لؤلؤة دكالة… متى يتم رد الاعتبار لمدينة الوليدية وشاطئها البحري؟

لؤلؤة دكالة… متى يتم رد الاعتبار لمدينة الوليدية وشاطئها البحري؟ مشهد من مدينة الوليدية
في العدد المقبل من جريدة "الوطن الآن" نخصص ملفا بالغ الأهمية على المستوى البيئي. ويتعلق الأمر بشاطئ مدينة الوليدية ومجالها الجغرافي الذي تعرض لتدهور بيئي، وتراجع بيِّن على مستوى زراعات بعض الخضروات التي كانت تتصدر المشهد الفلاحي وطنيا، إلى جانب التراجع الخطير الذي عرفته تربية الماشية، دون الحديث عن معاناة ومشاكل صيد الأسماك، والأضرار التي لحقت النباتات والصدفيات، والطيور المهاجرة، بعد طفرة غزوة الإسمنت وتحويل الوليدية إلى بؤرة توتر "سياحية"… رغم الزيارات الملكية المتتالية التي توجت بعدة مشاريع.
في أحد أبحاثه ودراساته البيئية حول شاطئ الوليدية، أكد الأستاذ محمد وفقي أنه خلال مرحلة الاستعمار شكل شاطئ الوليدية منتجعا للمعمرين الفرنسيين وأغلبهم كان ممن مارس الأنشطة الفلاحية بمناطق داخلية في عبدة ودكالة، وقد كان حينئذ أغلب ساكنة الوليدية بالمركز يشتغلون عندهم، في حين كان البعض يشتغل على الفلاحة والرّعي والصّيد في إطار الاكتفاء الذاتي. 
وأوضح الأستاذ محمد وفقي أنه خلال العقدين الرابع والخامس، كانت الوليدية غنية بالأسماك والنباتات والصدفيات، بل كانت القبلة المفضلة للمغفور له محمد الخامس، وعلى شاطئها كان قصره العامر محجا لقبائل دكالة، ولأقطاب الحركة الوطنية. في هذا السياق يقول بأن قصر الملك "كان مفتوحا لعموم الناس، ولكن كانت العفّة والتعفّف، حيث كان الطلب رضى الملك كلما التقوا به يتجول على شاطئ البحيرة". 
أما في العقدين السادس والسابع من القرن الماضي فقد "عرفت الوليدية شهرتها في إنتاج الخضراوات، خاصة الطماطم. إذ أصبح ما صدق الوليدية من زاوية سيدي الراضي على ساحل عبدة إلى ساحل سيدي عابد على ساحل دكالة. وكثرت التعاونيات الفلاحية المتخصصة في تلفيف الطماطم قصد التصدير. وأصبح كل شيء وخاصة العنصر البشري في خدمة الطماطم والجزر".
في هذا السياق أكد الباحث البيئي في دراساته الميدانية الأستاذ محمد وفقي على أنه لم يعد لبحيرة الوليدية ولشواطئها الصخرية الساحلية ذلك التنوع الطبيعي والإحيائي كمّا ونوعا. فلم تبق تلك الوفرة في الصدفيات، ويمكن أن نركز هنا على نوع منها وهو "بلح البحر" أو ما يسمى بـ "بُوزْرُوكْ"، ولعل السبب في ذلك حسب المختصين هو الكارثة البيئية التي تسببت فيها غرق السفينة الإيرانية "خرج" وأيضا الاستغلال المفرط والعشوائي لهذا الكائن البحري اللذيذ، والأهم هو الاختلالات البيئية نتيجة كانت أم سببا.
