وهي الأطروحة التي حصل الباحث على لقب دكتور في القانون الخاص بميزة مشرف جدا.
ونظرا القيمة العلمية للأطروحة، تنشر جريدة "أنفاس بريس " ملخصا لها.
مما لا شك فيه أننا أصبحنا نعيش في الوقت الراهن عصر المعلوماتية الذي بدأت تبرز معالمه وبوادره مع ظهور الحاسوب، واستمر الأمر بالتطور حتى نشأت فكرة الشبكات وانتشرت بشكل واسع، أصبح هناك ما يعرف بشبكة الأنترنت، التي عكست بآثارها وتجلياتها على مختلف الأصعدة والمجالات.
فبداية من العشرية الأخيرة من الألفية المنصرمة، شهد عالمنا تطورا هائلا ومتسارعا في عالم الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، ونتيجة لهذه التطورات التكنولوجية، وما صاحبها من تقدم في صناعة الحاسبات الآلية، بدا العالم كقرية صغيرة اهتزت فيه الحواجز، فتداخل وتشابك وارتبط سكانه بشبكة انترنت عالمية يسبح فيها الجميع بحرية، فإذا بها ثورة معلوماتية، وثقافية واقتصادية، تؤسس لحقبة حضارية جديدة، تكون الغلبة فيها لمجتمع المعلومات والاتصالات، بديلة للمجتمع الصناعي الذي ساد منذ منتصف القرن الماضي.
حضارة المعلومات والاتصالات، التي ما هي إلا نتيجة مباشرة للانتشار الواسع النطاق لشبكة الأنترنت، سمحت لأفراد المجتمع المعاصر باللجوء إلى المعاملة الإلكترونية الذاتية التي تسمح للمستفيد من الخدمة العامة أو المستهلك خدمة نفسه بنفسه، فبدلا من تقديم الطلب إلى الموظف خلف المكتب أو التحدث إلى شخص عبر الهاتف لطلب المعلومة، أو طلب استفسار، أو تقديم وثيقة، أو دفع مقابل سلعة أو خدمة، يتم الحصول على الخدمة أو السلعة عن طريق التفاعل الآلي بتبادل معلومات ووثائق رقمية بين طالب الخدمة والآلة.
هذا التطور الهائل سمح على وجه الخصوص بالإسراع في إبرام وتنفيذ المعاملات المختلفة فيما بين الأفراد وغيرهم، وفيما بينهم وبين مختلف الجهات الإدارية والشركات التجارية وغيرها، والتخلي تدريجيا عن المعاملات الورقية التي تنتج عن تلك المعاملات لإثبات حدوثها لصالح نظير إلكتروني أصبح يعرف بــــ: الحكومة الإلكترونية بمعنى الإدارة الإلكترونية، والكتابة الإلكترونية، والوثائق الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والعقود الإلكترونية، والبنوك الإلكترونية، ووسائل الأداء الإلكترونية...إلخ.
وفي ظل هذا الانتشار الكبير لشبكة الأنترنت وازدياد مستخدميها بشكل يومي، وأمام التطور المتسارع في تقنيات الحوسبة والاتصال التي حققت تبادلا سريعا وشاملا للمعلومات ضمن سياسة وخطط الانسياب السلس للبيانات ومفهوم المعلومة على الخط، وترافق ذلك مع استثمار الأنترنت في ميدان النشاط التجاري الإلكتروني ضمن مفاهيم الأعمال الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، ومع الاعتماد المتزايد على نظم الحوسبة في إدارة الأنشطة وازدياد القيمة الاقتصادية للمعلومات ككيان معنوي أمسى هو المحدد الاستراتيجي للنجاح في منظومة الأعمال، في ضوء ذلك كله، تطور مفهوم الخدمات المالية على الخط، لتتحول الفكرة من مجرد تنفيذ أعمال عبر خط خاص ومن خلال برمجيات نظام كمبيوتر العميل، إلى بنك له وجود كامل على الشبكة، ويحتوى موقعه كافة البرمجيات اللازمة للأعمال البنكية، وفوق ذلك تطور مفهوم العمل البنكي من أداء خدمات مالية خاصة بحسابات العميل إلى القيام بخدمات المال والاستشارة المالية وخدمات الاستثمار والتجارة والإدارة المالية وغيرها.
