الزاوي: "جون ماري لوكليزيو" أو الكتابة تحت أشياء مختلفة

الزاوي: "جون ماري لوكليزيو" أو الكتابة تحت أشياء مختلفة عبد الحكيم الزاوي
جون ماري لوكليزيو روائي وأنثربولوجي في آن، يحفر عميقا في متاهات أسئلة الوجود، وانشغالات الحياة المعقدة. 
اعتبره البعض عَرَّاب الوجودية في الأدب، وأدرجه البعض الآخر ضمن مختصي الأدب النفسي الجديد. الثابت، أن الصِّلة بين لوكليزيو وألبير كامو واضحة فيما يخص موضوعات تقترب من الخوف والمعاناة والألم وإعادة الاعتبار للذات الجريحة من غزو المدنية الأوروبية...
  عبر هذه الموضوعات تلتقي عوالم الطبيعة بعوالم الواقع، اللغة بالموسيقى، الأنا بالآخر البدائي. اللغة عند لوكليزيو هي موسيقى وايقاع وترانيم تلتحق بأغنية الريح والبحر والعالم، وتغدو جزءا من مملكة الصمت. سَتَعْبر رواية المحضر le procès-verbal بلوكليزيو نحو علياء الأدب العالمي وقمته، وبها نال حظا من الشهرة والألق ضمن خارطة الإبداع العالمي، وبها أيضا، نال جائزة نوبل للآداب سنة 2008، باعتباره كاتبا مُجددا، يقتحم عالم الرواية بنفس شاعري متدفق من عمق الطبيعة، مُبتعدا بتخييله عن فلكية الحضارة الغربية وهيمنتها. ولسوف يعتبر النقاد رواية المحضر أقرب رواية كتبت إلى رواية الغريب لألبير كامو، وهي التي كتبت في مقتبل العمر حيث لم يتعد سنه وقتئذ 23 سنة. وتظل اللحظة الفارقة من مساره الروائي. وفي حمأة اكتشاف القراء لجون ماري لوكليزيو وحصوله على جائزة نوبل للآداب صدرت رواية غاية في الإبداع والامتاع بعنوان "لازمة الجوع" Ritournelle de la faim، من خلالها سيكتشف القارئ روائيا من دفق مغاير، يكتب عن الوجودية بعد أن تخلى عنها الرفاق، ولم يعد أحد بمقدوره أن يحشر اسمه في فلكها. 
رواية "لازمة الجوع" هي في الواقع  استدراكات لاحقة لروايتي "الصحراء" le désert و"الباحث عن الذهب" le chercheur d’or حيث ترتدي الرواية هنا لحاف الأسطورة والهذيان، وتضحي أفضل وسيلة لفهم زيف العالم المعاصر وهمجيته تجاه الآخر.
في رواية "الافريقي" l’africain، تلبس الرواية رداء السيرة والذات، إذ يقول لوكليزيو "عندما تكتب وأنت تنظر إلى الآخرين، وهم يعيشون، تستطيع بقوة الأشياء أن تأتي من جديد".
وعليه، تبرز تجربة الكتابة عند لوكليزيو انعطافة في المنحى والمسار، وقد يُفسر هذا التحول بكثرة سفرياته ومعايناته الأنثربولوجية لشعوب وثقافات مختلفة ومغايرة، فمن روائي يكتب عن المدينة وتقنياتها وسط ركام الفوضى والضجيج، إلى روائي يكتب عن الصمت في الصحراء، عن البادية والطبيعة، عن اندماج الكتابة بالطبيعة، عن الانسان اللامدني. القاسم المشترك بينهما، الوفاء للذات. يقول لوكليزيو في هذا الصدد: "كلما تقدمنا في السن كلما أصبحنا نُدقق في بعض الأشياء، والكاتب بمعنى ما يكتب كتابا واحدا، يبقى يكرره تحت أشكال مختلفة".
نقل إلينا الناقد الأدبي الفرنسي جون لويس أزين في مجلة le nouvelle observatoire، وعضو المنبر الأدبي قناع وقلم masque et plume شهادة في حق لوكليزيو بالقول: هناك أسلوب لوكليزيو، كتابة لوكليزيو، لون لوكليزيو.
