معالم في سيرة الفقيه المؤرخ  أحمد الرهوني التطواني  (1)

معالم في سيرة الفقيه المؤرخ  أحمد الرهوني التطواني  (1) الفقيه المؤرخ المرحوم أحمد الرهوني التطواني
  قطب من أقطاب العلم في الشمال: 
خصص الكاتب الإعلامي الزميل عبد الإله التهاني،  الحلقة الاخيرة من برنامج" مدارات "على أمواج  الاذاعة الوطنية من الرباط، لاضاءة سيرة العالم والمؤرخ المرحوم أحمد الرهوني التطواني، واصفا إياه أحد أقطاب الحركة العلمية بشمال المغرب، وصرحا من صروح العلم والمعرفة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، معتبرا أنه كان  حجة في العلم  بتطوان، وواحدا من أشهر وأجل قضاتها ووزرائها وفضلائها، ومنارة من مناراتها المعرفية، ومرجعا للعديد من أقطاب الحركة الفكرية في 
شمال المغرب .
 
 من مساجد تطوان إلى القرويين بفاس : 
 وعن بدايات العلامة أحمد الرهوني التطواني، أوضح الإعلامي عبد الإله التهاني،  بأنه  ولد  في مدينة تطوان  عام 1871، ليبدا خطواته  الأولى في التعلم بالكتاب القرآني، حيث أقبل على حفظ القرآن الكريم ، وتعلم القواعد الأولية في اللغة والدين بالتدرج، على يد فقهاء من مستويات علمية مختلفة، بدءا  بفقيهه الأول أحمد شابو، مرورا بعلماء آخرين درس عليهم عددا من النصوص والمتون الكبرى، مع استكمال إتقانه حفظ القرآن الكريم، ومنهم أحمد الزواقي وعلي بن عزيمان، والتهامي أفيلال، وأحمد بن محمد داوود، ومحمد الأبار، ومحمد لمفضل أفيلال، ومحمد بن النجار".
 
واستطرد موضحا أنه في سن السادسة عشر من عمره، سيغادر تطوان باتجاه فاس للدراسة .في جامع القرويين ، على الرغم مما سببه له هذا الإنتقال من شعور بالقلق والغربة ، بسبب ما تعوده من دفىء وجمال الحياة في تطوان، وفق ما ذكره بنفسه، إلا أن المرحوم أحمد الرهوني التطواني سيشبع نهمه من المنبع العلمي لجامع القرويين ، وهو يتابع دروسه على يد كبار شيوخ فاس وعلمائها وقتئذ، ومنهم العلامة الكبير محمد بن جعفر الكتاني ،،صاحب كتاب "سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس"، وكذلك محمد بن قاسم القادري، وأحمد بلخياط الزكاري، ومحمد بن التهامي الوزاني، وأحمد بن الجيلالي لمغاري".
 
 من محراب العلم إلى كرسي الوزارة : 
وعن مساره المهني أبرز معد ومقدم برنامح  "مدارات "، أنه برجوع أحمد الرهوني الشاب  إلى مدينته المفضلة تطوان سنة 1890، سيشرع في مزاولة التدريس بمدارسها ومساجدها، كمدرسة "لوقش" الشهيرة  وزاوية سيدي بوجيدة، كما سينتقل للعمل بعد ذلك بالمحكمة الشرعية، ثم بمرسى مدينة الجديدة سنة 1901. 
وفي العام 1906، سيتولى  مهام الكتابة بدار النيابة في طنجة ، مع النائب الحاج محمد بن العربي الطريس ، ليصبح
 سنة 1908، كاتبا للنائب السلطاني محمد بن محمد الكباص الفاسي.

 
واستطرد الزميل عبدالإله التهاني موضحا أن مسار المرحوم أحمد الرهوني ، سيعرف خطا تصاعديا  في قطاع العدلية، ولاسيما بعد تطبيق نظام الحماية الأجنبية على المغرب، وتقسيمه إلى منطقتي نفوذ ، المنطقة السلطانية في الغرب والوسط والجنوب، وتقع تحت سلطة الإدارة الفرنسية، والمنطقة الخليفية في الشمال تحت النفوذ الإسباني. 
وفي هذا السياق سيتولى أحمد الرهوني التطواني سنة 1913، وزارة العدلية في حكومة الخليفة السلطاني بمنطقة الشمال مولاي المهدي ، واستمر في منصبه هذا إلى غاية العام 1923. 