ويحقق استخدام الأنترنت في المجال البنكي العديد من المزايا لكل من البنك والعميل على حد سواء، حيث يمكن للبنك تقديم خدماته على مدار الساعة دون قيد بأوقات عمل معينة، ومن أي مكان في العالم توجد به خدمة الأنترنت، ومن ثم يحصل العملاء على الخدمات المطلوبة بيسر وسهولة، كما أنه يعد وسيلة منخفضة التكلفة لتوزيع الخدمات البنكية وترويج أعمال البنك من خلال عرضها على المواقع الإلكترونية على شبكة الأنترنت، بالإضافة إلى إمكان توسيع أعمال البنك جغرافيا دون الحاجة إلى فتح عدد كبير من الفروع وما يصاحب ذلك من تكلفة.
إن إنجاح مساهمة القطاع البنكي والمالي في التنمية والتشغيل الذاتي ودعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة رهين بمواكبة مستمرة وفعالة للقطاع لمواصلة إصلاحه وتوفير المناخ الملائم لاضطلاعه بدوره المحوري في التنمية. اقتضى الأمر تبني مجموعة من الخيارات والانفتاح على التجارب المتقدمة في هذا الخصوص، حيث أصبح لزاما على البنوك المغربية التجارية زيادة اهتمامها بجودة خدماتها المقدمة، وهذا كنتيجة حتمية للمتغيرات المالية والدولية، وذلك باعتبار هذه الخدمات العناصر المحددة للقدرة التنافسية البنكية في السوقين الوطني والدولي، للانتقال إلى عمل بنكي رقمي ومتطور، شامل ومندمج، يحقق الأهداف الأساسية في كل مؤسسة داخل القطاع البنكي، والمتمثلة في:
• زيادة الأرباح والحفاظ على الحصة السوقية.
• الاحتفاظ بالعملاء الحالين واجتذاب عملاء جدد.
• الانتشار والتواجد والمنافسة.
• تقليل النفقات والتكلفة.
وفي الوقت الراهن وما يشهده العالم من تقدم وتطور تكنولوجي، أصبح التحول الرقمي في القطاع البنكي الوطني هو الاتجاه الضروري الذي يضمن للبنوك تحقيق الأهداف السابقة، خاصة وأن هناك آفاق رحبة لإنجاح تجربة الأداء الإلكتروني محليا، وذلك بالنظر إلى مجموعة من المؤشرات التي تساهم في هذا التحول، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1) فيروس كورونا مرجعية جديدة لاعتماد وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة:
يعد الوباء العالمي COVID 19 من أصعب التحديات التي يمر منها القطاع البنكي علميا ومحليا، إذ أن توابعه على الاقتصاد العالمي لم تنتهي بعد، غير أنه في محاولة إلى النظر بإيجابية إلى هذه الأزمة العالمية سنجد أنها أحدثت تغيير وتطور بالغ في تسريع خطوات مختلف القطاعات وخاصة اقطاع البنكي نحو التحول الرقمي. فبالنسبة للمؤسسات البنكية وأعمالها وموظفيها، تجلت فكرة العمل عن بعد وأثبتت نجاحا ملحوظا مما يدعو إلى إعادة التفكير وترتيب الأولويات من قبل الأبناك في ضرورة تواجد الموظفين في أماكن العمل ومواعيد محددة، كما كان الاتجاه بشكل عام للتعامل الإلكتروني واعتماده كوسيلة رسمية وإيقاف المعاملات الروتينية أو الورقية على المستوى الإداري من تقارير وخطابات واجتماعات، حيث تحولت إلى الحلول الرقمية البديلة، مثل العمل عن بعد، التعامل بالبريد الإلكتروني، وعقد الاجتماعات بتطبيقات التناظر عن بعد في الغرف الافتراضية.
