بلكوش: عشرون سنة على إحداث هيئة الإنصاف.. من كشف الحقيقة ورد الاعتبار إلى دينامية مجتمعية للبناء الديمقراطي (مع فيديو)

بلكوش: عشرون سنة على إحداث هيئة الإنصاف.. من كشف الحقيقة ورد الاعتبار إلى دينامية مجتمعية للبناء الديمقراطي (مع فيديو) الحبيب بلكوش
الذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، محطة ذات أهمية كبرى، ومن المفيد أن تتعرف الأجيال الصاعدة داخل وخارج المغرب على هذا المسار الذي يعتبر تتويجا لمرحلة بدأت منذ التسعينيات، بعد تنفيذ عدد من الإجراءات، إطلاق سراح المعتقلين، والمختطفين، وبعد العفو العام الذي شملهم، وصولا إلى محطة المصالحة السياسية، المصالحة مع جزء من المعارضة فترة حكومة التناوب التي تزعمها عبد الرحمان اليوسفي، تلتها المصالحة مع المكون الجديد في الحقل السياسي المتمثل في حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

هذه المداخل، كانت أرضية خصبة هيأت شروط  التفكير في هذا الانتقال، إلا أن الإجراءات في ذلك الحين لم تكن كافية، فكان لابد من جعل الضحايا في صلب هذه الديناميكية، من خلال رد الاعتبار، وجبر الضرر..، خصوصا وأن أول قرار اتخذه الملك محمد السادس في الشهر الموالي لاعتلائه العرش سنة 1999،  هو إحداث هيئة التحكيم لتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة، قامت هذه الهيئة بمجهود كبير، حيث عالجت ما يفوق 6000 ملف، تقدمت لها من طرف الضحايا، لكنها تناولت زاوية واحدة، تمثلت في جبر الضرر المادي، وهي المسألة التي انتقدتها الحركة الحقوقية، وطالبت حينها بتوسيع دائرة جبر الضرر.

وفي نفس الديناميكية، ونفس التفكير، وبعد المناظرة الوطنية التي نظمتها حركة حقوق الإنسان، بدأ الحوار آنذاك مع السلطات، وكانت نفس الأفكار باستمرار، ترد في عدد من الخطب الملكية، كان أبرزها الرسالة الموجهة إلى المؤتمر 34 للفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي انعقد بالدار البيضاء، حيث تم التأكيد على أهمية مختلف المكونات التي ستأتي ضمن المهام الموكولة لهيئة الإنصاف والمصالحة، خصوصا وأن الفيدرالية كانت تضم أحد الوجوه المغربية البارزة، ادريس اليزمي الذي صار فيما بعد، ضمن أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة.

هذه الدينامية توجت بإحداث الهيئة التي كانت مطلبا حقوقيا بامتياز، ويمكن وضعها في مقاربة أشمل، شخصيا أعتبر أن مجموعة من الديناميات كانت في تفاعل بين الملك محمد السادس، والفاعلين المدنيين، حيث كانت إحداث الهيئة مطلبا حقوقيا، وليس مطلبا سياسيا على مستوى الأحزاب.

يجب التذكير بأن هذه الظرفية تميزت بمجموعة من الأوراش التي كانت في تفاعل مع مكونات أخرى من داخل المجتمع المدني، والحركة المدنية هي الحقوق الثقافية التي تم ذكرها في خطاب أجدير، تم تعديل مدونة الأسرة التي عرفت معركة كبيرة على مستوى مختلف الأطياف والتي عرفت تحكيما ملكيا، بالإضافة إلى تقييم فترة الانتهاكات الحقوقية بالموازاة مع تقييم تجربة الحكامة، من خلال تقرير الخمسينية الذي ضم عشرون شخصية من مختلف التيارات الفكرية، والسياسية، والذي تم تقديمه في نفس يوم إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، بالقصر الملكي.

أعتقد أن هذا المسار مهم، ويجب استحضاره بشكل كبير، أتذكر ..كنت آنذاك مديرا للتوثيق والإعلام لحقوق الإنسان، وهو مركز تم إحداثه بين وزارة حقوق الإنسان، والمفوضية السامية للأمم المتحدة، وكان أو ما تم الإعلان عن التوصية التي قدمها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى الملك محمد السادس، وتم إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، نظمنا أسبوعان بعد ذلك مناظرة وطنية جمعت كل جمعيات، ومنظمات الحركة الحقوقية المغربية، المتواجدة داخل، وخارج المغرب، بالإضافة إلى الشخصيات المغربية للتداول في الموضوع، وهناك وثيقة تعود إلى شهر دجنبر 2003، تؤرخ لهذا الملتقى الذي كان بمتابة فضاء لتداول الأفكار، بين منتقد ومؤيد، حيث كانت هناك نقطة خلافية بخصوص عدم المساءلة الجنائية.

تقييم العطاء سيحتاج إلى مجال أوسع، فهذه الدينامية لم تكن فقط من داخل هيئة الإنصاف والمصالحة، بل كانت مرافقة لديناميات أخرى، سيما وأن الحركة الحقوقية كانت نشيطة في هذا المجال، من خلال تنظيم ندوات، وجلسات استماع موازية لشهادات الضحايا، كانت أيضا دينامية إعلامية.. دينامية مجتمعية، صاحبها تفاعل سياسي من أعلى مستوى..

وبالتالي فالتجربة المغربية كانت جد متميزة، فيما لم يتحقق نفس النجاح في تجارب أخرى بارزة، مثلا تجربة جنوب إفريقيا حظيت بشهرة كبيرة، إلا أنها نتائجها على مستوى المضمون الفعلي، هي أقل مما حققته تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة...
 
رابط الفيديو هنا