 
وبعد فترة انقطاع قصيرة في سياق ظرف سياسي ، سيعود الفقيه المؤرخ أحمد الرهوني إلى نفس المنصب  كوزير للعدل في المنطقة الخليفية ، وبقي في مهمته الرسمية هذه  إلى غاية العام 1934، تاريخ منحه صفة شيخ العلوم. 
وأضاف معد ومقدم  برنامج "مدارات " مبرزا  أنه علاوة على هذه المهام ، عين  العلامة المؤرخ  أحمد الرهوني ، وهو في قمة عطائه العلمي، مفتشا عاما للتعليم الإسلامي، ثم رئيسا للمجلس الأعلى للتعليم في المنطقة الشمالية.
 
 أحمد الرهوني: الوزير الزاهد : 
وأوضح معد برنامج مدارات أنه على الرغم من كل هذه المناصب الرفيعة التي شغلها الفقيه الرهوني،  إلا أنه ظل معروفا بزهده وورعه، وإعراضه عن منافع الدنيا ومغرياتها، مقابل نزوع متأصل في طبعه، نحو الكرم والتواضع ومساعدة المحتاجين.
 
وبهذا الخصوص أشار الزميل الإعلامي عبدالإله التهاني، إلى أنه كم كان محزنا أن يعيش الفقيه المرحوم الرهوني ، ظروفا صعبة في الفترة الأخيرة من حياته، حين انزوى خلالها في بستانه خارج تطوان، ناسكا متعبدا ، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي، وبالمسؤوليات والمهام الرفيعة، في مغرب ما قبل الاستقلال.
 
 مواقفه المشهودة : 
ويروي الزميل التهاني ماروي عن سيرة هذا العالم ، وكيف  أنه بكى بكاء شديدا ومرا ، حين بلغه خبر نفي المستعمر الفرنسي للملك محمد الخامس وإبعاده عن شعبه وعرشه، علما أن ذلك البكاء كان امتدادا لمواقفه المشهودة ، ذلك أنه كان في مقدمة علماء منطقة الشمال،  الذين وقعوا في أبريل من العام 1953، على وثيقة تجديد البيعة للملك المكافح محمد الخامس ، بعد أن حصل لديهم شعور  بنية الإدارة الإستعمارية الفرنسية، تنفيذ  مؤامرتها بإبعاد الملك عن عرش البلاد،  ونفيه خارج المغرب، وهو ما حصل فعلا. 

 
وفي هذا السياق، أورد معد ومقدم البرنامج  الاذاعي "مدارات" ، ما ذكره  الباحث عدنان الوهابي من أنه" لما بزغ فجر الحركة الوطنية بتطوان، كان أحمد الرهوني التطواني من الأوائل الذين احتضنوا رجال حزب الإصلاح الوطني بالدعم المعنوي والمادي، فكان على سبيل المثال لا الحصر، يحضر إلى المعهد الحر ليحاضر في الحديث الشريف مرة في الأسبوع،  بمحضر زعيم الحزب المرحوم عبد الخالق الطريس والشبيبة الوطنية، وأنه كان  من الطبيعي أن ينادي الفقيه أحمد الرهوني بالإصلاح، في  جل مؤلفاته التي ألفها في التعليم ، وفي محاربة الأهواء والبدع في الدين،  وبعض العادات الاجتماعية" .
 
 آثار علمية وخصال أخلاقية :
 واستشهد الإعلامي عبد الإله التهاني ،  بما كتبه الباحث الدكتور إدريس خليفة الذي كان قد خصص مقالة ضافية عن سيرة العالم والمؤرخ  والوزير أحمد الرهوني التطواني، مستعرضا فيها ما ميز شخصية هذا العالم الكبير  من خصال، ومعرفا  بعلومه وتآليفه، والمسؤوليات العلمية والقضائية والإدارية والوزارية، التي تولاها ،  وكذا ما خلفه من آثار ، دون أغفال الحديث عن السياق التاريخي العام للفترة التي  عاش فيها،  وتميزت بوجود المغرب تحت سلطة النفوذ الإستعماري الأجنبي.

