خالد أخازي: يا رجال ونساء التعليم.. اهزموا صناع الأزمات..!

خالد أخازي: يا رجال ونساء التعليم.. اهزموا صناع الأزمات..! خالد أخازي
أنا رجل تعليم...
تدرجت في هذا القطاع منذ كانت صفة المعلم فخرا ووساما على الصدور...
وكان التعيين عبثا وذا مسالك ريعية متعددة..
حينها كان المعلم يعرف بالبدلة وربطة العنق أو الجلابية والطربوش الأحمر...
شاءت الأقدار أن أعيش المنافي باسم التعميم وهلوسات السياسيين الذين كانوا يعتبرون بناء حجرة دراسية معزولة على قمة بعيدة رهان حضاري...
كان القرويون يطعموننا خبزا... فإن اختلفنا معهم قالوا" شبعتم خبزنا"
كنا جيلا غير محظوظ مرهق رمي به في غياهب المغرب الفقير جدا... وكان عليه أن يتعلم العيش بشكل بدائي... وسط الخوف والعزلة وأحيانا الجوع والتسلط والقهر...
التكلفة النفسية والاجتماعية والصحية كانت فاتورتها غالية...
جيلنا الذي رمي به في مداشر ودواوير نائية معزولة عن التجمعات السكنية، لأننا لم نكن أبدا جزءا من أي قبيلة... كنا بعيدين كأننا مصابون بالجذام، بلا سكن غير الخربات أو الحجرات الجاهزة البناء، نؤدي حاجاتنا الملحة الخاصة في الهواء الطلق، ونفرح لسماع هدير سيارة أو بريق ضوء من بعيد...
يزج بنا بين أكياس الدقيق والبهائم وقنينات الغاز في الشاحنات كلما أردنا التسوق، أو المشي على الأقدام مسافات مرهقة...
يوما عن يوم
ننعي الأحياء من جيلنا ونودعهم في صمت ونعلم مدى ندوب هذا النفي القاتل في أنفسهم ووجدانهم وصحتهم وعقولهم وأسرهم...
كل يوم ننعي أحدهم...
يموت فجأة...
أو يرحل بعد مرض عضال...
جرح عميق مازال غضا في وجداني...
أذكر أنه طلب منا المساهمة في بناء مسجد الحسن الثاني...
قلنا مرحبا...
لكن طلب منا أن نشد الرحال إلى مقر القيادة في تخوم قيادة إمغران...
وسط الغبار و تحت اهتزاز الشاحنة على الطريق المسلكي الذي يؤدي إلى دوار وزير النقل سابقا" أمسكان"...
وقطعنا المسافات الطويلة...
تقيأت زوجتي على الطريق...
وعدنا في حالة يرثى لها، وفي يدينا شهادة التطوع، ولا وصل أداء لكل منا 400 درهم ونيف ...
وكانت حوالتي بالكاد تصل 1400 درهما...
المهم... عشنا النفي وعاش غيرنا من ريع الأحزاب والنقابات والرشاوى مقابل مقرات عمل قريبة...
ولأننا كنا فقراء... أبناء فقراء... ضاعت حياتنا في منافي أكثر أهلها يكره المعلم الآتي من المدينة الكحلاء ...من الشيخ إلى القائد، من المنتخب إلى " المرفح"...
لي جا يغسل إدو فينا.... ويسخر بذلك مساء حول نار مع قومه...
شربنا من مياه عابرة و مطفيات تملأ من مجاري ملوثة...
جيلنا مريض بالكلى والكبد والقلق والهلع...والأعطاب النفسية...
جيلنا لم يكن له الوقت لتأسيس تنسيقية...
بل كان كل همه الأكبر أن يستعد لزيارة مفتش متسلط أرهقه مركز التكوين إلا قلة نجت من سادية كانت منتشرة... مفتش يحمل بطاقة فيها خط أحمر وأخضر، عبارة " المرجو من السلطات المحلية تقديم المساعدة لحامل البطاقة"
بعض المفتشين قتلونا أحيانا وآخرون أنعشوا فينا الأمل... بعضهم نلتقيهم ونرفع لهم القبعة لأنهم ظلوا معلمين ولم يصنع منهم المركز كائنات سادية تعيد إنتاج منظومة القمح والتسلط...
وكانت النيابات مرتعا للرشوة والزبونية... والعلاقات والترضيات
لم نؤسس تنسيقية للمطالبة بالزيادة في الأجور ولا تقليص ساعات العمل ولا تحديد المهام.... كنا مجرد ظلال مرحلة مختلطة الأوراق ...غير واضحة العالم...
كان الخوف هو سيد المرحلة بامتياز..
لم نؤسس لأي دينامية... لأننا كنا مشغولين بتسلط الشيخ والمقدم والرئيس والمنتخب والقائد وثري الدوار... كنا نتقي شر كل هؤلاء بالصبر والمجاملات والتنازلات...
وكثير من الإطراء والزيف. .
للأسف صنعنا جبهات من بعضنا البعض...
فغدونا أعداء بعضنا...
مناسبة هذا الحديث ما تتبعته من معركة كسر العظام بين رجال ونساء التعليم والدولة....
