خصص الاعلامي عبدالإله التهاني الحلقة الاخيرة، من برنامجه الإذاعي الأدبي "مدارات" ، على أمواج الإذاعة الوطنية بالرباط، لاستعراض لمحات من سيرة العالم والشاعر المرحوم الدكتور فريد الانصاري .
شخصية بأبعاد متعددة :
وفي مستهل ورقته التقديمية أوضح بأن هناك ظاهرة تميزت بها الثقافة المغربية قديما وحديثا، وتتمثل في وجود عدد كبير من أقطابها ، جمعوا في آن واحد، بين الجانب الفقهي والفكري ، وبين الجانب الأدبي ولاسيما منه الإبداع الشعري، والعناية بالدرس اللغوي والبلاغي".
وأشار إلى أن الأمثلة كثيرة في هذا الباب، وأنه يكفي أن نشير من الفترة الحديثة، إلى شخصيات بارزة كالمرحومين علال الفاسي ومحمد المختار السوسي وعبد الله كنون، مبرزا أنه كان لهم باع طويل في علوم الفقه والعقيدة ، وفي مجال التأريخ والحضارة ، بقدر ما كان لهم أيضا إسهام عزيز في حقل الثقافة الأدبية، شعرا ونقدا ودراسات لغوية.
موسوعية عالم:
وانتقل معد ومقدم البرنامج إلى الحديث عن شخصية المرحوم الدكتور فريد الأنصاري، مشددا على أنها شخصية علمية تنتمي إلى الجيل اللاحق، لكنها تميزت بنفس مواصفات وخصائص الجيل السابق، واصفا إياه بأنه كان بالفعل فريدا بين أبناء جيله، بسبب هذه الموسوعية التي طبعت مساره ، وجعلته موزعا بين إنتاجه العلمي الوفير في مجال الدراسات الفقهية، وعلوم القرآن والحديث، ومقاصد الشريعة، وبين إبداعاته الشعرية وكتاباته الروائية.
وأوضح الزميل عبدالإله التهاني بأن هذه الإنتاجات الادبية ، ربما لم يكتب لها أن تتصدر الواجهة، لأن صورة المرحوم فريد الأنصاري وأستاذيته كفقيه وعالم كبير، قد هيمنت على شخصيته ، وعلى نظرة الناس إليه، على الرغم من أن عدد إصداراته الشعرية والروائية، يكاد يقترب من حجم كتبه الفقهية التي ألفها كعالم متخصص في العقيدة القرآنية والحديثية، وفي مقاصد الشريعة.
رحلة العلم من أرفود إلى فاس :
وعن أصله ونسبه أورد الزميل عبد الإله التهاني بأن الكاتب والعالم والأديب الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، ينتمي إلى منطقة الراشيدية في الجنوب الشرقي للمغرب، وبها كانت ولادته، عام 1960 في بيت أسرة كانت للعلم فيها مكانة كبيرة، إذ كان والده من العلماء الذين درسوا وتخرجوا من جامع القرويين بفاس. لذلك اعتبر معد ومقدم البرنامج، أنه ما كان للإبن إلا أن يسلك مسلك والده ،،ويميل في وقت مبكر من حياته ودراسته ، إلى الثقافة الفقهية واللغوية والأدبية والتاريخية.
ومن هذا المنطلق يقول الزميل عبدالإله التهاني، كانت جامعة فاس هي قبلته، بعد إتمام سنوات تعلميه الإبتدائي والثانوي، في مدينة أرفود، حيث سيحط الرحال في فاس ،،التي حاز من جامعتها على الإجازة، ثم قادته رحلته العلمية إلى الرباط، مواصلا مساره بجامعة محمد الخامس، ومنها سيحصل على ديبلوم الدراسات العليا، قبل أن يحضر ويدافع عن أطروحته لنيل درجة الدكتوراه ، بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء.
وهكذا سيتبوأ بحكم علمه ووضعه الأكاديمي،، كرسي التدريس بعدة مؤسسات جامعية ، ومن ذلك عمله كأستاذ لأصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب بمكناس، ثم رئاسته طيلة سنوات لشعبة الدراسات الإسلامية بنفس الكلية، وكذا اشتغاله كأستاذ زائر بقسم الدراسات العليا في دار الحديث الحسنية بالرباط، إضافة إلى اضطلاعه بمهمة التدريس في مركز تكوين الأئمة والمرشدات، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط.
حياة قصيرة وعطاء زاخر :
وأشار الزميل التهاني إلى أنه فضلا عن هذا، كان للمرحوم فريد الأنصاري نشاط علمي موازي ، على درجة كبيرة من الأهمية، حيث تولى رئاسة المجلس العلمي لمدينة مكناس ، وشغل عضوية المجلس العلمي الأعلى للملكة، دون إغفال الإشارة إلى نشاطه العلمي، كأستاذ لكرسي التفسير بالجامع العتيق في مكناس.
ويرى معد ومقدم برنامج "مدارات"، بأنه على الرغم من الحياة القصيرة لهذا العالم والاديب ، إذ كانت وفاته رحمة الله عليه سنة 2009، بأحد مستشفيات إسطمبول في تركيا، وعمره 49 سنة ، إلا أنها كانت حياة زاخرة بالحضور العلمي والثقافي والعطاء الأدبي ، حيث تميزت بأستاذيته التي لم تنحصر ، في حدود مدرجات الجامعة المغربية والكراسي العلمية، وإنما امتدت إلى الحياة العامة في أوساط المجتمع المغربي، فقيها وخطيبا ومتحدثا مفوها.
