يرى محمد قزيبر، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات الغربية الليبرالية تعد لازمة من لوازم الأنظمة الرأسمالية، ولا تشذ فرنسا عن هذه القاعدة، مشيرا بأنه ومنذ بداية الألفية الثالثة تعمقت أزمات النظام الرأسمالي في ظل السياسات النيوليبرالية المعتمدة، فقد حدثت الأزمات الاقتصادية العالمية لسنوات 2008 – 2009 والتي لم يتم التعافي منها إلا بصعوبة بالغة، ولازالت تداعياتها متواصلة إلى اليوم، موضحا بأن مخلفات هذا التوجه الذي سارت فيه فرنسا من توترات وتخريب واحتجاجات يؤكد بشكل واضح أن النمط التنموي المبني على سياسات نيو ليبرالية قد استنفذ أغراضه، وأن الاستمرار في نفس النمط قد تكون له تداعيات، ليس فقط اجتماعية واقتصادية، وإنما أيضا تداعيات سياسية ومجتمعية.
كيف تقرأ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف ببعض البلدان الغربية وضمنها فرنسا؟
أعتقد أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات الغربية الليبرالية تعد لازمة من لوازم الأنظمة الرأسمالية، وهي نتاج طبيعي لتطور هذه الأنظمة وللفلسفات والسياسات التي تعتمدها، ولا تشذ فرنسا عن هذه القاعدة، حيث أن البلدان الرأسمالية هيمنت فيها منذ نهاية سبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي أطروحات نيو ليبرالية أنتجت سياسات اقتصادية واجتماعية مستمدة من هذه الفلسفة التي تحاول إعادة الاعتبار للأسس الليبرالية المتميزة عموما بمحاباة الرأسمال، غير أنها اصطدمت بسياسات عمومية ذات منحى اجتماعية في ظل دولة الرعاية أو العناية، وعليه لم يكن من المستطاع هدم كل البناء الذي تشكل في ظل هذا النمط من الدولة، ومن ثم كانت السياسات العمومية المعتمدة مزيج من التدابير التي تستهدف تشجيع الرأسمال دون المس بالمكتسبات الاجتماعية لدولة الرعاية، غير أنه ومنذ بداية الألفية الثالثة تعمقت أزمات النظام الرأسمالي في ظل السياسات النيوليبرالية المعتمدة، فقد حدثت الأزمات الاقتصادية العالمية لسنوات 2008 – 2009 والتي لم يتم التعافي منها إلا بصعوبة بالغة، ولازالت تداعياتها متواصلة إلى اليوم، ثم حدث الربيع العربي الذي ألهم الشعوب بالبلدان الغربية التي لازالت لم تخرج من الأزمة السالفة الذكر، وتعتبر ظاهرة " السترات الصفراء " بفرنسا مثال عن هذا الوضع، غير أن الأزمة الصحية لكوفيد 19 والتحولات الجيوسياسية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، كان لها بالغ الأثر في تعميق الأزمة .
ماهي الأسباب العميقة لهذا الوضع المتأزم والذي نجم عنه في فرنسا المزيد من التوترات الاجتماعية ؟
أعتقد أن الأسباب العميقة لهذا الوضع تفسر بعاملين رئيسيين: العامل الأول هو الحصيلة السلبية للسياسات النيوليبرالية التي يتبين أنها استنفذت كل أغراضها والعامل الثاني يمكن أن نفسره بظاهرة العولمة ذات التأثير على الصعيد الكوني، فالأزمة الصحية لكوفيد 19 على سبيل المثال لم تكن لها حدود، والحرب في أوكرانيا كانت لها تداعياتها على الصعيد العالمي .
ماذا عن تداعيات التوتر وعمليات التخريب والمواجهات بين قوى الأمن والمتظاهرين على الأمن والاستقرار في فرنسا؟
أعتبر أن مخلفات هذا التوجه الذي سارت فيه فرنسا من توترات وتخريب واحتجاجات يؤكد بشكل واضح أن النمط التنموي المبني على سياسات نيو ليبرالية قد استنفذ أغراضه، وأن الاستمرار في نفس النمط قد تكون له تداعيات، ليس فقط اجتماعية واقتصادية، وإنما أيضا تداعيات سياسية ومجتمعية، وبالتالي فالحاجة ملحة اليوم من أجل إعادة النظر في هذا النمط من التنمية، وبناء نمط جديد للتنمية ينبني على المكتسبات السابقة ويستجيب في نفس الوقت للمتطلبات والحاجيات الجديدة للمجتمع الفرنسي.