واستحضر معد ومقدم البرنامح  ما أشار  إليه الأستاذ الدكتور إدريس خليفة ، من كون  الفقيه أحمد الرهوني، " كان عالما نابها، فاضلا، حافظا للعلوم الإسلامية وخاصة في الفقه الذي صار فيه من المبرزين، ومن المنتصرين لمذهب الإمام مالك والملتزمين بالفتوى به، وأنه كان أيضا ميالا للتصوف، فانخرط في الطريقة التيجانية، وأنه لشدة حبه للصوفية، كان يقبل ما يروى عنهم من الكرامات دون نقد".
 
 الفقيه الرهوني وخصوماته الفكرية مع تقي الدين الهلالي :
 وارتباطا بصلة الفقيه الرهوني بمجال التصوف ،  أشار  الإعلامي عبدالإله التهاني،إلى  ما أورده الدكتور إدريس خليفة  في شأن  السجالات القوية التي جمعت بين أحمد الرهوني وتقي الدين الهلالي،  وأججت الخصومة الفكرية بينهما. 
وفي هذا السياق ، استشهد بما ذكره الدكتور إدريس خليفة من أنه " كان من سوء حظ الفقيه الرهوني، أن يبتلى برجل شديد المغالاة في كراهية الصوفية، والإنكار عليهم ،وهو الشيخ الداعية تقي الدين الهلالي، فكانت بينهما معارك كلامية ، وكان أهل تطوان يروونها ويسمرون بأحاديثها" .

 
وكان الدكتور إدريس خليفة  قد ذكر في ذات السياق ، أنه  كان أيضا من سوء حظ الفقيه الرهوني، أن يواجه في تقي الدين الهلالي،  رجلا يكره التقليد وينكر على المقلدين ، في حين كان الفقيه الرهوني من أشد الناس تمسكا بمذهب الإمام
 مالك.
 
واستعرض الزميل التهاني ما أورده  الدكتور إدريس خليفة بخصوص الجوانب الانسانية الحميدة في شخصية الفقيه المؤرخ أحمد الرهوني التطواني ، ومنها  أنه كان جوادا، ويعطي العطاء الجزل، ويمنح أمواله للفقراء والطلبة والمحتاجين والمنخرطين في سلك التصوف ، حتى إنه بسبب هذا الكرم ، وجد نفسه فقيرا مملقا .
 
