أحمد نور الدين: المغرب- الإمارات.. شراكة مستقرة في محيط عربي متوتر

أحمد نور الدين: المغرب- الإمارات.. شراكة مستقرة في محيط عربي متوتر أحمد نور الدين
زيارة العاهل المغربي الرسمية إلى الإمارات العربية المتحدة يومي 4 و5 دجنبر 2023، أعطت انطلاقة جديدة لنموذج متقدم في الشراكة الحقيقية والتعاون الملموس بين بلدين شقيقين؛ وهو نموذج مبني على ترصيد تراكمات نصف قرن من الثقة المتبادلة والعمل المشترك في كل القطاعات الإستراتيجية والإقتصادية والإنسانية دون استثناء.
 
وتشكل طبيعة الإتفاقات الموقعة في أبو ظبي نقلة نوعية في هذه العلاقات الفريدة في منطقتنا العربية، وتعكس رؤية متكاملة للمستقبل، يقودها عاهلا البلدين، ويطبعها طموح مبني على الواقعية وبعيد كل البعد عن الشعارات الرنانة والمفرغة من برامج عملية قابلة للتنفيذ.
 
وإذا رجع بنا الزمن قليلا إلى الوراء، سنجد أن العاهل المغربي كان قد أعلن في القمة الإقتصادية العربية الأولى في الكويت رفضه للاجتماعات الشكلية التي لا تنتج غير بيانات وبلاغات صوتية دون أي محتوى عملي للاندماج والتكامل بين الأسواق العربية؛ ودون آليات لبناء التكتلات والقدرات الإقتصادية التي تستجيب لتطلعات الشعوب العربية. 
 
لقد أعلن محمد السادس منذ 2009، في تلك القمة الاقتصادية، عن رؤيته لما ينبغي أن يكون عليه التعاون بين الأشقاء العرب، وأكد أن مصداقية أي توجه اقتصادي واجتماعي وسياسي للدول العربية، رهين "بوضع خارطة طريق تنموية عربية ملزمة، بأهدافها وآلياتها..".وهذا ما تجسده قولاً وفعلاً الاتفاقات الموقعة بين المغرب والإمارات.نحن إذن أمام ترجمة عملية للرؤية الملكية الإستراتيجية في شقها المتعلق بالتعاون الدولي مع الأشقاء، ولسنا أمام "خرجة" غير محسوبة او عمل مُنبَتّ ومقطوع دون جذور. وما كان لهذه الرؤية الخارجية أن تنجح لو لم تكن هناك رؤية داخلية وطنية للتنمية والاقلاع الإقتصادي، توفر القاعدة التي عليها نبني التعاون مع الآخر، وبفضلها نحظى بثقته.فالتعاون الدولي مبني على مفردات الاخذ والعطاء، وإذا لم يكن لك ما تقدمه للآخر فكل محاولة للتعاون ستصبح مجرد أضغاث أحلام، وهو الأغلب الشائع في الخطابات التي اجترها "الزعماء" العرب منذ خروج الإستعمار الأوربي "المباشر". 
 
لذلك، وباستقراء سريع للتجربة المغربية في العقدين الماضيين، سنقف على إنجازات طموحة أدخلت المغرب في اللائحة القصيرة للبلدان المصدرة للسيارات ومكونات الطائرات، وبوأته المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي في البنيات التحتية والطاقات المتجددة وغيرها من المشاريع التي أثبتت قدرة المغرب على تعبئة طاقاته البشرية والطبيعية، وقدرته على تعبئةالإستثمارات الأجنبية، وقدرته على إدارة وتنفيذ الخطط والبرامج الإنمائية، وقدرته على الوفاء بالتزاماته داخل الآجال المحددة رغم تقلبات الظرفية الدولية. وهذا في حدّ ذاته رصيداستراتيجي يعزز مصداقية  المملكة لدى كل الشركاء الدوليين، ويشكل منطلقاً لإبرام شراكات متعددة. 
   
