نظمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية مساء الجمعة 15 دجنبر2023 ، في افتتاح مؤتمرها التاسع المنعقد في المكتبة الوطنية في الرباط، جلسة لتكريم الأستاذ محمد اليازغي ،بصفته كاتبا عاما سابقا للنقابة. وشاهد الحاضرون وثائقيا عن المحتفى به واستمعوا إلى شهادتين للإعلامي والوزير السابق محمد أوجار والإعلامي والسفير السابق حسن عبد الخالق في حق الأستاذ اليازغي. في ما يلي تنشر "أنفاس بريس"، الشهادة التي ألقاها الأستاذ حسن عبد الخالق:
طلب الأخ عبد الله البقالي رئيس النقابة، مني أن أدلي في هذا التكريم بشهادة عن الأستاذ محمد اليازغي ، بصفتي أحد الصحفيين الخمسة الذين تم انتخابهم في المؤتمر الوطني الأول للنقابة الوطنية للصحافة المغربية في 15 أبريل 1984، لعضوية مكتبها الوطني، بقيادة كاتبها العام الأخ اليازغي، بعدما كانت منذ تأسيسها مقتصرة على مديري بعض الصحف.
وإذا كان الأستاذ اليازغي معروفا بعمله السياسي وبكونه من الذين بصموا بمواقفهم ونضالاتهم الحياة السياسية المغربية، من أجل توطيد الديمقراطية و تعزيز احترام حقوق الإنسان وانبثاق مؤسسات منتخبة ذات مصداقية، فإن هذه الشهادة تهم عمله النقابي وعلى ما بذله طيلة رئاسته النقابة الوطنية للصحافة المغربية من 1984 إلى 1993 من جهود محمودة، لتمكينها من أن تكون في خدمة تطور الصحافة والدفاع عن أوضاع الصحفيين وخدمة القضايا الوطنية.
توسيع قاعدة النقابة
كان للأستاذ اليازغي الفضل في الدفع بأن تصبح النقابة الوطنية للصحافة المغربية نقابة للصحفيين ولا تقتصر على الصحف وعمل في ولايته على توسيع قاعدتها ، بعدم اقتصارها فقط على صحفيي الصحافة المكتوبة، مما فتح المجال لأن ينتمي إليها الصحفيون العاملون في الإعلام السمعي والبصري ووكالة المغرب العربي للأنباء والصحفيون المغاربة مراسلو الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية.
كما تقرر في عهد قيادته النقابة تأسيس فروع لها في عدد من الجهات والأقاليم وألا تبقى مقتصرة على الصحفيين العاملين في الرباط والدار البيضاء . وفضلا عن توسيع قاعدة النقابة، من أجل الدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين على المستويين الوطني والمحلي، كان الهدف من تأسيس الفروع تمكين المنخرطين فيها وأغلبيتهم من المراسلين من دورات تكوينية في تقنيات العمل الصحفي .
دفتر مطلبي في الحوار مع السلطات العمومية
وكان الأستاذ اليازغي يدافع عن دور النقابة باعتبارها أداة تسهر على تحسين وضعية الصحف ورجال الإعلام وحرص في ولايته على فتح حوار مع السلطات العمومية ، ممثلة آنذاك في وزارة الداخلية والإعلام ،والتقدم لها بدفتر مطلبي يتضمن عددا من النقاط .وفي هذا الشأن حصلت النقابة في سنة 1988 على مقر، خلفا لمقرها السابق الذي كان يوجد في جريدة "العلم" في شارع علال بن عبد الله، منذ تأسيسها في 1963.
وتمكنت النقابة من تحقيق عدد من المطالب ، من قبيل تخفيض رسوم استيراد ورق الطباعة ودعم اشتراك الصحف في خدمات وكالة المغرب العربي للأنباء ودعم الاشتراك في الهاتف.
