يأبى الشعب المغربي بكل مكوناته وأصنافه السياسية والنقابية والثقافية والمدنية الجمعوية وغيرها بمناسبة أو من دونها، إلا أن يعبر عن تضامنه اللامحدود مع الشعب الفلسطيني والتصاقه بقضيته المركزية من أجل التحرر والانعتاق من ربقة الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهو تضامن متواصل ساير كل المحطات التاريخية والملاحم البطولية التي خاضها الشعب الفلسطيني من أجل نصرة قضيته والانتفاض على الطغيان والاستعمار الصهيوني البغيض. مواقف تعكس أن المغاربة كانوا ولازالوا في قلب الحدث الفلسطيني متفاعلين مع مساراته ومراحله بكل ثبات ومصداقية وديمومة.
لم تخرج عن هذا الخط الناظم الداعم والدائم للفلسطينيين، حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي، التي استحضرت القضية الفلسطينية ــ كأحد الثوابت والمرتكزات المبدئية ــ في أحد أنشطتها الموسمية البارزة التي تحييها كل سنة والمرتبطة بالاحتفاء باليوم العالمي للتطوع، وتفاعلا مع التنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة وتعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، ارتأت حلقة الوفاء لذاكرة الحيحي منح جائزتها السنوية لعام 2023، إلى جمعية الهلال الأحمر الفـلسطـيني " تقديرا واعترافا بالأدوار الطلائعية التطوعية الإنسانية المتميزة التي تقوم بها بشكل متواصل في ميدان الإسعاف والإنقاذ جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والضفة الغربية" حسب ما ورد في شهادة الجائزة للحلقة.
وإذ تستحضر حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي القضية الفلسطينية من خلال جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فإن هذه الالتفاتة تأتي من منطلق وطني قومي إنساني نضالي، يعكس الإيمان القوي الراسخ لكافة أعضاء هذه الحلقة بأن الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني يجب أن يكون متواصلا ومتنوعا حيويا ومبدئيا وحاضرا في البرامج والأنشطة الإشعاعية كشكل من أشكال المساندة والدعم، حتى تظل القضية متوهجة حاضرة بالوجدان العربي ولدى أصحاب الضمائر التي تنبذ كل أشكال الغطرسة الاستعمارية والاستبداد والإبادة والعنصرية التي تطبع نهج وسلوك إسرائيل.
وقد جرى حفل تسليم درع وشهادة جائرة محمد الحيحي للعمل التطوعي من قبل أعضاء الحلقة، إلى سعادة السفير الأستاذ جمال عبد اللطيف الشوبكي، يوم الخميس 28 دجنبر الجاري، بمقر سفارة دولة فلسطين بالرباط، وكان هذا اللقاء مناسبة شكر فيها السفير الفلسطيني حلقة الحيحي على مبادرتها والتفاتتها التضامنية تجاه الشعب الفلسطيني ممثلا في شخص جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، معتبرا الجائزة بمثابة رسالة إنسانية من المغاربة قاطبة تعبر عن موقف سياسي برفض عدوان جـيش الاحـتـلال
على الفلسطينيين بغزة وأيضا بالضفة الغربية، وأكد أن الجائزة جاءت في وقت يشعر فيه الشعب الفلسطيني بأنه في أمس الحاجة إلى الدعم السياسي والمساندة والتضامن الفعال من جانب إخوانه العرب والمسلمين.
وكان هذا اللقاء مناسبة أيضا، استعرض السفير الشوبكي تطورات العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، مشيرا إلى أن أرقامه وآثاره تجاوزت أعداد الشهداء والجرحى والمعطوبين والمهجرين والدمار الهائل، ما كان حصل إبان النكبة الأولى لعام 1948 لتحل النكبة الثانية بالشعب الفلسطيني، في ظل دعم عسكري غير محدود لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يغفل السفير الفلسطيني لفت نظر الحضور إلى الجرائم البشعة والسلوك الغير الأخلاقي وللإنساني الذي تمارسه قوات جيش الاحتلال تجاه الجرحى وجثث الشهداء والتمثيل بها وسرقة أعضائها وتعطيل عمليات إسعاف الجرحى والمماطلة في السماح بنقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج وعرقلة التحرك الميداني الإنساني للإسعاف لمتطوعي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في أقبح صورة واقعية للممارسات الهمجية المشينة للقوات الإسرائيلية، بشهادة منظمات دولية، هذا فضلا عن العمل على إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ودعا المنتظم الدولي إلى صحوة ضمير بالكف عن تجاهل مطالب الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وإلى الالتفات إلى جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
العلاقات التي تجمع البلدين الشقيقين المغرب وفلسطين، أشاد السفير الفلسطيني بالمواقف التاريخية للمغرب تجاه القضية الفلسطينية، والدعم المتواصل و اللامحدود وعلى كافة المستويات لفائدة الشعب الفلسطيني.
وبالفعل فقد ظلت القضية الفلسطينية في صدارة اهتمامات المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، الذي ما فتئ يطالب بإنصاف الشعب الفلسطيني التواق إلى العيش بعزة وكرامة في ظل وطن حر مستقل سيادي. وهناك إجماع وطني ثابت لا يتأثر تحت أية ظرفية كانت حول نصرة قضية شعب فلسطين والدفاع عنها، بل كانت ولازالت تعد في نظر المغاربة كقضية وطنية، تجسد الارتباط القوي بالفلسطينيين بكل أطيافهم السياسية واختياراتهم لتحرير وطنهم سواء بالطرق السلمية أو بالمقاومة. وقد جاءت جائزة محمد الحيحي للعمل التطوعي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتعكس هذا التضامن والتلاحم القوي بالقضية الفلسطينية، والتي تلتقي مع الدور المتميز لوكالة بيت مال القدس في دعم القطاعات الاجتماعية بالقدس وتوثيق أواصر التضامن بين المغاربة والمقدسيين ونصرة القدس الشريف.
يذكر أن حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي تأسست في الخامس من دجنبر سنة 2010، المصادف لليوم العالمي للتطوع، وجاءت بغاية الحفاظ على التراث الجمعوي والتربوي وعلى ذاكرة الراحل محمد الحيحي أحد مؤسسي العمل الجمعوي بالمغرب، وقد اعتمدت الحلقة ضمن برامجها وأنشطتها السنوية منح " جائزة محمد الحيحي للعمل التطوعي" إلى شخصيات وفعاليات ومنظمات المدني التي تهتم بالعمل التطوعي والخدمات الإنسانية.
مـحمـد بنـمـبارك/ دبلوماسي سابق عضو اللجنة الاستشارية للحلقة