بسبب التطاحن والأزمة المالية وعدم دوران النخب.. الأحزاب تهدد بنسف الخيار الديمقراطي بالمغرب

بسبب التطاحن والأزمة المالية وعدم دوران النخب.. الأحزاب تهدد بنسف الخيار الديمقراطي بالمغرب محمد أوزين ونبيل بنعبد الله وادريس لشكر وعبد اللطيف وهبي ونزار بركة وعبد الإله بنكيران
تطرح الدعوة الملكية المتكررة إلى تجديد النخب الحزبية، وتطوير الفعل السياسي، وخلق مؤسسات جديدة بأفكار وعمل وسلوكات جديدة، عدم وثوق الأحزاب المغربية في أي مسلك سياسي وأخلاقي وسلوكي ستمضي، خاصة أن الاتجاه السائد هو "الهشاشة" و"الضعف" و"الفساد". والدليل على ذلك أن هذه الأحزاب تعاني، أولا، من انسداد في ديمقراطيتها الداخلية بسبب توالي الصراعات واحتدامها بين زعمائها؛ ثانيا:  تعرضها لخطر الاختراق من الفاسدين وتجار المخدرات وناهبي المال العام والمتلاعبين بالقانون والمؤسسات؛ ثالثا:  الاقتصار على الهموم الانتخابية وحرب المواقع بدل تحصين آلتها السياسية ومناعتها الفكرية والسياسية والإيديولوجية ووضع الخطط  والمشاريع والبرامج، والمساهمة في تنشيط الحياة السياسية بوصفها شريكا حاسما في أي إقلاع تنموي، أيا كان موقعها السياسي، أغلبية أم معارضة.

والأدهى من ذلك أن هذه الأحزاب لم تعد تحتاج إلى فرز، إذ تكاد تجتمع على واقع الأزمة الذي يؤتمر على العمل السياسي برمته، انطلاقا من المساس  بجوهر الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، خاصة أن هذه الأحزاب مسؤولة على نحو مباشر على المؤسسات التمثيلية، وأيضا على جودة النخب التي تضطلع بتدبيرها. بل حتى الأحزاب التي يقال إنها لها شرعيتها التاريخية، ولها إسهاماتها في المجال الفكري السياسي الثقافي والحقوقي، وناضل رجالها من أجل أن يتطور المغرب في كل مجالاته، لم تنج هي الأخرى من عدوى الفساد، أو على الأقل من الاختلالات الديمقراطية في صفوفها، خاصة أن السلوك الانتخابي الذي يركز على "المال والجاه" و"سلطة الأعيان"، أصبح هو المهيمن على جميع الأحزاب، بدل الرجوع إلى المرجعيات المعتمدة في التأثير السياسي، سواء أكانت إيديولوجية أم سياسية أم مرتبطة بالبرنامج الانتخابي والسياسي، ومدى استجابته للمطالب الاجتماعية وملاءمته مع واقع الحال.
 
ما تعيشه الأحزاب المغربية حاليا يؤكد وجاهة الإشارة التي بعثها الملك محمد السادس، في خطاب العرش (2017)، بالقول إن الأحزاب "بحاجة ماسّة إلى ضخّ دماء جديدة في هياكلها، لتطوير أدائها، باستقطاب نُخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمَل السياسي"؛ فما يعيشه حزب العدالة والتنمية، على سبيل المثال، وهو على أبواب عقد مؤتمره التاسع، يعكس أنه لم يخرج بعد من "انفعال" الصفعة التي وجهها إليه الناخبون، إذ ما زال مستمرا في تبرير الهزيمة وتدبيج البيانات وإلقاء اللوم على الآخرين، والحال أن بنكيران لم يعد هو بنكيران، وأن القيادة السابقة تخوض حربا صامتة على المواقع، كما أن الحزب يعرف أزمة مالية خانقة بسبب العجز عن تبرير إنفاق "الملايين" التي استعملت في حملته الانتخابية التي نظمت سنة 2021، فضلا عن انحسار مده في مختلف تراب البلاد، إثر هزيمته المدوية وتراجع التعاطف الشعبي معه، وابتعاد عدد كبير من أعضائه.
 
على مستوى حزب الحركة الشعبية، فرغم انتقال الأمانة العامة للحزب إلى محمد أوزين، ما زال رئيس الحزب محمد العنصر هو الآمر والناهي، ولا يمكن عدم الرجوع إليه في الشاذة والفاذة التي تخص الحزب وطرق تدبيره لدوره السياسي في المعارضة. وهذا، حسب مراقبين، ما يفسر، غياب أوزين عن العديد من جلسات البرلمان، أي أنه امتثل للعنصر الذي طالبه في أحد الاجتماعات بـ"تجنب أسلوب المعارضة الذي يمكن أن يهيج الشارع، واختيار المصطلحات التي يستعملها بشكل أفضل". وهو هل يمكن تسيير حزب برأسين يختلفان في النهج والتوجه؟ وماذا يمكن لأمين عام "يمتثل" أن يقدمه لحزب يريد أن يواكب الحركية السياسية لبلاده؟.
 