وفي مقابل هذا كان لهذه الأزمة تأثير رقمي على العملاء أيضا، حيث تغيرت ثقافة العملاء واتجهت نحو الحلول الرقمية في ظل عدم وجود حلول بديلة بشكل كاف في ظل محدودية فرص التواجد في الفروع التقليدية للبنوك بسبب التدابير الاحترازية التي فرضتها الدولة وتسهيل المؤسسات البنكية في فترة الجائحة لبعض الإجراءات وإتاحتها للعديد من الخدمات البنكية الإلكترونية، ساهم في نجاح اقتناع العملاء بالتعامل الرقمي بل والاعتماد عليه في إنجاز معاملاتهم، كما ساهمت فترة الجائحة في دخول شريحة جديدة من العملاء للقطاع البنكي تطبيقا لاستراتيجيات الدولة الصحية والتشجيع على التعامل اللا نقدي.
2) الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي منطلق للتحول نحو الأداء الإلكتروني:
يقصد بالشمول المالي إتاحة واستخدام كافة الخدمات المالية من مختلف فئات المجتمع بمؤسساته وأفراده من خلال القنوات الرسمية، بما في ذلك حسابات التوفير البنكية، وخدمات الدفع والتحويل، والتأمين، والتمويل والائتمان، وابتكار خدمات مالية أكثر ملاءمة وبأسعار تنافسية. وقد فرض كسب تحدي الشمول المالي على المغرب اعتماد نماذج بديلة تتلاءم مع خصوصيات المواطنين، مثل الدفع الإلكتروني والرقمنة، لزيادة اندماج المواطنين في المنظومة المالية ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولضمان شمولية الخدمات المالية، تم تنفيذ استراتيجية وطنية بأهداف محددة في أفق 2023 و2030، وترتكز هذه الاستراتيجية على الدور الذي يمكن أن تضطلع به البنوك من خلال توسيع دائرة عملائها عبر وضع تصورات لمنتجات وخدمات ملائمة، والتي يعد الأداء الإلكتروني من أهمها.
وهكذا يتم التركيز على ثلاثة محاور أساسية تتعلق، أولا، بتطوير نموذج للتمويل البديل بتكلفة أقل من خلال الترويج للخدمات البنكية عبر الهاتف المحمول والخدمات البنكية الإلكترونية، فضلا عن إزالة الطابع المادي ورقمنة الخدمات المالية، والتي من شأنها تعميم الوصول إلى الخدمات المالية بأقل تكلفة.
وارتباطا بهذا، يعتبر الشمول المالي الرقمي، والذي يقصد به القدرة على الوصول الرقمي للخدمات المالية الرسمية واستخدامها من قبل السكان غير المشمولين ماليا، المنطلق الرئيسي نحو التحول إلى النموذج الإلكتروني اللامادي في العمل البنكي، خاصة وأن العالم يشهد أكبر فيروس عرفه في القرن 21م، وهو فيروس كورونا المستجد، علاوة على الآثار الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية التي يحققها هذا الهدف.
3) موقع الرقمنة في النموذج التنموي الجديد:
تعتبر الرقمنة أحد الأوراش التحويلية الكبرى في النموذج التنموي الجديد للمملكة لإطلاق تنمية مستدامة، حيث اعتبرها التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي رافعة حقيقية لا يمكن الاستغناء عنها في ظل التحولات العالمية الراهنة، حيث أنه من بين أهداف هذا الرهان الاستراتيجي تطوير منهج إلكتروني يهتم بالعلاقات بين المواطن والمقاولة والدولة، وتقديم خدمات بجودة عالية، في زمن وجيز وبتكلفة أقل، مع تحسين الرقابة والشفافية وتسهيل الوصول إلى المعلومة أو الخدمة إلى الزبائن أو المرتفقين في جميع أنحاء الوطن.
