الفنان الشيخ بوجمعة بنعكيدة ينعي الشيخ ميلود بازهار الملقب بـ "الدّاهمو"

الفنان الشيخ بوجمعة بنعكيدة ينعي الشيخ ميلود بازهار الملقب بـ "الدّاهمو" الشيخ بوجمعة بنعكيدة رفقة الراحل ميلود الداهمو

"حين يرحل رائدا من رواد شيوخ فن العيطة المغربية فاعلم أن مكتبة شفاهية قد رحلت دون توثيق، ودون حفظ، ودون اهتمام من طرف الجهات الوصية على قطاع الثقافة، واعلم أن جزء مهما من ذاكرة موروثنا الثقافي الشعبي قد ماتت بموته". هكذا خاطبني أحد محبي الفقيد الراحل الشيخ بازهار ميلود الملقب بـ "الداهمو" وهو ينعيه هاتفيا.

الشيخ (بازهار) ميلود الداهمو يعتبر من الرعيل الأول الذي حفظ وحافظ على متون العيطة الحصباوية الأصيلة، وعلى يده تتلمذ العديد من شيوخ العيطة وأخذوا عنه ذخائرها. فعلا، لقد كانت ذاكرة الشيخ ميلود الداهمو، تمثل أرشيفا متنوعا لمكتبة تراثية متنقلة تحمل دون عناء، وتخزّن عشرات نصوص فن العيطة منذ اختياره هذا المسار البئيس والمتعب في زمن التفاهة وانحطاط الذوق الفني الشعبي.

أتذكر واستحضر في هذه اللحظة الحزينة كيف كان الرجل يلبي طلبنا ويسافر نحو مدنية اليوسفية في حضرة فعاليات جمعية الشعلة للتربية والثقافة، وجمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية في كل لحظات صناعة الفرجة والفرح والتعاطي مع ذاكرته المتقدة.

الشيخ (بازهار) ميلود الداهمو كان حاضرا بجانبنا منذ أن دشنا مسار تكريم رواد فن العيطة سنة 2000 بمدينة اليوسفية، سواء بدار الشباب الأمل أو بقاعة الأفراح أو بالمقاهي الأدبية، أو تحت سقف خيم مهرجان الفروسية الذي كنا ننظمه بشراكة مع وزارة الثقافة والمجمع الشريف للفوسفاط، أو فوق منصات السهرات الفنية ليمتع الجمهور بعزفه وصوته المتميز والطروب، مثله مثل الراحل الشيخ الرائد "الترين" والشيخة عيدة أطال الله في عمرها، والشيخ جمال وعابدين الزرهوني والشيخ محمد ولد الصوبة وغيرهم من رواد العطية العبدية.

كم ترافعنا، وكم كتبنا عن الرجل بمداد الحزن والألم لنرفع عنه الضيم وقلة ذات اليد وهو يكابد ويقاوم الفقر والمرض والقهر الاجتماعي في زمن الأصوات البئيسة وضجيجها الممل والمقزز؟ فلترقد روحه الطاهرة بسلام.

الشيخ بوجمعة بنعكيدة ينعي الشيخ ميلود الداهمو

بألم الفراق تحدث الشيخ بوجمعة بنعكيدة نيابة عن المجموعة قائلا: "الله يرحم الشيخ ميلود، ويغفر له، ويصبر أسرته وأقربائه وجميع أصدقائه. إنا لله وإنا إليه راجعون". وعن شخصية الرجل قال موضحا: "الشيخ ميلود الداهمو كان من الشيوخ الكبار في فن العيطة، حيث أعطى وقدم الشيء الكثير في هذا المجال".

وأضاف الفنان بوجمعة بن عكيدة قائلا: "كان الراحل من حفظة متون العيطة، سواء العبدية أو العيطة المرساوية، وحتى الحوزية دون الحديث عن نمط العيطة الشايضمية" وشدد على أنه قد "تتلمذ على يده العديد من الشيوخ، وأخذوا عن مدرسته المتفردة".

وأشار في سياق حديثه عن الفقيد إلى أنه "كان يحفظ في ذاكرته خزانة ضخمة من فنون الطرب والغناء الشعبي، وكان رحمه الله يحفظ عدة عيوط لم تكن متداولة في الأعراس والحفلات، ولم تتداول بين الشيوخ والشيخات مثل عيطة "عْزِيبُو فِي مِّيلْحَةْ"، و "بِينْ الجَّمْعَةْ والثْلَاثْ" و "سِيدِي حَسَنْ" و "خْوِيتْمُو فِي يِدِّيَا"...وعيوط أخرى ظلت مخزنة في ذاكرته القوية".

وأوضح بأن الشيخ الداهمو كان يمتاز بصوته الرائع خلال نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، "كان مؤديا رائعا، وعازفا مبهرا على آلة لوتار والعود، دون الحديث عن إتقانه للإيقاع (الطعريجة) لأنه رافق وجايل كبار شيوخ فن العيطة مثل الشيخ المرحوم الدعباجي وآخرين. وكان من كبار حفاظ متون العيطة العبدية رغم أن أصوله من منطقة تارودانت".