أكادير.. الذات والهوية وتخييل الواقع في الرواية المغربية المكتوبة بالأمازيغية 

أكادير.. الذات والهوية وتخييل الواقع في الرواية المغربية المكتوبة بالأمازيغية  جوانب من الأنشطة
في إطار أنشطته الثقافية، نظم مختبر السرديات بالدار البيضاء وجمعية الشعلة للتربية والثقافة - فرع أكادير، ندوة علمية في موضوع " الذات والهوية وتخييل الواقع في الرواية المغربية المكتوبة بالأمازيغية"، ألقيت مداخلاتها بالأمازيغية، يوم السبت 16 دجنبر 2023، ابتداءً من الساعة الخامسة ، بقاعة العروض بالمديرية الجهوية لقطاع الشباب بسوس ماسة أكادير، وذلك بهدف الوقوف عند ما حققته هذه النصوص من جماليات في التعبير عن الهوية في تصاديها مع الذات والتاريخ والمجتمع وكذلك في تنوع أشكالها وموضوعاتها، وقدرتها على استكمال حلقات التخييل المغربي بكل أصواته. بالإضافة، إلى التعريف بالرواية المغربية المكتوبة بالأمازيغية، وثانيا، إلى إبراز أهميتها باعتبارها منجزا روائيا مغربيا جديدا ينضاف إلى ما راكـمه الروائـيـون المغاربة من متون بالعربية ولغات أخرى، في التعبير بجماليات التخييل الروائي عن قضايا الذات والمجتمع الهوية.
 
في البداية استهل الحسن أمخلوف منسق أشغال الندوة كلمته بوضع اللقاء في سياقه الثقافي مبرزا أهمية مثل هذه الندوات في الدينامية الثقافية والإنفتاح على الإبداع الأمازيغي وخاصة الروائي منه. بعد ذلك تقدم إبراهيم أمنون مندوب الجمعية بكلمة عن جمعية الشعلة مرحبا بالمشاركين ومعبرا عن شكره لكل من ساهم في تنظيم أشغال هذه الندوة التي تأتي في سياق اهتمام جمعية الشعلة بالشأن الثقافي. كما تحدّث رئيس جمعية الشعلة عن أهمية تنظيم هذه الندوة التي تبرز مدى الإهتمام بالشأن الثقافي شاكرا كل الأطراف التي أسهمت في الإعداد والتنظيم.
 
من جهته عبر إبراهيم أزوغ في كلمة مختبر السرديات عن سعادته بانعقاد هذا اللقاء الذي يعتبر حلقة من سلسلة من الندوات والملتقيات التي يسهر المختبر على عقدها في مدن مغربية كثيرة (تطوان والدار البيضاء وبرشيد وسطات ووجدة والقنيطرة وبني ملال وخريبكة والفقيه بن صالح ووادي زم...) حول موضوعات وقضايا وأشكال تعبيرية مختلفة؛ في التاريخ والذاكرة والمجتمع وحول التراث المادي واللامادي. والرواية المغربية بلغاتها وأشكالها الجمالية المتنوعة، مؤكدا على أن الإعداد داخل المختبر، لهذه الندوة، قد بدأ قبل ما يزيد عن السنة،  مع عدد من الباحثين في الجامعات المغربية المختلفة، معتبرا أن الرواية المغربية المكتوبة بالأمازيغية رغم حداثتها قد راكمت من النصوص ما يستدعي متابعتها بالنقد والقراءة، وأشار أزوغ إلى أن أوراق الندوة العلمية سيتم نشرها في الكتاب السنوي لأعمال المختبر، منوها في الأخير وشاكرا لجمعية الشعلة فرع أكادير على تعاونها في انعقاد هذا اللقاء العلمي الثاني للمختبر بأكادير حول الرواية المغربية.
 
المداخلة الأولى للباحث مبارك اباعزي بعنوان "الرواية الأمازيغية محطات تاريخية"، حيث استعرض المسار الذي قطعته الرواية الأمازيغية منذ نشوئها في سنوات الأربعينات من القرن الماضي، مرورا بالبدايات التأسيسية في سنوات التسعينات، وصولا إلى المرحلة الحالية التي شهدت انتعاشا ملحوظا وانتشارا واسعا. وتقديم الرواية الأمازيغية بالشكل السابق مرده الحاجة إلى معرفة المنشور من النصوص الروائية، والقضايا التي تناولتها، والوضع الثقافي الذي أصبحت عليه مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى.
 
المداخلة الثانية للباحث عبد المطلب الزيزاوي حول"بعض ملامح الجمالية في الرواية الأمازيغية"، وقد سعى إلى تسليط الضوء على جمالية الرواية الأمازيغية بالريف، من خلال محورين أساسين: المحور الأول إطلالة عامة حول نشأة هدا الجنس الأدبي بالمنطقة منذ الإرهاصات الأولى إلى اليوم، إضافة إلى بعض المواضيع والقضايا التي يطرحها الكتاب من خلال نصوصهم؛ أما المحور الثاني فجاء حول بعض النماذج المختارة، على شعرية الرواية، أو الوظيفة الشعرية التي تطغى على النصوص الأدبية ، بصيغة أخرى، التركيز على البعد الجمالي في الرواية اعتمادا على أمثلة مختارة لتبيان كيف يطوع الكتاب اللغة للسفر بنا في عوالم إبداعية. 
 