وحصل الصحفيون على تخفيضات في التنقل عبر القطار وشركة النقل الوطنية ساتيام والإقامة في عدد من الفنادق المصنفة.
وفي إطار هذا النهج المطلبي ، اقترحت النقابة أن توقع المؤسسات الصحفية اتفاقيات جماعية لتحسين أجور الصحفيين والعناية بأوضاعهم الاجتماعية ،لأن وضعية الصحفيين في عدد من المؤسسات في تلك الفترة كانت سيئة ، من حيث الأجور وغياب التغطية الاجتماعية.
وفي غمرة حوار النقابة في عهد الأستاذ اليازغي مع السلطات العمومية لتحقيق ملفها المطلبي، استجاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه لمتلمس أعضاء لجنتي الداخلية والإعلام في مجلس النواب ووجه رحمه الله في سنة 1986 رسالة إلى الوزير الأول آنذاك، حثه فيها على تخصيص 20 مليون درهم سنويا لدعم الصحافة الوطنية و الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية و تم التنصيص على تخصيص هذا المبلغ في قانون المالية للسنة الموالية في سنة 1987،وتطور الأمر لاحقا إلى أن يخصص دعم عمومي للصحافة بمعزل عن الدعم المقدم للأحزاب والنقابات .
ودفاعا عن حرية الصحافة وتطوير الممارسة الإعلامية ، طالبت النقابة برئاسة الأستاذ اليازغي بتعديل قانون الصحافة وصياغة قانون جديد للمهنة يعوض قانون سنة 1942 المعدل في سنة 1956 وبرفع المنع الذي طال عددا من المجلات.
وأدى النقاش الذي فتحته النقابة مع وزارة الداخلية والإعلام في تلك الفترة حول وضعية وآفاق الصحافة والإعلام في بلادنا إلى تنظيم المناظرة الأولى للإعلام والاتصال في مارس 1993، وكانت النقابة ضمن اللجنة التحضيرية للمناظرة، التي أعدت مشاريع المقترحات المعروضة على لجانها الأربعة و قامت النقابة من خلال ممثليها بدور أساسي في أشغال هذه المناظرة التي خرجت بتوصيات شكلت مرجعا لما تحقق لاحقا من إصلاحات في المشهد الإعلامي المغربي.
توطيد مكانة النقابة على الصعيد الخارجي
والتفت الأستاذ اليازغي إلى أهمية انخراط النقابة في نسج علاقات على الصعيد الخارجي ،فضلا عن توطيد موقعها في اتحاد الصحفيين العرب ،مما يمكنها من تعزيز مكانتها على الصعيدين العربي والدولي ،وبالتالي يساعدها داخليا على الدفاع عن حرية الصحفيين وحقوق الصحفيين .وهكذا حصلت النقابة على عضوية المنظمة العالمية للصحفيين وكان مقرها براغ والفدرالية الدولية للصحفيين التي كان مقرها في بروكسيل وانضمت النقابة إلى لجنة حماية الصحفيين التي يوجد مقرها في نيويورك. وفي فترة رئاسته، وقعت النقابة على عدد من اتفاقيات التعاون مع عدد من النقابات والمنظمات المهنية العربية والأوروبية في المعسكريين الغربي والاشتراكي آنذاك.
النقابة في خدمة القضية الوطنية
وحرص الأستاذ محمد اليازغي على أن تكون النقابة فاعلة في الدبلوماسية الموازية وفي خدمة قضية وحدتنا الترابية، بشرح عدالة ملف استرجاع أقاليمنا الجنوبية في اللقاءات الثنائية مع النقابات والمنظمات المهنية الشقيقة والصديقة وفي مؤتمرات المنظمات الصحفية الدولية والتصدي في هذه اللقاءات لأطروحة خصوم بلادنا.