وعليه، فالرقمنة صارت تكتسي طابعا حتميا يلزم كافة الفاعلين أفرادا ومؤسسات على مواكبة التغيير بل استباقه، ولا شك أن القطاع البنكي الوطني معني بهذا الأمر، لأن إنجاح هذا النموذج على أرض الواقع يعتمد على تفعيل الرافعات الأساسية التي حددتها اللجنة لهذا النموذج، والتي تشكل الرقميات أولاها.
4) التحول الرقمي دعامة لاندماج الأبناك في المدن الذكية:
وعيا بدور التطور التكنولوجي والمعلوماتي واعتماد الذكاء الرقمي في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز البنيات التحتية وتأهيلها، جعلت المملكة المغربية منها توجها هيكليا، في صلب الإصلاحات الكبرى في مختلف المجالات، وهذا ما يظهر من خلال انخراط المملكة في التوجه الذي يرمي إلى إحداث المدن الذكية، باعتبارها مدن مستدامة ومبتكرة، قادرة على المنافسة وتحقيق تطلعات المواطنين وقطاع الأعمال.
ولإنجاح هذا التوجه ينبغي على مختلف القطاعات المعنية أن تعي حجم وأهمية هذا التوجه، وأن يقتضي انفتاحا كبيرا واستغلالا جيدا لمفرزات الثورة الرقمية، ويبقى المجال البنكي واحدا من هذه القطاعات المعنية إن لم نقل أهمها بالنظر إلى كونه ركيزة من ركائز الاقتصاد التنمية الاجتماعية.
ولابد من الإشارة في سياق الحديث عن مؤشرات إنجاح التحول الرقمي للقطاع البنكي المغربي إلى أن هذا التحول يحمل معه تبعات يتعين أخذها بعين الاعتبار، والتي يمكن ذكر أهمها في الآتي:
تغير في متطلبات بعض الوظائف واختفاء بعضها:
هناك عدد من الوظائف لن تكون كسابق العهد خلال التحول الرقمي بالقطاع البنكي، مما قد يسبب عرض زائد من نوع معين من الوظائف التقليدية نوعا ما، مثل الصرافين، الأعمال الإدارية، المحاسبين، موظفو الاستقبال وغيرها من الوظائف ذات الطابع الروتيني التي يمكن للتقنيات الرقمية أن تحل محلها بشكل كامل، ومع ذلك هذا لا يعني الاستغناء على شاغلي هذه الوظائف، فيجب أن نميز بين انتهاء الحاجة إلى وظائف معينة تحل محلها التقنيات الرقمية وانتهاء الحاجة للعنصر البشري القائم بهذه الوظائف، فشاغلي هذه الوظائف يمكن استغلال طاقاتهم ورغباتهم في الحفاظ على وظائفهم في أن يتم تدريبهم ورفع كفاءتهم للتناسب مع المطلوب خلال عملية التحول الرقمي، فالرقمنة لا تحل محل العنصر البشري إذ لابد من اشراف العنصر البشري على العمليات الرقمية بشكل دوري.
التخلي عن المهارات والكفاءات التقليدية واستبدالها بأخرى رقمية:
هذا التحول يضع المسؤولية على عاتق المؤسسة البنكية من جهة، حيث يتعين عليها الانتقال بالموظفين ذوي المهارات التقليدية المحدودة إلى المهارات الرقمية المطلوبة للفترة الراهنة، والتي تتناسب مع أهداف المؤسسة في تحقيق تحول رقمي ناجح وفعال، من خلال إعداد وتنظيم البرامج والدورات التدريبية المتخصصة. كما أن المسؤولية تقع كذلك على الموظفين من جهة أخرى، حيث ينبغي أن يعوا أنه من اللازم عليهم اللحاق بالتطور التكنولوجي، إذ أنه لم تعد هناك حاجة للمهارات التقليدية التي تمكنت الحلول الرقمية من الاحلال مكانها بسهولة، فتقع عليهم مسؤولية الرغبة والعمل على التطوير والتعلم المستمر والسعي نحو ذلك بالتزامن مع مبادرات المؤسسة التابعين لها لتنمية المهارات والكفاءات.