التأليف في مبناه هو محاولة  للإمساك بتلك "اللحظة الهاربة التي سيقع فيها شيء ما"، فعندما نُخلف كتبا فبفكرة أننا سنعود إلى الوراء، أو أننا سنعثر على أنفسنا، وعلى نقطة بدايتنا، أو أننا سنعود إلى بلدنا الأصلي، أو شيء من هذا القبيل.. والكتابة هي مسرح ممارسة الخيال وركحه، والخيال هو جنَّة الكتاب، وعندما نشيخ تنقص حصة الخيال لصالح الذاكرة التي تصبح مليئة شيئا فشيئا، وتصير الكتابة نوع من الترقيع، والكاتب في الأصل مُرقع كلمات ومُصفف معنى ومُولد كلمات..
من يقرأ لجون ماري لوكليزيو، يخال نفسه بصدد قراءة لأنثروبولوجي الصنعة يقتحم عوالم الثقافات البدائية بأشكالها البسيطة والمركبة. يظهر ذلك واضحا في كتاب "الحلم المكسيكي" le rêve mexicain من خلال مزاوجات السحر والذهب والطقوس والعادات.. يتأسف لوكليزيو على إهدار دم حضارة انقرضت من الوجود، ويُمعن النظر في عنجهية الحضارة الغربية التي أبادت حضارة الأزتيك والمايا والتولتيك والتاراسك.. وربما هذه الجزئية هي التي شدَّت انتباه المسرحي أنتونان أرتو في المكسيك، ورسمت تميزه عن باقي الاتجاهات المسرحية. 
  يقف لوكليزيو عند تفاصيل مجتمع أمريكوهندي صنع توازنه التاريخي بين الوحشي والجميل، الناعم والحاد، ونجح في التوفيق بين الغرائز والأحاسيس المتناقضة، فالحلم المكسيكي لجون ماري لوكليزيو في الأصل مديح للبربرية ورد الاعتبار لها بعد أن غزتها الحضارة المدنية الأروبية. يتبع الكاتب طريقا دائريا، والكتابة دون معرفة نقطة الوصول، تترك الأشياء تصنع نفسها دون خطة، تدع الخيط يزيغ، والكتابة تتأتى بقليل من الوعي والباقي مجرد محاولات وتجارب مُجهضة لا تستقر على شيء. "أقول لنفسي أحيانا إنه شيء مخيف أن يولد الانسان اليوم، أن يأتي إلى عالم كل شيء فيه مخصوص، حيث لا يكون لك امكانية. المجتمع الأمريكوهندي لم يجعل من التملك مبدأه الأساسي، وكانت مسألة امتلاك الأرض لديه بدعة، للتاريخ وزن فظيع، نوع من الطوق، وزن ثقافي تقيل جدا، وزن لا ينفع في شيء في غمار الحياة اليومية".
  يبرز شغف لوكليزيو بالسفر هُلاميا، ويبرز تصويره للتقنية مغايرا، فالسيارة عند لوكليزيو تكاد تكون شخصية روائية، "السيارات حيوانات ينقصها اللطف، حاضرة طوال الوقت، والانسان يعاملها بعنف، أحب السفر دون أن يوقفني أفق ما، يجب أن تكون ماكرا مع عالم السيارات كي تجد وسيلة لتطويعها".
الكتابة في منجز لولكلزيو مثل التحليق في السماء، الهروب من كل إكراه أرضي، أي أن تكون لك رؤية أوسع وأكبر؛ هروب من الزمن اليومي، ورغبة في الخلود من وهم الزمن، ورحلة الى الجانب الآخر/ ما فوق الواقع/الوجه الآخر من الواقع، ما وراء المتعة الأدبية.
من بين أعمال جون ماري لوكليزيو:
1- رواية المحضر le procès-verbal
2- الباحث عن الذهب le chercheur d’or
3- رجال الغيوم gens du nuage
4- رواية أسفار إلى الجانب الآخرvoyages de l’autre côte
5- كتاب الهروب le livre des fuits
6- رواية الافريقي l’africain
7- الحلم المكسيكي Le rêve Mexicain