وموازاة مع قصة النجاح المغربي، كانت الإمارات تكتب قصة نجاحها الخاصة، وبمسار خاص أيضاً.فقد استطاعت أن تخطو خطوات عملاقة في تنمية عمرانية مذهلة، وأن تقود ثورة في عالم البورصات واللوجستيك جعلت منها قطبا دوليا في التجارة الحرة، ومركزا ماليا عالميا فرض نفسه في خارطة الإستثمارات الدولية، بالإضافة إلى مكانتها التقليدية في الخارطة الطاقية العالمية.فالتقت الرؤيتان الملكية والأميرية على ارضية مشتركة تميزها تجربتان رائدتان مختلفتان من حيث المسارات نعم، ولكن يحذوهما نفس الطموح من أجل تحول نوعي وتموقع قاري ودولي، ينبني على تكامل في الأدوار والتجارب، واستغلال أمثل للمؤهلات البشرية والجغرافية والجيوسياسية والطاقات الكامنة والبنيات التحتية والفوقية، من أجل تحقيق الرفاه المشترك للشعبين الشقيقين.
 
ولا يتأتى ذلك إلا بالإستثمار المكثف في القطاعات الاستراتيجية التي ستشكل اقتصاد المستقبل، وعلى رأسها الطاقات المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، ونقل وتخزين الطاقة قاريا ودوليا؛ والتحكم في التكنولوجيات الرقمية والإتصالات وقواعد البيانات العملاقة؛ وتعزيز التموضع على خارطة اللوجستيك العالمي وفي مقدمتها تطوير مكانة الموانئ والمطارات والقطارات السريعة والأسطول البحري وانابيب الغاز لتحقيق ريادة إقليمية ودولية، لاسيما مع الفضاء الإفريقي؛ وربط الأسواق المالية والصناديق السيادية في البلدينوالمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي والمائي إقليميا وقارياً؛ وتأمين كل ذلك بالإستثمار في الإنسان عبر تطوير المؤسسات التعليمية والجامعية والصحية. إنها رؤية مندمجة ترسم طريقا ملكية نحو المستقبل وتضع له أجندة وآلية للتتبع والتنفيذ حتى لا يبقى مجرد يوتوبيا.

وأكيد أنه حين تلتقي الإرادة الصلبة والرؤية البعيدة، والثقة المتبادلة، والتجربة العملية الميدانية، فإن هذه العناصر تثمر نهضة اقتصادية واجتماعية،وتنتج شراكة مبتكرة ومتجددة،وتحقق السيادة في القطاعات الحساسة، وتمكن البلدين من الالتحاق بالدول الصاعدة.وأكثر من ذلك، نجاح النموذج المغربي الإماراتي سيعطي لكل الشعوب العربية الأمل في مستقبل أفضل، مختلف عن واقع انهيار الأنظمة وتساقطها كأوراق الخريف، والذي تعيش على وقع مأساته المؤلمة نصف الدول المنضوية تحت لواء الجامعة العربية.
 
إنّ نجاح النموذج العملي للشراكة المغربية الإماراتية سيعطي الدليل على تعاون عربية ممكن، بشكل آخر عما ألفناه. تعاون يحترم السيادة الوطنية والوحدة الترابية وخصوصية كل بلد، بعيداً عن الشعارات القومجيّة والإيديولوجية التي تأسست على التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ولم تنتج عنها غير العداوة بين الاخوة العرب، ولم تسفر إلا عن التآمر على وحدة وسلامة اراضي الجيران. وأدت في المحصلة إلى هدر الثروات العربية على صراعات ونزاعات مصطنعة، وانتهت إلى هدر الزمن السياسي والتنموي للشعوب العربية مشرقا ومغربا. ولم نستفق إلاّ والقوات الأجنبية تدك حصوننا وتعيد احتلال أراضينا من البصرة إلى سِرت، ومن تَدمر إلى أمّ درمان. 

أحمد نور الدين/ خبير في العلاقات الدولية،عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية