الأسئلة الحارقة التي غابت عن "فرانس24" في نشر المغرب للبطاريات

الأسئلة الحارقة التي غابت عن "فرانس24" في نشر المغرب للبطاريات

خصصت قناة "فرانس 24" الحلقة الأخيرة من برنامجها "وجها لوجه" لمناقشة موضوع "نشر المغرب لبطاريات ولصواريخ في مناطق حساسة على أراضيه"، وذلك بمشاركة الشرقاوي الروداني (المحلل الاستراتيجي) ومصطفى أديب (الضابط السابق في الجيش المغربي، المحكوم سلفا بتهمة خيانة الشرف العسكري).

بهذا الخصوص قد نتفهم، من الناحية المهنية شكليا، سعي القناة الناطقة باسم الخارجية الفرنسية،  إلى مواكبة مستجدات الفضاء المغاربي، باعتباره جزءا من الانشغالات الحيوية لفرنسا ما وراء البحار، لكننا لا نتفهم إطلاقا أن تدعو القناة غير الخبراء إلى الحديث في موضوع استراتيجي يتطلب خبرات حقيقية. الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول تعارض المهنية كمبدإ واختيار، ومبدإla manipulation  كهدف براغماتي. لقد تم إحضار الضابط السابق مصطفى أديب للحديث في موضوع التهديد الإرهابي للمغرب، انطلاقا من مستويات تقنية تهم الحديث عن المضادات الجوية والتفاصيل والخطط العسكرية الدقيقة. والحال أن الرجل، عدا افتقاده للشرط العلمي والأخلاقي، هو مجرد ضابط في التموين العسكري، أي ما يهم اختصاصات تدبير الألبسة والأثاث والمحروقات والمأكولات، وكل ما يهم تمويناتالجيش المكتبية والخاصة بالمطعمة. ما يعني كذلك افتقاده لشرط الإمساك بالمسائل العسكرية العملياتية والميدانية، وبسبب ذلك تحول في البرنامج بقدرة قادر إلى "شواف" يقرأ مستقبل المغرب، ويتنبأ بتحولاته القادمة.

هنا، وهنا بالضبط، أضاعت "فرانس 24" فرصة تنوير الرأي العام الدولي بعدم المناداة على خبراء عسكريين حقيقيين، وبدل ان تكون الحلقة مناسبة لشرح سياق نشر البطاريات في المغرب وفي الدول المجاورة تحولت إلى محطة"لإسقاط الطائرات" وإسقاط المهنية المفترى عليها.

على المستوى المهني دائما نسائل خط تحرير "فرانس 24 " حول نقطة جوهرية تهم هذا الاهتمام المبالغ به بما قام به المغرب، كما لو كان وحده نقطة الاستثناء في فوضى محيطنا العربي، والحال أن هذا المغرب هو نقطة الاستثناء الحقيقية، سواء في ما يخص صيغته لتدبير الخطر الإرهابي، أو ما يهم احترازاته ضد كل ما قد يمس أمنه العام.

فتونس والجزائر قامتا بنفس الإجراءات الاحترازية (نشر مضادات جوية لبطاريات ولصواريخ في مناطق حساسة على أراضيهما،بعضها مرئي والآخر غير مرئي) لاعتبار علاقتهما الجغرافية مع ليبيا التي تعيش، اليوم، على  بركان منفجر بعد انحلال ما تبقى من الدولة. وذلك الذي تبقى من الدولة الليبية تتوزعه فلول الجيش القديم، وعصابات "داعش" وأخواتها الليبيات. وهناك 9 طائرات صغيرة تحت قبضة ما يسمى"أنصار الشريعة" حيث يفكر الإرهابيون هناك في استعادة سيناريو 11 شتنبر. بل إن كل الإجراءات المتحدث عنها تتم في كل دول المحيط،  في مصر ودول الشرق الأوسط والخليج العربي. وهو ما يفسر تقاطع المصالح ومشروعية الاحتراز والتأهب.

في انتظار أن تستعيد فرانس 24 هويتها المهنية، وتعود إلى اصطفافها إلى الاختيارات الفرنسية الأصيلة المتعلقة بخصوص حرية الشعوب وسيادة الدول، وحقها في تثبيت شروط سيادتها، يهمنا من موقعنا كإعلاميين أن نطرح الأسئلة التالية  على الضمير المهني لهذه القناة.

ـ لماذا تقرر الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم فقط، الانخراط في منظومة الحرب ضد "داعش" في العراق كما لو أن الشر مقيم في تلك المنطقة وحدها في العالم، وليس في مناطق متعددة، وضمنها بلدة فيرغسون الأمريكية التي عرفت مؤخرا مقتل شاب أسود البشرة برصاص عنصري مفضوح؟

- لماذا لم تكتفي فرنسا بنصب البطاريات بترابها ونشر وحدات الجيش في المناطق السياحية بل وذهبت لتقنبل معاقل الجهاديين في مالي؟

ـ لماذا فجأة فتحت فرنسا أبواب إمكانيات اللجوء بالجملة لمسيحيي العراق، في حين هناك طوابير من لاجئي فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وميانمار... وغيرها؟

ـ لماذا تضرب الولايات المتحدة الأمريكية سماء الرقة، ولا تمس تل أبيب التي تشن عدوانا همجيا على غزة منذ الأسبوع الأول من يوليوز الماضي،؟

- لماذا تم قصف مطار طرابلس الليبي من طرف طائرات مجهولة لشل قدرات التيارات الإسلامية المتشددة هناك؟

ـ لماذا صرحت بريطانيا بالقول إن من نحر الصحفي الأمريكي مواطن بريطاني، كما لو أنها لم تعد معنية بالموضوع فقط لهذا المعطى؟

ـ لماذا تبرعت هي وألمانيا وهولندا وفرنسا بتقديم المساعدات المادية والعسكرية في العراق وسوريا؟

في تقديرنا، لا أحد بإمكانه أن يمتلك الأجوبة عن هذه  الأسئلة سوى فرنسا المتميزة بجهاز استخباراتي عريق، وبعلاقات قديمة مع العالم العربي، ومع المغرب الذي لم  يقم في الواقع  سوى بإجراءات عسكرية ضمن إطاره السيادي. فرنسا التي تعرف حق المعرفة كفاءة الأجهزة الأمنية المغربية، وتقدر كم ونوعية المعلومات المتوفرة لدى الجهات المغربية وجهدها الدؤوب في مكافحة الإرهاب، وفي إمساكها بمساراته في دول الساحل وبباقي دول المعمور، وفي تفكيك شبكاته الكامنة. ولذلك فإن ما تبحث عنه فرنسا، عن طريق أداتها الإعلامية "فرانس 24 "، ليس هو الرغبة في تنوير الرأي العام، بل هو الرغبة، ربما، في الوصول إلى حقيقة ما يجري، وهي تعي بكل تأكيد أن المغرب يتوفر على جزء من هذه الحقيقة، ويرفض في ظنها تزويدها بها، ولذلك تمارس الابتزاز السياسي عن طريق الابتزاز الإعلامي.

في فرنسا اليوم، تبدو الحاجة ماسة إلى الجنرال دوغول الذي جعل من سيادة بلاده رمزا للسيادة في العالم، وفي حاجة كذلك إلى الرئيس شيراك، سليل الدوغولية، الذي نادى مرارا من أجل أنسنة العالم.

مسافة تراجيدية مهولة بين فرنسا الأمس وفرنسا اليوم.