يسدل الستار اليوم الجمعة 15 دجنبر 2023، على فعاليات المعرض التشكيلي الفردي الجديد، الذي نظمته الفنانة التشكيلية هدى بنجلون، منذ الثاني من الشهر ، وذلك برواق النادرة بالعاصمة الرباط.
شكل هذا المعرض الأنيق، الذي اختارت له الفنانة شعار : "أبعد من الخيال"، مساحات دافقة بالخيال، لبسط الكثير من الرؤى الفنية، والإشراقات الجمالية، التي أضاءت بها مختلف اللوحات الفنية في لحظات مؤثرة، في الزمان والمكان.
هدى بنجلون في هذا المعرض، كان خيالها مجنحا، وكانت خيالية إلى أبعد الحدود، فقد رسمت حدود الحلم في أبهى التجليات، وأبدعت فيض مشاعر ملونة، بدون توقف، فكانت الألوان، في كل مختلف زوايا اللوحات تفيض بالحسن والضوء والمعاني ورقة الدلالات.
هدى رسمت كل ما يمنح للفؤاد والخاطر ضفافا من الحب والعشق، والأمل، والوداعة في الحياة، فجاءت لوحاتها الفاتنة، غنية بالعلامات، وخصبة بالتأويلات، وفائضة بالحنين والجمال، واللمسات الشعرية التي تتحول معها تلك الإبداعات إلى قصائد تحكي ألف حكاية وحكايات.
حكاية الفن التشكيلي، في أعمال هدى بنجلون، انطلقت منذ الطفولة، في كينونة صبية تحلم بأولى الخربشات، لكن هذه البلية الفنية الجيملة، تحولت مع الزمان، إلى عشق لا متناهي لجوهر الفن، الذي ترى فيه الماضي والحاضر والمستقبل.
مستقبل اللوحة عند الفنانة هدى، أنه لا يقف عن حدود الحقيقة الواحدة، فتباشيره دائمة التطور والتجدد، ودائمة البحث عن قيمة معرفية وجمالية، فكانت لوحاتها مرآة تعكس روح كل ما هو مجتمعي ووجودي وإنساني وكوني.
هكذا تتحول المعاني في لوحات هدى إلى لآلئ من الجواهر الفنية، التي تمنح للمتأمل فيها طويلا، سحر الفنون والإبداع، الذي يعبر بعمق إنساني، الكثير من المشاعر، والنبضات المحلقة في السماء، والسابحة تحت الماء، وفي عمق اللأدرياء.
حين تركب هدى زورق إبداعها، باتجاه الحلم بدون تأشيرة، فهي لا تدري أين توصلها مجاديف المعاني، وبوصلة ألوانها الهائجة، حيث تصنع من تلك العوالم التي أبدعتها، الكثير من النبض الآسر، والأحاسيس الرائعة التي تترجمها بشاشة تلك الألوان بأشكالها يدفئها الوارف، إلى حدائق من السحر والجمال، وجنينات تشقشق فيها العصافير هنا وهناك.
لوحات هدى في هذا السياق، أنس قديم، وعشرة عمر مع طيور تحلق في كينونة عنفوان الشباب والصبايا، حيث الطيور هنا على مختلف أشكالها تقع ولا تقع، وحيث أيضا ملامح كائنات أسطورية سوريالية ترتسم بكل الإبهار والتشويق.
إنها لوحات فلسفة أسطورية، وأسطورة فلسفية تتناسل معها المعاني والدلالات السيميائية، انها تعابير سوريالة، تشبه الشعر أحيانا، وأحيانا أخرى، نشبه الخيال، وأبعد من الخيال، لكنها في النهاية لا تشبه إلا نفسها، فتكون تلك اللوحات الوحيدة التي تدرك معناها الحقيقي، مهما غازلها الملتقي، بقراءات عاشقة، تنفلت معها الحقيقة كما ينفلت النماء من بين الأنامل.
هكذا توجد أنامل هدى بنجلون الرقيقة، عوالم قصية في الخيال، تحتفي في العمق، بالمرأة في تجليات عدة، كما تحتفي بالهوية والعادات والطقوس، وأحلام العالم التي ليس لها مثيل و بكل ألوان الطيف.
فالفنانة هنا، كانت بارعة في رسم حدود أحلامها سواء بالأبيض والأسود من خلال لوحات على مقاس الجمال، أو بكل ألوان السماء والماء، وتلك طريقة ساحرة أبدعت فيها هدى، أشكال وعلامات بارزة.
هنا كائنات أسطورية تحلق في الأعالي، وهناك ملامح آدمية ترقص بلا توقف، وأخرى تحكي قصصا مشوقة من كتاب الغرابة، في عالم يصعد على إدراج السواد بحثا عن نجوم السماء، ومحار البحر والماء.
لا أحد هنا يستطيع أن يدرك الحقيقة الفنية، التي تريد الفنانة أن تبوح بها هدى بنجلون في لوحاتها الباذخة، التي تجعل من بلاغة الإبهام والغموض، مهمازا لها لحمل المتلقي إلى ضفاف التأمل والبحث عن الحقيقية.
الحقيقة في لوحات هذه الفنانة سراب، وفي السراب سحر كلمات، وذهاب ثم رجوع، والولوج إلى عوالم أسطورية مبهرة نلجها من كل الأبواب، إنها بكل اختصار تجربة آسرة، فريدة ومميزة لا تعيش في أي جلباب.
تلك إذن بعض من إشراقات هذه الفنانة التشكيلية التي نظمت العديد من المعارض الوطنية والدولية فردية وجماعية، فنانة لها لمسها الخاصة، رسمت في السماء وتحت الماء، فكانت لوحاتها الخلاقة، ذات البعد الكوني والإنساني والوجودي. عنوانا لرسائل يستلهم المتلقي معانيها في كل زوايا الظلال، وبهجة الإضاءات والخيال.
إنها لوحات، لها أريج فوضوي أنيق، ودلالات تخصبها، الروح الشعرية بكل القوافي والسجع، والرؤى الورافة، وترصعها تجليات ذات بعد صوفي أحيانا، وهو ما يجعل من الفنانة إحدى فنانات المستقبل، لها مكانتها ضمن الحركة التشكيلية النسائية المغربية والدولية، والتي تدرك كم تطاوعها الريشة والألوان لترسم أشكالا فنية لها رقة الأحلام وابعد من الخيال.