نعم... فيها ما يفرح وفيها ما يحزن...
ما يفرح أن جيلا جديدا لم يعد يقبل الإهانة ولا الريع التربوي ولا التسلط
نعم... فيها ما يفرح.. حيث أن التنسيقيات كانت صمام أمان للانحراف النقابي...بل للجبن النقابي... ليس طبعا كل النقابات...
في حراك رجال ونساء التعليم ما يفرح ويثلج الصدر ويؤسس للأمل في المستقبل...
ظهور قوى جديدة مؤقتة تفرض على النقابات ملفات لا تقبل المزايدات ولا تبادل المنافع والمصالح... وتظل صامدة رغم كل المؤامرات
فيها ما يفرح .... أن ما تحقق إنجاز تاريخي كبير، وأنهى زمن الكذب الرسمي ودشن لزمن التعاقد الملزم المسؤول..
انتهى زمن تسليع القطاع وتحويل المدرسة إلى مقاولة تتعاقد مع مستخدمين...
سقط في أيدي الذين كانوا يطلون علينا في البرامج والمواقع من كبار المسؤولين مدعين أن التعاقد خيار استراتيجي لها رجعة فيه...
فشل الرؤية المقاولاتية..
ولا يمكننا ألا ننوه ببن موسى ولقجع الذي كانت له الجرأة لحلحلة الملف وسد الطريق على توسع الأزمة المجتمعية في زمن مغربي صعب...
لا يمكننا أن ننكر أن أخنوش كان عقلانيا خلافا لبنكيران الذي مارس التدبير الحكومي بمقاربة الصدقة وزع الفتنة بين فئات المجتمع والتأليب وزرع الضغينة...
فما وقع من تأزم هو نتيجة فقد الثقة في وزارة عاجزة عن الالتزام...
حتى عرفت بالكذب وعدم احترام المواعيد الاجتماعية والاتفاقيات...
ما وقع نجم عن انتشار لسرطان من ورم صغير كان ممكنا استئصاله بالثقة والجدية وروح المسؤولية وتطهير الوزارة من صناع الأزمات باسم خدمة الدولة ومصالحها...
وعد بنموسى بشراكة تتأسس على التعاقد والالتزام وأوفى بما وعد، وحتى لا يقدم كاميكازا لوعود وهمية أحضر أطرافا أخرى مقررة ماليا ووظيفيا.
لكن ما أحزنني... هو هذا الهدر الزمني التربوي الذي كان ممكنا تفاديه بتوفر إرادة سياسية استباقية ورؤية بعيدة المدى...
ما أحزنني هو تخوين النقابات التي كانت مفاوضة بروح المسؤولية لا بالعدمية...
محاولة قتل رمزية النقابة هو هدم لقعل الصمود في وجه الشطط و الريع والظلم والتسلط...
هي إطارات مهنية مدنية لا أحصنة طروادة لتصفية حسابات سياسية وإحراج الدولة...
الآن بعدما قدمت الدولة الكثير لرجال ونساء التعليم والإدارة وكل موظفيها ماديا ومعنويا، لم يعد هناك مجال لصناعة الأزمة... والرهان على التوتر واللاستقرار...هو رهان لا اجتماعي بل سياسي...
لم يعد هناك من مبرر للعودة إلى الشارع سوى عند عدم التزام الدولة بما وعدت وقررت....ولا أظنها إلا صادقة واعية بالتحديات الكبرى للمرحلة
لقد قدمت الدولة الكثير لرجال ونساء التعليم...كانت سخية ومتفهمة... التكلفة ستكون عالية...لكن ننتظر النتائج التي تخفض التحملات.. القضاء على الهدر .. التسرب المدرسي... التكرار... فكلها عوامل مكلفة ماديا...
ننتظر ورش الجودة والمسؤولية والابداع والابتكار...
فإن كانت المعركة مهنية مدنية فقد انتهت بتحقق جل أهدافها... الإدماج والزيادة في الأجور والتعويضات وخلق أطر جديدة وممرات للترقي المهني عموديا وأفقيا...
للأسف دعوات الخوف من الرقابة الإدارية والتربوية، يفرغ المنظومة من حكامتها... فلا أحد يمكن أن يفرغ مدير مؤسسة من وضعه الاعتباري كرئيس للمؤسسة، ولا المفتشين كإطار عال للوزارة يسهر على التنزيل السليم لفلسفة الدولة في التربية والرقابة والتقويم والافتحاص وبل والسهر على السير العام للمرفق التربوي ماديا وتربويا وإداريا ..
لا يمكن أن ندبر قطاعات بلا تراتبية شريطة العدل والانصاف والحق في الطعن ومراجعة القرارات والشفافية والتعليل السليم في التقييم...
رجاء... توقفوا عن صناعة الأزمة... واستفيدوا من مزايا المرحلة...
فالديمقراطية في العالم الثالث نفسها قصير...
وهناك المتربصون بأجندة سياسية...
وآخرون بولاءات ذات جرعات عالية...
مستعدون لإجهاض الربيع التربوي...
عودوا إلى الفصول... واهزموا صناع الأزمات