وإذا انتقلنا إلى حزب الاستقلال، فإنه حتى الآن ما زال متعثرا، منذ غشت 2022، في عقد مؤتمره بسبب صراع القوة الدائر بين الأمين العام نزار البركة وحمدي ولد الرشيد، فضلا عن الأزمة الخانقة التي حلت به، ما تسبب في إغلاق مقراته الحزبية بسبب العجز عن أداء فواتير الماء والكهرباء، وعن صرف رواتب مفتشي الحزب، رغم بيع المقر التاريخي لجريدة "العلم" بشارع الحسن الثاني بالرباط، إضافة إلى بيع مقر مطبعة "الرسالة"، بحوالي الملياري سنتيم.
 
ومازال الحزب لم يحسم بعد في موعد المؤتمر بسبب الخلافات الحادة بين قياداته حول التعديلات المراد إدخالها على النظام الأساسي، إذ كانت اللجنة التنفيذية للحزب قد أصدرت، أنذاك،  بلاغاأعلنت فيه عن "تأجيل المؤتمر إلى وقت لاحق، وذلك لمواصلة الاستعدادات المرتبطة بالإعداد المادي واللوجيستيكي والأدبي، وكذا لفسح المجال لإنضاج الشروط الذاتية والموضوعية والمناخ الجيد لعقد هذه المحطة التنظيمية".
 
ولا يقع حزب الاتحاد الاشتراكي بعيدا عن الأزمة. فالغاضبون في الاتحاد الاشتراكي يؤاخذون على كاتبهم الأول فشل المقاربة الانتخابوية التي نهجها  عبر استقدام مرشحين من الأعيان الأثرياء، يوجد بعضهم الآن في السجن بتهمة الفساد، إلى أجهزة الحزب محليا وجهويا، والدفع بهم إلى خوض الانتخابات تحت يافطة حزب المهدي وعمر واليوسفي، فإن الأمر نفسه ينطبق على حزب التقدم والاشتراكية التي سار على النهج نفسه، خوفا من الإصابة بالسكتة القلبية، خاصة أن مرشحيه باتوا يتساقطون تباعا مع الهجمة الشرسة التي قام بها القائمون على "زواج السلطة والمال".
 
بالانتقال إلى حزب البام الذي عاش هزات قوية في المدة الأخيرة، من خلال ارتباط بعض قيادييه بقضية "إسكوبار الصحراء" (الاتجار الدولي في المخدرات)، فإنه يستعد لعقد مؤتمره الوطني أيام 9 و10 و11 فبراير 2024، على وقع احتدام التنافس بين الأمين العام الحالي عبد اللطيف وهبي الذي أثار حوله الكثير من اللغط، من خلال انزلاقاته الكلامية، وأيضا من خلال معاركه الهامشية التي أشعلها في أكثر من جبهة"، وبين فاطمة الزهراء المنصوري التي يعتبرها "الباميون" خيارا ضروريا لتنظيف الحزب من التلوث، وإظهاره في صورة الحزب السياسي الحداثي الذي لا يعاني من عقدة المرأة في قيادة الحزب.
 
بدوره، يستعد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لعقد مجلسه الوطني يوم 17 فبراير 2024، على وقع التناحرات التي يعيشها التجمعيون في مجموعة من المدن الكبرى في ما بينهم ومع حلفائهم (البام والاستقلال)، كالرباط وفاس ووجدة والدار البيضاء، حيث لم يفلح التنسيق الأغلبي في منع تفجير الأوضاع، خاصة بعد تورط مسؤولين في قضايا فساد مالي. وما يلفت الانتباه في هذا الحزب الذي يقود الحكومة بشراكة مع حزبي الجرار والميزان هو أن "المشروع السياسي" لا يبنى داخل المؤسسة الحزبية وفق استراتيجية نضالية وسيرورة متكاملة تتعامل مع الواقع وتؤثر فيه حسب الخط السياسي المتبع والمبني على مضمون التعاقد السياسي، بل يبنى على ما يقوم به رئيس الحكومة، وكأن الحزب هو الحكومة والحكومة هي الحزب، ولا تحتاج الأولى إلى العودة إلى الثاني في أي اختيار سياسي عام أو مرحل.
 
وتبعا لهذا الواقع الحزبي، هناك الآن حاجة ماسة إلى تجديد الثقافة السياسية داخل الأحزاب بكاملها، وإلى إعادة النظر في تمثلها للفعل الديمقراطي وأساليبه وأدواته، وذلك من أجل إحداث رجة عقلية تقطع مع "السلوك الانتخابي" الصرف، وتعود إلى بناء ثقافة سياسية وفكر ديمقراطي قائم على التعاقد والاختلاف وحرية الرأي و الديمقراطية الداخلية. ذلك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أن إصلاح المنظومة الحزبية وإعادة النظر في كل عناصرها، أمور ستفضي إلى إنجاح التمثيلية السياسية، ومن ثم إلى نجاعة المؤسسات المنتخبة في دعم الخيار الديمقراطي وتحقيق التنمية الشاملة في مختلف القطاعات، الاقتصادية والاجتماعية والرياضية.. إلخ.