المداخلة الموالية للباحث عياد الحيان حول الرواية الأمازيغية من كتابة الهوية إلى هوية الكتابة، موضحا أن ظهور الرواية المكتوبة باللغة الأمازيغية مرتبط بالسياق العام الذي نشأ فيه الأدب الأمازيغي المكتوب منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وتؤطره فكرة الإنتقال من الشفوية إلى الكتابة لتحقيق تراكم أدبي، ويأتي ظهور هذا الجنس الأدبي كتعبير عن رغبة الأدباء في تنويع التعبيرات الأدبية وإغناء الحقل الأدبي الأمازيغي، مشيرا إلى إن الكتابة باللغة الأمازيغية ينم عن همّ هوياتي بهاجس الحفاظ على اللغة والنهوض بها أدبيا، كما أبرز الباحث علاقة الهوية بالكتابة الروائية ويمكن تلخيصها في أن هذه الكتابة عرفت انتقالا من كتابة الهوية إلى هوية الكتابة. 
 
بعد ذلك تقدم الباحث الحسن زهور بمداخلة حول"السجن في الأدب الأمازيغي الحديث"، مشيرا إلى أن الكتاب أو الشعراء الذين عاشوا هذه التجربة السجنية لم يخصصوا لها جانبا في إبداعاتهم مما يمكن إدخاله ضمن ما يسمى بأدب السجون؛ فلم يكتبوا عنها بطريقة مباشرة، لكنهم وظفوا هذه التجربة في كتاباتهم، حيث أسند بعضهم كحسن إد بلقاسم إلى بعض شخصياته القصصية مهمة الحديث عن تجربته السجنية، مبرزا أن الكتاب والشعراء الذين خبروا تجربة الاعتقال السياسي والسجن لم يتحدثوا عن تجربة الإعتقال كما نجدها عند بعض الكتاب والشعراء المغاربة الذين يبدعون بالعربية أو بالفرنسية؛ فما كتبه الأدباء بالأمازيغية لم يتجاوز وصف أسباب الاعتقال التي تعرضت لها شخصياتهم في نصوصهم الإبداعية ووصف ظروف الاعتقال المتعلق بنضالهم السياسي، ووصف معاناة شخصياتهم  داخل السجن أو أثناء فترات الإعتقال.
 
المداخلة الخامسة ساهم بها الباحث علي أيت لاشكر والموسومة بجمالية الإيقاع الصوتي في الرواية الأمازيغية Askʷti n tlkkawt أنموذجا. حيث أشار إلى أنه إذا كانت جل الدراسات النقدية تربط الإيقاع الصوتي بالشعر، فإن ذلك لا يعني غيابه في الأجناس الأدبية الأخرى؛ ذلك أن عددا من الأعمال الأدبية كالرواية مثلا، تولي أهمية بالغة للجانب الصوتي، وتجعله ركيزة رئيسة في بناء جماليتها، مبرزا أن العمل الروائي الموسوم بـ"Askʷti n tlkkawt" للروائية الأمازيغية فاضمة فراس من الأعمال التي اهتمت اهتماما بالغا بمكونات الإيقاع الصوتي، والذي يتخذ عندها أشكالا متعددة. ومن هذا المنطلق حاول الباحث تتبع الأشكال التي يتخذها الإيقاع الصوتي في هذه الرواية، مع بيان دوره في جماليتها.
 
المداخلة الأخيرة للباحث عبد الله زمزكي: الاستعارة والوصف في الرواية الأمازيغية، مقاربة معرفية ودلالية رواية "asawn s uzddar" نموذجا. توقف عند اشتغال الاستعارة في الرواية الأمازيغية "asawn s uzddar" (الصعود نحو الأسفل)، للكاتبة خديجة الـكجضا، التي تحتفي بالاستعارة بشكل لافت. وذلك من خلال تحليل مجموعة من الاستعارات التصورية التي استثمرتها الكاتبة لغرض الوصف في روايتها، باعتباره ملمحا بارزا من ملامح قوة الاستعارة في الرواية. مشيرا إلى أن الاستعارة في هذه الرواية تتسم بتنوع بنياتها التركيبية وأنماطها الدلالية، التي تتأسس، في غالبها، على التفاعل الممتد بين ذات الكاتبة المبدعة وبين محيطها الثقافي الأمازيغي، خاصة من خلال استلهام الأسطورة الأمازيغية المشهورة "حمو ءونامير" بشكل مبتدع، تكشف من خلاله عمق الأسطورة وجوهرها المضمرين. 
واختتمت فصول هذه الندوة بنقاش مثمر يفتح آفاق ضرورة استكمال حلقات قراءة الأدب المغربي بمختلف لغاته وتجلياته.