بادئ بدء، يمكن الجزم بأنه لو كان الوزير بنموسى محاطا بفريق خبراء التواصل السياسي لما وصلت الأزمة الحالية في التعليم إلى ما وصلت إليه الآن، حيث نلاحظ أن كل محطة تشريعية أو حوارية تسفر عن أخطاء تواصلية قاتلة تجعل مبادرة الوزارة موضع شك وتساؤل، مما يفتح الباب للتأويلات والتساؤلات، ويجعل المستهدفين حذرين غير مقتنعين، بل يشعرون أحيانا باستفزازهم وعدم احترام ذكائهم، الشيء الذي يكسر الثقة ويغذي التصعيد.
لنتابع كيف تسلسلت الأخطاء عبر مختلف المحطات حتى وصلت الأمور إلى هذه المستويات.
أول خطأ وقع فيه مكتب الدراسات الذي كلفه الوزير بنموسى بصياغة النظام الأساسي المنشور في الجريدة الرسمية في أكتوبر 2023, هو عدم احترام روح الظهير الشريف الذي تم بموجبه تعيين بنموسى "وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة"، حيث تم حذف مصطلح "الوزارة" في السطر الأول للنص القانوني، ليحل مكانه مصطلح "قطاع"، وبهذا يكون بنموسى، حسب هذا القانون وزيرا "لقطاع" وليس ل"وزارة"، لأن مصطلح "وزارة" تم حذفه بصفة نهائية من النظام الأساسي المعلوم.
كانت إذن الإشارة واضحة من السطر الأول من مرسوم أكتوبر 2023 حول توجهه وحمولته، حيث نسجل هذا الإشكال السياسي والقانوني واللغوي بحذف "وزارة" وتعويض المصطلح ب"قطاع"، وشتان ما بين حمولة الكلمتين.
في نفس السياق نبصر أن عملية حذف مصطلح "الوزارة" جرفت "الوظيفة العمومية" برمّتها؛ حيث نلاحظ أن عنوان المرسوم يشير سنة 2003 إلى "النظام الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية"، بينما في التعديل الحالي لسنة 2023, يعنون المرسوم ب"النظام الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية وفئات أخرى تابعة".
هكذا إذن حل مصطلح "قطاع" مكان "وزارة".
وفي المادة الأولى لمرسوم سنة 2003 نجد تسمية "موظفو وزارة التربية الوطنية"، بينما في مرسوم 2023، نلاحظ كيف حل مصطلح "الموارد البشرية" مكان "موظفو" الوزارة, إضافة إلى عدم توفق مستشاري الوزير في "تغليف" مصطلح "التعاقد" الذي يظهر في كل مرة بغلاف لغوي غير موفق.
استعمال مصطلح "القطاع" مهّد الطريق إذن لمصطلح "الموارد البشرية" وتم حذف مصطلحات "الوزارة" و"الموظف"، وهو ما سيمهد الطريق كذلك لتناسل مصطلحات من عائلة مصطلح "الموارد البشرية" مثل "المردودية" و"تحقيق الأهداف" التي لا يمكن قياسها في ميدان التربية بالمعايير المتداولة في الشركات.
على ما يبدو، وكما توضح المقارنة بين نظامي 2003 و2023 وطبيعة المصطلحات المستعملة، قد يكون مكتب الدراسات المكلف بصياغة النص، نسخ نظاما لشركة عابرة للقارات، وتم تعديل ديباجته قبل عملية اللصق، حيث يعلم الجميع أن مصطلح "الموارد البشرية" تم إدخاله إلى عالم التسيير من طرف شركات عابرة للقارات، وبعض مكاتب استشارات دولية تخدم توجه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في سياسة هذه المؤسسات التي تهدف إلى تفكيك الوظيفة العمومية في بعض البلدان، وخوصصة كل الخدمات العمومية.
بالقاسم امنزو، دكتور في التواصل السياسي