سيتذكرون هذا اليوم كيف كنت رائعاً وأنت لا تحكي في لقاءاتك الخاصة والعامة، إلا على الأشياء الجميلة في الحياة. سيتذكرون كيف كانت انتقاداتك وتقييماتك القوية للوضع العام تنساب في قالب إيجابي وسلس، ينطلق من محاسبة الذات قبل الآخر.
سيتذكرون أنه حتى في مرضك وفي أيامك الأخيرة بمحج الرياض وأنت تستند على عصاك. كنت تبتسم وتقول "الحمد لله بألف خير" مؤمنا بأن الشكوى لغير الله مذلة.
أتذكر تلك الثلاثاء (20 شتنبر 2022) حين ترأست الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية حول موضوع “الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية " بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، وما إن شرعت في كلمتك، وأنا الواقف القريب منك، ولاحظت كيف تغيرت ملامح وجهك وحركة عينيك المتثاقلة وكلماتك المتباطئة حين اقتربت منك، وهمست "سي احمد هل ضروري أن تستمر"، فقلتَ "لا أدري ما هذا ولكن ساحاول"، رجعت إلى مكاني وطلبت من الصديقة سارة العميدة الممتازة بالإدارة العامة للأمن الوطني، وهي الجاهزة كعادتها “إننا ممكن أن نحتاج إلى الفريق الطبي الموجود في عين المكان“.
لكن سي أحمد قاوم وكان آخر من غادر المنصة.
سي أحمد اليوم في أربعينية رحيلك سيتحدثون عن مساهماتك في إغناء الفكر الحقوقي، سيتحدثون عن خصالك الإنسانية، عن إنجازاتك سيتحدثون عن المعتقل والأستاذ والرئيس والأمين العام والسفير والمناضل، لكن سيستمتع الحضور بالاستماع عن أحمد الإبن والأب والزوج والأخ والصديق وعن أحمد الإنسان أولا وأخيراً.
أما أنا فساقول لك هذا الزوال لكن ليس من المنصة هذه المرة، إن مشروع مراجعة المدونة يسير في طريقه، وأنا العارف باهتمامك بالموضوع، وأن مؤسستك، المجلس الوطني لحقوق الانسان خلدت الذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق بندوة دولية أطرها ملك البلاد برسالة سامية، قال فيها عن مشروع مراجعة مدونة الاسرة "دعونا لإطلاق مشاورات مجتمعية واسعة، لمراجعة مدونة الأسرة، بعد مرور عقدين من الزمن على إقرارها، بما يصون حقوق المرأة والطفل، ويضمن مصلحة الأسرة، باعتبارها نواةً للمجتمع، وذلك بناءً على قيم ومبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من الدين الإسلامي الحنيف، مع إعمال آلية الاجتهاد البناء، لتحقيق الملائمة مع المستجدات الحقوقية، ومع القيم الكونية ذات الصلة".
سأقول لك أن المغرب قدم تقريره أمام لجنة مناهضة التمييز بجنيف، وأن مؤسستك قدمت هي الأخرى تقريرها، وأنت الحريص على ذلك.
سأقول لك إن بعض بسطاء الأمة توصلوا بالدعم المباشر وما أحوجهم إليه.
ساقول لك إن السماء لازالت كئيبة وتحصر علينا دموعها فشح الماء وشح المطر.
لكن لن أقول لك أن إسرائيل لا زالت تقتل الأطفال والنساء والشيوخ، فهم شهداء بجانبك هناك.
لكنني سأقول كذلك إلى الآن أراك وبجانبك صديقي وأخوك محمد سالم الشرقاوي، كما كنت جالسا بجانبه يوم زفافه بالعيون وأنتما بهيان في لباسكما الصحراوي.
سي احمد لا تنسى أن تقول لمحمد سالم إنني حزين لأني وعدته أن أزوره بالمستشفى فور عودتي من الخارج، فعدت اليوم ورحل غدا وكان علي أن أزوره في نفس يوم عودتي. لا أريد أن ألقاكما هناك وهو غاضب مني.