 عمدة الراوين في تاريخ تطاوين :
وفي فقرة أخرى من هذه الحلقة الاذاعية  ، لاحظ الزميل عبدالاله التهاني ، أن سيرة العالم المؤرخ أحمد الرهوني ، حظيت بعناية الدارسين المغاربة ، وخاصة منهم الباحثين المنحدرين من منطقة الشمال المغربي، متوقفا عند ما  كتبه الأستاذ الباحث محمد الشريف،  بمناسبة صدور الجزء الثاني من موسوعة "عمدة الراويين في تاريخ تطاوين" للفقيه المؤرخ أحمد الرهوني ، وتحديدا مقالته الموفقة التي قدم فيها عرضا تحليليا لهذا الجزء من الموسوعة المذكورة ، وقيمته العلمية،  في  إطار ما كتب عن التاريخ المحلي لتطوان، كجزء من كتابة التاريخ الوطني العام للمغرب.
وكان الأستاذ الباحث محمد الشريف ، قد أبرز في مقالته المشار إليها ،  أنه " إذا كان الفصل العاشر من الجزء الثاني من هذه الموسوعة التاريخية ، يكمل ما جاء في الجزء الأول بخصوص أحياء المدينة وأزقتها ومرفولوجيتها المعمارية،، فإن الفصل الثاني عشر يقدم جدولا عمن تولى قضاءها ،وهو جدول تعتريه كثير من الفراغات" ، 
وفي ذات السياق أيضا ، اعتبر الأستاذ محمد الشريف أن الفصل الحادي عشر والفصل الثاني عشر يشكلان عصب هذا الجزء من موسوعة "عمدة الراويين في تاريخ تطاوين" للفقيه المؤرخ أحمد الرهوني التطواني.
 كما يذكر  بأنه في الفصل المتعلق بولادة المدينة، منذ تجديد بنائها سنة 1484، إلى سنة فرض الحماية الإسبانية على المنطقة، استعرض المؤرخ أحمد الرهوني  أسماء أكثر من ستين واليا مسلما، توالوا على حكم تطوان، ويعرض للمقيمين الإسبان الذين حلوا على رأس إدارتها منذ الجنرال فيلبي ألفاو ، الذي عين في الثالث من أبريل سنة 1913، إلى انتصار الجينرال فرنكو في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939.
ووفق ما أورده الزميل عبدالإله التهاني، يخلص الباحث الأستاذ محمد الشريف إلى القول "بأن هذا الفصل الذي عمد فيه المرحوم أحمد الرهوني إلى تسطير تاريخ المدينة من جديد، هو فصل غني بالمعطيات التاريخية والاجتماعية، إذ أنه ينظر إلى التاريخ المحلي لمدينة تطوان ،في علاقته بالتاريخ الوطني وبالتطورات الدولية لنهاية القرن التاسع عشر ، 
وبداية القرن العشرين"، ولاسيما تاريخ العلاقات المغربية الأوروبية، واستعراضه لبنود اتفاقية الجزيرة الخضراء لعام 1906، وبنود معاهدة الحماية لسنة 1912، وتطرقه للحركة الحفيظية ، وثورة القبائل على فاس، إلى غير ذلك من الأحداث التي وردت الإشارة إليها في هذا الفصل، ومن ذلك زيارة السلطان العلوي المولى الحسن الأول إلى مدينة تطوان سنة 1307 للهجرة، الأمر الذي جعل الأستاذ الباحث محمد الشريف يعتبر 

 
هذا الفصل ،  أقرب إلى التاريخ العسكري والديبلوماسي والإداري لمدينة تطوان، مقابل اعتباره الفصل المخصص لاستعراض عادات أهل تطوان، أنه من أهم ما تحتويه موسوعة "عمدة الراويين في تاريخ تطاوين"،  فهو بنظره فصل يقربنا من التاريخ الإتنوغرافي أو التاريخ الحضاري العام،، الذي يستعرض عناصر حضارة المدينة الروحية والمعمارية والثقافية والدينية والمادية.
وحسب معد ومقدم برنامج مدارات، فإن ما يعزز ملاحظة الأستاذ الباحث محمد الشريف ، من كون الإفادات التي أوردها المؤرخ الرهوني حول تطوان، فيها من الطرافة بقدر ما فيها 
من الأهمية العلمية البالغة ، أن المؤرخ أحمد الرهوني  التطواني رحمه الله، استعرض بمهارة وسلاسة العديد من مظاهر الحياة الاجتماعية لحاضرة تطوان، وعادات أهلها، ومن ذلك أسلوب العيش وطقوس الزواج، وحفلات العقيقة، والفطام والختان، وأشكال اللباس وطقوس الجنائز، وأجواء شهر رمضان، وليلة القدر والإحتفالات بالأعياد الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى وعيد المولد النبوي ومواسم الأولياء والصلحاء، إضافة إلى وصفه حياة أهل تطوان خلال كل فصول السنة لخريف والشتاء والربيع ، وغير ذلك من مظاهر الحياة الاجتماعية وسلوكيات أهالي المدينة، دون إغفال ما طرأ 
عليها من مستجدات العصر .

 
 غير أن المؤرخ أحمد الرهوني  لم يفته في هذا الجزء من موسوعة "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" ، من استعراض الشيم والخصال التي تميز أهل تطوان، " كالإخلاص في المعاملة، والصدق في الخبر، ومحبة العلم، والعلماء، والشرفاء والأدب، ورقة الحاشية، واللطافة والشجاعة والتدين والتقوى. كما أنه يشدد على أن ما خالف هذه الخصال ، فإنه لا يعتد به، لأنه بنظره يرتبط بسلوك من اعتبرهم دخلاء على المدينة.     يتبـــــع