الفقيه العالم :
وانتقل الزميل عبد الإله التهاني إلى الحديث عن الحصيلة المعتبرة ، التي خلفها المرحوم فريد الأنصاري من المؤلفات، في مجال الدراسات القرآنية والحديثية [، حيث صدر له كتاب في جزأين بعنوان (مجالس القرآن) ، الأول خاص بالجانب النظري، بينما أفرد الجزء الثاني منه للجانب التطبيقي على سور القرآن الكريم. كما صدر له كتاب آخر بعنوان ( ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله)، ومؤلف آخر بعنوان (مفاتح النور).
وشدد معد ومقدم برنامج "مدارات "، أن المرحوم الانصاري ، كان ينطلق من رؤية إيمانية وعمق روحاني ، مشيرا إلى باقي تآليفه الدينية، ومنها كتابه(معارج القلب إلى حياة الروح)، وكتابه ذي الميسم المتفرد ، والذي أصدر بعنوان (قناديل الصلاة : كتاب في المقاصد الجمالية للصلاة)، علاوة على مؤلفاته الاخرى في المجال الفقهي ، مثل كتابه (أبجديات البحث في العلوم الشرعية) وكتابه (المصطلح الأصولي عند الإمام الشاطبي). ومؤلف آخر بعنوان (الفطرية بعثة التجديد المقبلة) ، إلى غير ذلك من كتبه العديدة في قضايا العقيدة، ومقاصد الشريعة ، والتربية الإيمانية الصافية.
فريد الأنصاري شاعرا وروائيا:
واستحضر الإعلامي عبد الإله التهاني في ورقته عن سيرة المرحوم فريد الأنصاري، صورة الأديب الذي كان الإبداع أحد البوابات الأولى والمبكرة في مساره الثقافي الحافل، على اعتبار أنه أنتج في باب الشعر رصيدا وافرا، وهو في العشرينات من حياته، إذ كانت له في هذا الصنف من أصناف الكتابة الأدبية ، حصيلة معتبرة من الإصدارات ، تمثلها دواوينه الشعرية التي توالى صدروها ،، موازاة مع نشره استمراره في نشر دراساته الفقهية، مما يؤكد ـ حسب معد البرنامج ـ هذه الإزدواجية الثقافية في شخصيته واهتماماته ، والتي يلتقي فيها اجتهاده الفقهي بعطائه الأدبي .
وبخصوص الانتاج الشعري للمرحوم فريد الأنصاري، أشار الزميل عبدالاله التهاني، نفس المتحدث دواوينه التالية: (جداول الروح)، وقد نشره سنة 1997، ثم ديوان (الإشارات) الصادر سنة 1999، فديوان آخر بعنوان (المواجد)، وكلها مجاميع شعرية أصدرها بالإشتراك مع الشاعر المغربي عبد الناصر لوقاح. كما تعززت هذه الأضمومات الشعرية للعالم والشاعر المرحوم الدكتور فريد الأنصاري ،،بديوان شعري آخر نشره بفاس سنة 1997تحت عنوان (الوعد) ، إضافى إلى مجموعة شعرية أخرى بعنوان (ديوان القصائد) وأخرى بعنوان (ديوان المقامات).
وفي ذات السياق أشار الزميل عبدالإله التهاني إلى أن الدكتور فريد الأنصاري ، قتحم أيضا مجال الكتابة الروائية، فأنتج في هذا اللون الأدبي روايتين، إحداهما بعنوان (الكشف الحجوب) والأخرى أصدرها بعنوان (آخر الفرسان).
فريد الأنصاري فارس القصيدة العمودية :
وتوقف معد برنامج "مدارات عند التجربة الشعرية لفريد الأنصاري، مسجلا أنها تميزت بخاصيات ومواصفات تضفي عليها مسحة من الخصوصية والتميز ، مقارنة مع أبناء جيله من الشعراء المغاربة المعاصرين، حيث أشار إلى أنه اختار على مستوى الشكل أن يبدع أشعاره ، وفق نمط القصيدة العمودية، ذات الوزن الواحد والقافية الواحدة، وأنه كان غالبا ما يكتب قصائده على أوزان بحور مفضلة لديه، تتكرر باستمرار، كالبحر الكامل، والبحر الخفيف، وبحر الرمل.
وبخصوص مضمون أشعاره ، لاحظ الزميل عبدالاله التهاني، أنه غلب عليها الطابع الرومانسي، وأنه بذلك كان يقترب كثيرا إلى حد التماهي أحيانا ، مع طبيعة الشعر المهجري الذي أبدعه شعراء لبنان ،خلال فترة غربتهم واغترابهم في بلدان القارة الأمريكية ، الجنوبية منها والشمالية. كما أنه بنظره شعر يتشابه كثيرا مع موجة الشعر الرومانسي ، الذي كتبه كبار شعراء مصر، وسوريا والعراق.
وعلى مستوى تحليل أسلوبه الشعري ، ذكر الزميل عبد الإله التهاني ، أنه وقف في شعر المرحوم فريد الأنصاري، على
أثر لظاهرة الإكتئاب، والإحساس القاسي بالغربة والاغتراب، رغم وجود الشاعر في بلده وبين أهله، حيث طغى هذا الإحساس على قصائده التي كتبها رحمه الله، خلال الفترة الممتدة بين العشرينات والثلاثينات من عمره القصير، وهو ما ظهر واضحا من خلال قراءة معد البرنامج ، لمختارات من القصائد العمودية للمرحوم فريد الأنصاري، والتي كتبها في شبابه المبكر ، وكان يناجي فيها نفسه ، أو يناغي ويحاور الطبيعة ، ويشكو إليها لواعجه وما يختلج بخاطره.