إلا أن اعتماد وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة مرتبط بمواجهة مجموعة من المخاطر التي تتطور يوما بعد يوم نظرا
للطفرة الهائلة التي يتميز بها عالم المال والأعمال، ونتيجة للتطور التكنولوجي المطرد الذي يشهده القطاع البنكي، والتي يمكن إجمالها في الآتي:
المخاطر التقنية: تحدث هذه المخاطر من احتمال الخسارة الناتجة عن خلل في شمولية النظام أو من أخطاء العملاء، أو من برنامج إلكتروني غير ملائم للصيرفة والأموال الالكترونية.
مخاطر الاحتيال: وتتمثل في تقليد برامج الحواسب الالكترونية أو تزوير معلومات مطابقة للبرامج الالكترونية، أو تعديل بعض المعلومات بخصوص الأموال الالكترونية.
مخاطر التشغيل: قد ينشأ الخطر من سوء استخدام أنظمة البنوك الإلكترونية، أو سوء مراقبة الأنظمة في حد ذاتها، في حالة ما إذا كانت تلك الأنظمة غير متكاملة بالشكل المطلوب.
مخاطر قانونية: تحدث المخاطر القانونية في حالة انتهاك البنك للضوابط المقررة في هذا القطاع وللقواعد القانونية المنصوص عليها، خاصة تلك المتعلقة بغسيل الأموال، أو نتيجة عدم التحديد الواضح للحقوق والالتزامات القانونية الناتجة عن العمليات الإلكترونية، ومن ذلك عدم وضوح مدى توافق قواعد حماية المستهلكين في بعض الدول أو لعدم المعرفة القانونية لبعض الاتفاقيات المبرمة باستخدام الوسائط الإلكترونية.
مخاطر فجائية: مثل هذه المخاطر تؤدي إلى مشاكل في السيولة وفي سياسة القروض البنكية، حيث أن فشل المشاركين في نظام نقل الأموال الإلكترونية أوفي سوق الأوراق المالية بشكل عام في تنفيذ التزاماتهم - الدفع والتسديد - يؤدي غالبا إلى توتر قدرة مشارك أو مشاركين آخرين للقيام بدورهم في تنفيذ التزاماتهم في موعدها، وهذا ما يؤدي إلى توتر العلاقات وزعزعت الاستقرار المالي في السوق.
مخاطر تكنولوجية: ترتبط المخاطر بالتغيرات التكنولوجية السريعة، وإن عدم إلمام موظفي المصارف بالاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الحديثة يؤدي إلى القصور في أداء العمليات الالكترونية بشكل صحيح.
مخاطر السمعة: تنشأ هذه المخاطر في حالة توافر رأي عام سلبي تجاه البنك نتيجة عدم قدرته على تقديم خدمات بنكية إلكترونية وفق معايير الأمان والسرية والدقة، والاستمرارية والاستجابة الفورية لاحتياجات ومطالب العملاء، وهو أمر لا يمكن تجنبه سوى باهتمام البنك بتطوير رقابة ومتابعة معايير الأداء بالنسبة لنشاطاته.
