سرني جدا أنني شاركت خلال شهر دجنبر 2023.. في مناقشة أربع أطروحات لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام.. أربع مواضيع متنوعة.. من الأهداف الدستورية.. للنظامين الدستوريين المغربي والتونسي.. للانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء خلال سنوات الرصاص.. لدور النخب في إنتاج وتقييم السياسات العمومية بالمغرب..
وأغتنم هذه المناسبة لدحض الكثير من الأحكام الخاطئة التي يتم ترويجها حول الجامعة.. والتي تصب كلها في اتجاه تبخيسها.. بهدف تبخيس التعليم بمختلف أسلاكه ببلادنا.. بهدف كبح جماح التنمية الشاملة ببلادنا.. وجعل التعليم امتيازا وليس حقا..
كانت مواضيع الأطروحات التي ساهمت في مناقشتها متنوعة، لكن يجمعها خيط ناظم.. هو ذلك الهاجس الأكاديمي الذي يعمل على شق طريقه لريط القانون الدستوري بالعلوم السياسية.. هاجس نقله الأساتذة المشرفون لطلبتهم وطالباتهم.. ضمانا لحسن توجيههم.. ووضعهم/ن في سكة البحث العلمي.. بعيدا عن الانحياز المجاني..
وهكذا كانت المناقشات ممتعة.. بذلك المعنى المعرفي من جهة.. وتعدد مقاربات الأساتذة أعضاء لجن المناقشة من جهة أخرى..
أولا.. كان لموضوع "الأهداف الدستورية" أهمية خاصة.. عالجه الطالب الباحث عبد الرحيم عرابي.. مفهوم دقيق يتطلب متابعة تطور استعماله.. سواء على صعيد المتن الدستوري أو على صعيد الكتلة الدستورية في شموليتها.. وكل ذلك بالموازاة مع قرارات المجلس/المحكمة الدستورية بالمغرب.. مقارنة مع ما وقع في تجارب مقارنة..
لو أخذنا مثال "المناصفة" في دستور 2011.. ومناقشتها كهدف دستوري.. فإن ذلك يختلف عن معالجتها كمبدأ دستوري.. ونفس النقاش يهم مثلا تشجيع النساء لولوج "الوظائف الانتخابية"..
وللمزيد من التدقيق.. كان من الضروري التمييز بين الأهداف الدستورية، والأهداف ذات القيمة الدستورية.. موضوع شيق..
وتحية متميزة للأستاذ المشرف يحيى حلوي بكلية الحقوق وجدة..
ثانيا.. معالجة "الثابت والمتغير في دساتير ما بعد الحراك في كل من المغرب وتونس".. كان من اهتمام الطالبة الباحثة أسماء لمسردي..
كانت الإشكالية عميقة.. لماذا أدت التجربتين لمسارين مختلفين.. رغم كونهما اعتمدا نفس الأسس: مركزية رئاسة الدولة.. مع تعزيز سلطتي البرلمان والحكومة..
وكان من الضروري تفكيك النص الدستوري.. بالموازاة مع تحليل مدى قدرته على الإحاطة بالحياة السياسية.. ومقارنة التجارب الانتخابية.. المشهد الحزبي.. والقوة الاقتراحية للمجتمع المدني..
فكانت الخلاصة.. ضرورة المزيد من تدقيق أنظمة دستورية لا زالت الحدود بينها غير واضحة.. وهي الحدود بين النظام الشبه رئاسي والنظام الشبه برلماني..
مع تحية خاصة للأستاذ المشرف أحمد بوز بكلية الحقوق السويسي..
ثالثا.. موضوع "الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء خلال سنوات الرصاص" كان له طعم متميز.. عالجه الطالب الباحث الصديق كبوري بعناية خاصة.. ساعده في ذلك تاريخه النضالي الذي سهل عليه منهجية التحليل..
من الاستناد على المصادر والمراجع.. إلى غاية أجراء المقابلات المباشرة مع بعض الضحايا.. تدخلت المناهج.. ومكنت الباحث من فتح مجال حقوقي بامتياز على نافذة البحث الأكاديمي..
وتبين أنه لا زال جزء من تا يخنا الحقوقي مجهولا.. ويتطلب دعم نشره..
وتحية خاصة للأستاذ المشرف محمد سعدي من كلية الحقوق وجدة..
رابعا.. معالجة "أدوار النخب في إنتاج وتقييم السياسات العمومية بالمغرب" وضعت الطالب الباحث محمد قشور.. أمام تحدي الإحاطة بالموضوع..
تنوع أصناف النخب.. فرض عليه الاهتمام بالنخب "الرسمية".. البرلمانية والتنفيذية من جهة.. والنخب "غير الرسمية".. الحزبية والاقتصادية والمدنية..
وكان هاجس التدقيق في عملية الإنتاج وعملية التقييم.. ودور الهيئات الدستورية الاستشارية.. وعمليات تقديم الخبرة والاستشارة.. وتمييز السياسات العمومية عن السياسة العامة.. حاضرة بقوة..
تحية متميزة للأستاذة المشرفة يمينة هكو من كلية الحقوق وجدة..
الأحكام الغير مضبوطة حول الجامعة.. لا تخدم بلادنا.. فلا يُمكن استنهاض كل الطاقات البشرية يرتكز على التعليم بمختلف أسلاكه.. وأكبر خصم لهذا التوجه الإستراتيجي هو مجاراة السياسات الهادفة لجعل التعليم ببلادنا امتيازا لمن يمتلك القدرة على توجيه ابناءه وبناته للتعليم الخصوصي.. بدل اعتباره حق للجميع.