إن المتجول فوق التلال الرملية المتصلبة المطلّة على الساحل الصخري من المحيط الأطلسي لشاطئ الوليدية قد يلاحظ طبقة من بقايا قوقعات "بلح البحر" وبقايا رماد (مما يفيد عملية طهي) وهي طبقة تمتد من قرب شاطئ كرام الضيف بجماعة أيير بمجال عبدة، إلى شاطئ سيدي داوود. مما قد يؤشر على أن "بلح البحر" في حقبة ما كان سلعة تجارية. ومن المؤكد أن "بلح البحر" شكل مادة غدائية للأهالي، خاصة زمن الأزمات الغدائية، كما استعملت قوقعته ملاعق للأكل. إلا أنه أصبح اليوم فاكهة بحرية للسياحة الراقية، وأصبحت تجارته مصدر عيش لعدد من الأسر المعوزة. يوضح الأستاذ محمد وفقي
وإذا كانت نذرة "بلح البحر" تعود إلى الاختلالات البيئية فإنها تعمق منها على اعتبار "أن الصدفيات تقوم بوظيفة تصفية وتطهير مياه البحر من خلال تثبيت بعض المعادن على سطح محارتها، وتحسين العرض من علق البحر للأسماك والنباتات".
وحسب مختصين فإن "بلح البحر" فاكهة بحرية أصيلة، أما "المحار" فهو وافد، وقد تم إدخال زراعة محار البحر إلى الوليدية لأول مرة سنة 1952 بعد استقدامه من اليابان. وشكلت البحيرة البيئة الملائمة والمتميزة لتربية المحار، حيث يبلغ عدد مواقع تربيته ستة ـ 6 ـ والتي تتربع فوق مساحات كبيرة من جنبات البحيرة، وتشغل يدا عاملة لا بأس بها، بعد أن اكتسب شهرة كبيرة واتسعت سوقه المكونة أساسا من الفنادق والمطاعم المرتبطة بالسياحة أساسا. حسب محمد وفقي 
في هذا السياق أصبح موقع " أوستريا 007 " محجا لكل من أراد تذوق هذه الفاكهة البحرية الجذابة والغنية، وتعتبر تجارتها من أهم الأنشطة الاقتصادية البحرية بالبحيرة، وتكاد تصريحات المسؤولين تجمع على أن الهدف من مختلف الاجراءات المتخذة هو ضمان بيئة سليمة تمكن من الحفاظ على تربية المحار وتطويرها. 
وإذا كانت تلك الإجراءات ضرورية، فمن الضروري أيضا "ضمان حياة كريمة لليد العاملة في تربية المحار من خلال تمكينها من تغطية صحية، وتأمين من أمراض المهنة، وضمان اجتماعي يخول لها تقاعدا مريحا"، والخطاب موجه إلى وزير الفلاحة والصيد البحري.
لقد كنا أكدنا في عدد سابق من أعداد "الوطن الآن" أنه من الطبيعي والمنطقي جدا، أن يحلم صيادو الوليدية بتحقيق مشروع بناء مرسى للصيد البحري، يحميهم ويقيهم عتو الموج، ويعفيهم من حمل القوارب على الأكتاف ويحصنهم ضد كل ما من شأنه أن يقضي على مهنتهم و آمالهم، في زمن تغول مول الشكارة.
في سياق متصل يقول الأستاذ محمد وفقي، أن المفارقة التاريخية حسب المختصين تتجلى في حلم إحداث مرسى للصيادين، ويستشهد هنا بما أوردته وثائق التاريخ والجغرافيا، والدليل أن المؤرخين تحدثوا عن مرسى الوليدية وأشادوا بدورها منذ القدم، فهذا الشريف الادريسي يقول: "ومرسى الغيط (من الأسماء القديمة للوليدية) مكن من الرياح، والمراكب تصل إليه. فتخرج منه الحنطة والشعير، ويتصل به من قبائل البربر دكالة…". وأورد الفقيه الكانوني عن قاسم الزياني في وصف مرسى الوليدية قوله: "ومرساها من أحسن المراسي كالصندوق". مما يؤكد أن الوليدية كانت لها مرسى أقيمت بقرار سياسي ـ كما يرى الأستاذ عبد اللطيف الشاذلي في مقالة له عن مرسى الوليدية ـ فهل من قرار سياسي يعيد التاريخ ويحقق حلم صيادي الوليدية؟
 
في العدد القادم من جريدة "الوطن الآن" تجدون معطيات أوفى