وتأسيسا على ما سبق، فإن تطوير السياسة النقدية الوطنية باعتماد وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة ضمن منظومة الأداء النقدي الوطنية يعتمد بالأساس على تأطير هذه الوسائل تأطيرا قانونيا خاصا وواضحا وكافيا يضمن لها كفاية ذاتية تجعلها تقوم مقام النقود وتؤدي نفس الوظيفة التي تؤديها هذه الأخيرة، هذا التأطير الذي نلمسه بصورة غير مباشرة في مجموعة التشريعات التي تنظم التعاملات ضمن البيئة الرقمية، والتي يمكن إجمالها في الآتي:
• القانون المنظم لقطاع الاتصالات: يعتبر قطاع الاتصالات القوة المحركة لدفع عجلة الاقتصاد في إطار النظام العالمي لتكنولوجيا المعلومات، فالامتداد الواسع للخدمات وتنوعها أدى إلى إعادة النظر في طريقة إدارة وتنظيم هذا القطاع، وعليه أصبح من الضروري وضع إطار قانوني فعال يتماشى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب ويشجع على المنافسة المشروعة والمبادرات الحرة لصالح المستخدمين ويأتي في هذا الصدد قانون رقم 96 - 24 المتعلق بالبريد والمواصلات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.162 بتاريخ 7 أغسطس1997 ،كما تم تغيره وتتميمه .
• مجلس وطني لتكنولوجيات الإعلام والاقتصاد الرقمي: صدر مرسوم رقم 2 -08 -444 بتاريخ 21 ماي 2009 بإحداث مجلس وطني لتكنولوجيات الإعلام والاقتصاد الرقمي، وقد أبرزت المادة 2 من هذا المرسوم أنه تناط بهذا المجلس مهمة تنسيق السياسات الوطنية الهادفة إلى تطوير تكنولوجيات الإعلام والاقتصاد الرقمي وضمان تتبعها وتقييم تنفيذها.
• القانون 61.16 المحدث بموجبه وكالة التنمية الرقمية: الهدف من إحداث هذه الوكالة هو تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية وتشجيع نشر الوسائل الرقمية وتطوير استخدامها بين المواطنين.
• القانون رقم 03.07 المتعلق بالإخلال بسير نظم المعالجة الآلية للمعطيات: القانون رقم 07 -03 جاء لتميم مجموعة القانون الجنائي ولسد الفراغ التشريعي في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية والإخلال بسير نظم المعالجة الآلية للمعطيات، يحتوي هذا القانون على تسعة فصول من الفصل 607 -3 إلى الفصل 607 -11 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.
• القانون رقم 05 -53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية: سعى المشرع المغربي إلى تهيئة بيئة قانونية تناسب التطور المذهل وزرع نوع من الثقة في مجال المعاملات التي تتم بطرق الكترونية، حيث بادر إلى إصدار هذا القانون كلبنة أساسية للتبادل الإلكتروني ومعادلة الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية، وكذا تشفير البيانات، وكيفية إبرام العقود الإلكترونية وكذا التوقيع الإلكتروني.
• القانون رقم 08 - 09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي: إذ أحدثت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بمقتضى القانون 08 - 09 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.09.15 بتاريخ 22 صفر 1420 18 فبراير 2009 وبتطبيقها لمرسوم رقم 2.09.165 الصادر في 25 من جمادى الأولى 1430 ,21 ماي 2009 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وتبدو أهمية هذا القانون في أنه سيساهم في تقوية ثقة المستهلك المغربي في المعاملات الالكترونية والاستفادة من مزايا التجارة الالكترونية، وسيشكل أداة هامة لحماية الحياة الخاصة والبيانات الشخصية للمواطن وجعل المغرب قبلة للمستثمرين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي.
• القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية لمستهلك: اهتمت التشريعات الحديثة بحماية المستهلك في نظام التبادل الإلكتروني للمعطيات، فالمستهلك يمثل الطرف الضعيف خصوصا عندما يتعلق التبادل الإلكتروني للمعطيات بالعقود المبرمة عن بعد، وبما أن القواعد العامة في التشريعات المدنية توفر حماية كافية للمستهلك، فقد كان لزاما على التشريعات الحديثة أن تقر بعض الوسائل لحمايته.
