدت الدار.
ومن الأسماء العربية الوازنة التي شاركت في هذا المحفل نذكر: عبد الرحمن مجيد الربيعي (العراق) – خالد محيي الدين البرادعي (سوريا) – أحمد الشهاوي (مصر).
وهذا دليل أولا، على الصّيت العربي العطِر لتجربة "مليكة" الشعرية، كما هو دليل ثانيا، على أن اللغة هي العُروة الروحية والتاريخية الوثقى الواشجة بين شعوب الوطن العربي، مهما ادلهمّت الخطوب وترادفت النوائب والمؤامرات لتمزيق أوصال الوطن العربي ووأد مبدأ وحلم الوحدة العربية. واللغة العربية على الدوام هي نجمة السّرى المضيئة في الليل العربي.
الملاحظة الثانية، أن هذا المحفل العاصمي يعقد لمّة أدبية رائعة بين مختلف الأجيال التي أحاطت بمليكة العاصمي إحاطة السوار بالمعصم.
وجميل هنا هذا الجناس العفوي الدال بين المِعصم والعاصمي، وأنعمْ بها من لمّة أجيال في عِصْمة مليكة العاصمي. 
وفي حضرة مليكة، يحلو التحليق في فضاء الكلمات والمجازات.
ومن الأسماء المُجايلة لمليكة العاصمي والمُتاخمة لها نذكر: عبد الغني أبو العزم – عبد الحق المريني – محمد زهير – مصطفى بغداد – نجيب العوفي – مسلك ميمون – عبد الوهاب الأزدي – محمد بودويك – محمد لقاح – مصطفى حدية – عمرو كناي – علي المتقي – محمد داني ..
ومن أسماء الأجيال الجديدة القارئة لمليكة العاصمي والدارسة لتجربتها الشعرية، نذكر: محمد بشكار- عبد اللطيف الوراري – دامي عمر – محمد المريني – صالح البريني – سلمى المعداني – محمد نفاذ – إلهام الصنابي – محمد الرياحي – خالد قدروز – كنزة الغالي – عزيز العطارتي – محمد سعيد الركراكي – أخ العرب عبد الرحيم ..
الملاحظة الثالثة، هذا الكتاب/ المحفل هو في أساسه ومرْماه، كتاب احتفائي بالتجربة الشعرية والأدبية الوارفة " لمليكة العاصمي". لكنه أيضا وفي محصّلته الفكرية والمعرفية كتاب نقدي يعرض مَعارض من التجارب النقدية والمنهجية مختلفة المشارب والمنازع واللغات. وهو بذلك كتاب نقدي بامتياز، إن لم أقل إنه أنطولوجيا نقدية – منوغرافية بامتياز، يرصد القارئ وهو يتابعها تحوّلات المجرى النقدي – الشعري المغربي، أو بالأحرى تحولات الحساسية النقدية الشعرية من نهايات القرن الفارط إلى طلائع الألفية الثالثة.
إنه محفل نقدي – قِرائي يزخر بدراسات ومقاربات ينْحو أغلبها منحى نصّيا تطبيقيا يقتنص أدقّ التفاصيل ويسبُر دفائن النص ويُحصي الشّاذة والفاذة، كما يتجلى ذلك في ملف الدراسات.
هذا إلى تأمّلات وملاحظات وإفادات ماتعة رائعة، كما يتجلّى ذلك في ملف الشهادات.
وصفْوةُ هذا التقديم ومِسْك ختامه، إن القارئ وهو يحلّ ضيفا على "مليكة العاصمي"، سيجد في هذا المحفل الأدبي العاصمي ما لذّ وطاب من أطايب القول والفكر والشعر.

الدكتور نجيب العوفي، كاتب وناقد- المغرب