وفي هذا الإطار كرست النقابة الموقف الذي سبق لاتحاد الصحفيين العرب أن عبر عنه ،بتأييده الوحدة الترابية لبلادنا، كما استضافت في نهاية نونبر 1991 ،في الدار البيضاء اجتماع اتحاد الصحفيين الأفارقة ونظمت للزملاء القادمين من بلدان القارة زيارة للأقاليم الجنوبية، للوقوف على حقيقة الوضع في المنطقة وتسفيه مزاعم خصوم وحدتنا الترابية.
ولا يزال الأستاذ اليازغي وهو الملم بتفاصيل تطورات قضيتنا الوطنية، مدافعا صلبا عنها ونستحضر هنا تدخلاته التي أكد فيها مسؤولية النظام الجزائري في خلق وتغذية التوتر المفتعل حول هذه القضية ومواجهته المسؤولين الجزائريين بهذه الحقيقة، مثل ما حدث في 27 أبريل 2008 في طنجة عندما دعا في كلمته خلال الاحتفال بالذكرى الخمسين لمؤتمر طنجة لأحزاب المغرب العربي، الذي حضره الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني والوزير الأول الجزائري عبد العزيز بلخادم "رؤساء الدول المغاربية الشقيقة، وبالخصوص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى دعم المشروع المغربي بمنح الصحراء حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية لإخراج مِـلف الصحراء من المأزق الذي يوجد فيه ".
وفي هذا الشأن نستحضر أيضا تحليله لتطورات ملف قضية الصحراء المغربية الوارد في كتاب الصحفي يوسف ججيلي “ محمد اليازغي الصحراء هويتنا؟"،الذي يتماهى عنوانه مع ما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس دائما من أن قضية الصحراء بالنسبة لبلادنا هي قضية وجود وليست قضية حدود .
الدفاع عن القضية الفلسطينية
ووظف الأستاذ اليازغي أيضا أداءه النقابي لخدمة القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي ظلت تحظى باهتمامه باعتباره من المؤسسين للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني.
وكانت القضية الفلسطينية في طليعة جدول أعمال اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب الذي استضافته النقابة الوطنية للصحافة المغربية في سنة 1985 في الرباط. وفي تلك السنة كانت حركة فتح الفلسطينية تعاني تداعيات محاولات شقها من أحد الأنظمة العربية ، الذي كان يسعى إلى احتواء منظمة التحرير الفلسطينية والسيطرة على قرارها .وكان اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين عرضة لذلك الانشقاق وحاول بعض ممثلي النقابات العربية في اجتماع الرباط أن يبقى مقعد الاتحاد الفلسطيني في اتحاد الصحفيين العرب محجوزا للمنشقين ،غير أن الأستاذ اليازغي أحبط هذه المحاولة وقام بدور أساسي في الاجتماع لتمكين قيادة اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، المنبثقة من مؤتمر صنعاء في سنة 1984 ،التي تمثل الشرعية الفلسطينية ،من استعادة موقعها في اتحاد الصحفيين العرب.
وحظي الأخ اليازغي بتقدير قيادات فصائل الثورة الفلسطينية، وكنت شاهدا على هذا التقدير في حفل عشاء أقامه على شرفه المرحوم أحمد عبد الرحمن الناطق الرسمي لحركة فتح والأمين العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سنة 1993، في تونس بحضور عدد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية.
الإيمان بالتداول على قيادة النقابة
في ختام هذه الشهادة أؤكد أن الأخ اليازغي كان حريصا طيلة رئاسته النقابة على التدبير الديمقراطي لشؤونها، بطرحه كل ما يهم عملها ومواقفها ،للنقاش في اجتماعات المكتب الوطني ،دون أن يستبد برأي أو قرار وكان مؤمنا بفضيلة التداول على قيادة النقابة، التي انتخبت في مؤتمرها الموالي المنعقد في سنة 1993، في منصب الكاتب العام المرحوم الأستاذ محمد العربي المساري ،الذي واصل خدمة أهداف النقابة بنفس الفعالية والاقتدار.