وهكذا، جاء الاهتمام بحماية المستهلك الإلكتروني بعدما أسهم التطور التكنولوجي الحديث في مجال الاتصالات والمعلوميات في دخول شبكة الأنترنت في مجالات الحياة اليومية للأفراد والشركات على حد سواء، وهو ما أثر أيضا على الطريقة التي تتم بها المعاملات والصفقات التجارية، سواء من حيث الاتفاق المنشئ لها أو من حيث طريقة الوفاء بالالتزامات المترتبة عليها، بحيث ظهرت التجارة الإلكترونية والإدارة الإلكترونية، لينتج عنها فيما بعد مصطلح التسوق الالكتروني والقرار الإداري الالكتروني.
وتنبع أهمية توفير حماية المستهلك من أنه يمثل الطرف الضعيف في العملية التعاقدية، فالرغبة في الربح السريع دفعت العديد من التجار والمنتجين ومقدمي الخدمات إلى اتباع أساليب غير مشروعة للإثراء السريع، باستخدام وسائل الغش والخداع المختلفة، خصوصا عندما يكون التعاقد عن بعد، لذلك فرضت التشريعات الحديثة المتعلقة بحماية المستهلك على التاجر المهني، باعتباره الطرف القوي في التعاقد العديد من الواجبات والالتزامات القانونية اتجاه المستهلك.
• القانون 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية: يعد قانون 43.20 المتعلق بالثقة الإلكترونية أحدث مواليد مجال التوقيع الإلكتروني في شقه التشريعي، والذي يقضي بالنهوض بالثقة الممنوحة للمعاملات الإلكترونية، وهو مبدأ تم تعزيزه في المادة 3 من نفس القانون، على اعتبار أن هاته الأخيرة تتمثل في إثبات صحة التوقيعات الإلكترونية أو الأختام الإلكترونية التي يتم إنشاءها من قبل، وكذلك حفظ التوقيعات أو الأختام أو الشهادات المتعلقة بهاتين الخدمتين.
غير أن ذلك يبقى مرهون بتجاوز المعيقات التي تواجه الأخذ بهذه الوسائل، ونعني هنا تحصين وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة من المخاطر التي تفرزها البيئة الرقمية، التي تتمثّل أساساً في مخاطر اختراق الحياة الخاصة للأفراد، التي تفرضها تطبيقات الأداء الإلكتروني على المستخدم، كمنح تراخيص الوصول واستعمال مجموعة من المعطيات الخاصة داخل الهاتف أو الحاسوب التي يمكن أن تستعمل ضده في حال وقوعها في أياد خطأ، إلى جانب مخاطر اختراق الحسابات البنكية التي تعرف تناميا ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ثم المشاكل التقنية التي قد تشل الحركة الاقتصادية للبلاد بسبب عطل تقني واحد.
إن وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة طرق تقنية مبتكرة لتسهيل الأداء على الزبون، وضمانة للبائع من أجل استخلاص الثمن، الأمر الذي يحتم الاضطلاع بهذه الأنظمة ودراستها من جهة، ومن جهة أخرى فإن نجاح التجارة الإلكترونية بوجه عام رهين بضمان سلامة الأداء الإلكتروني من المخاطر التي تحدق به، وهي مخاطر عديدة قد تكون مرتبطة بالنظم المعلوماتية أو بالمستهلك نفسه أو عن فعل الغير.
والإشكالية الرئيسية التي اخترتها لدراسة هذا الموضوع، تتمحور فيما يلي: إلى أي حد يمكن القول ان وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة تتمتع بكفاية ذاتية تجعلها تقوم مقام النقود او الأوراق التجارية التقليدية في الأداء؟ وإلى أي مدى توفق المشرع المغربي في وضع ضوابط قانونية تحكم التعامل بها وتصونها من المخاطر التي تهددها؟
كما أنه بالإضافة إلى الإشكالية المحورية، هناك مجموعة من التساؤلات المرتبطة بموضوع البحث المتمثلة في الآتي:
- ما مرجعيات الأداء الإلكتروني المعتمدة في التشريع المغربي؟
- فيما تتمثل القواعد والمعايير المعتمدة لمواجهة المخاطر التي تهدد وسائل الأداء الإلكترونية الحديثة؟