بوعياش: مجلس حقوق الإنسان منخرط في حفظ ذاكرة المغاربة المطرودين من الجزائر

بوعياش: مجلس حقوق الإنسان منخرط في حفظ ذاكرة المغاربة المطرودين من الجزائر مشهد من الندوة إلى جانب أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان
أكدت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على البعد الحقوقي لقضية المغاربة المطرودين تعسفا من الجزائر، وذلك خلال الندوة التي نظمت يوم الاثنين 11 دجنبر 2023 تحت عنوان "حفظ ذاكرة مغاربة الجزائر"، تخليدا لمرور 48 عاما على طرد نظام هواري بومدين لعشرات الآلاف من المغاربة من الجزائر شتاء 1975 بعد أقل من شهر على تنظيم المسيرة الخضراء، وهو الجرح العميق الذي لم ولن يندمل.. 

كما أكدت بوعياش، في كلمة تلاها نيابة عنها، عبد المجيد بلغزال، عضو المجلس، أن هذا الأخير على وعي بصعوبة التئام الجراح الغائرة وتصالح الذوات الممزقة والهويات التائهة مع نفسها، آلام وجراح غائرة لازمت أغلبية الضحايا طيلة سنوات عدة، وما تزال تلازم من بقي منهم قيد الحياة أو ذويهم، إنهم يتذكرون ويصرون على واجب التذكر مؤكدين ومتشبثين بحفظ الذاكرة وعدم النسيان. 

وشددت المتحدثة أنه من الضروري تدوين وتوثيق هذه الصفحات الأليمة من التاريخ الراهن لآلاف المغاربة، عبر الحفر في ذاكرة المطرودات والمطرودين وذويهم والكشف عن ظروف طردهم وما قاسوه خلاله الطرد وبعده، مع التركيز على أرشفة تواتر الانتهاكات وحجمها ونطاقها وضرورة مراعاة مقاربة النوع لجسامة تأثير الطرد التعسفي وما صاحبه من انتهاكات على الحقوق الإنسانية للمرأة. 

وقالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن أهمية التوثيق والغاية منه هو نقل الكارثة الإنسانية للتهجير القسري للمغاربة من الجزائر عام 1975 إلى حيز المعرفة العلمية الاجتماعية والتاريخية والحقوقية الموثقة. وبذلك قد يتم ترميم جزء من هذه الذاكرة التي تتقاطع فيها مؤشرات ودلالات عديدة، مما يسهم في تعميق فهمنا ووعينا بحقيقة ما جرى وكيف جرى ولماذا جرى؟ منوهة باتفاقية الشراكة التي ستجمع مؤسسة أرشيف المغرب بالتجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر، الذي سيمكن من بناء لبنة في اتجاه لترميم ذاكرة المغاربة المطرودين من الجزائر. 

"فاليوم هناك حاجة ملحة لتدوين وتوثيق شهادات الضحايا وعائلاتهم لحفظ وتخليد ذاكرتهم والحيلولة دون ضياعها ودخولها دائرة النسيان وذلك عبر السرديات وجمع التفاصيل المشتتة لمعاناتهم المشتركة، وبناء سير ذاتية متقاطعة، نستقي منها مؤشرات ودلالات حقوقية تعكس واقع الانتهاكات التي تعرضوا لها وحجم الأضرار المادية والمعنوية ومدى تعافيهم من الصدمة ونجاحهم في بناء حياة جديدة في وطنهم.."، تقول أمينة بوعياش. 
  
وأضافت المتحدثة، "نحن على مشارف نصف قرن على مأساة المغاربة ضحايا الطرد التعسفي والتهجير القسري من الجزائر، ندرك جيدا حجم المأساة التي عاشها العديد من المواطنات والمواطنين المغاربة وعائلاتهم خلال وبعد الطرد الجماعي لهم نهاية عام 1975 وكذا التداعيات الإنسانية الخطيرة، التي ما زال وقعها حاضرا لحدود اليوم. 
حجم المأساة الإنسانية والاجتماعية لم يكن هينا، الطرد الجماعي والترحيل التعسفي طال آلاف الأسر المغربية بترحيل العديد من المغاربة نحو الحدود. 

ووفق العديد من الشهادات والمعطيات فإن هذا الطرد الجماعي، يعتبر خرقا واضحا لكل قيم حسن الجوار وكل الأعراف الإنسانية النبيلة والقوانين الدولية والوطنية وقد ترك ندوبا نفسية يصعب اندمالها لدى المطرودين وذويهم.  الترحيل الجماعي شمل مختلف الفئات والأعمار دون أي اعتبار إنساني، رُحلت عائلات بأكملها، بما في ذلك الأطفال وكبار السن والمرضى، دون سابق إنذار أو إشعار أو احترام لكرامتهم، وتم فصل الزوج عن زوجته والزوجة عن زوجها والأطفال عن أمهاتهم وآبائهم وتشتيت آلاف الأسر، في انتهاك جسيم لحقوقهم، ودون مراعاة للتاريخ والهوية الثقافية المشتركة. 

نحن إذن أمام ملف حقوقي بامتياز، فقد شهد هذا الطرد انتهاكات وخروقات ممنهجة ومكثفة لحقوق الآلاف من المواطنات والمواطنين المغاربة. ومن الواضح أن هذه الانتهاكات تشكل مسا خطيرا ليس فقط بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ولكن خرقا صارخا للقانون الوطني الجزائري كذلك. 

ومقابل تزايد الاهتمام بموضوع المغاربة المطرودين من الجزائر خصوصا من قبل بعض الضحايا والفعاليات المدنية والتي كان من نتائجه الأولى طرح القضية على بعض الآليات الأممية، والذي جعل القضية تطرح في المحافل الدولية وأمام بعض الآليات الدولية، فإن القضية تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لمقاربة متجددة وفق رؤية إستراتيجية واضحة وموحدة بين مختلف الفاعلين المعنيين على مستوى المرافعة القانونية والحقوقية من جهة وعلى مستوى حفظ ذاكرة أو الاشتغال عليها المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من جهة أخرى. 

 إن مرور ما يناهز نصف قرن على وقوع مأساة الطرد الجماعي التعسفي ووفاة الكثير من عاشوا أو عايشوا تلك اللحظات الأليمة من جيل الآباء و الأمهات، يهدد بضياع ذاكرتهم الجماعية من جهة وحقهم وذويهم في الانتصاف، ولهذا فهي فرصة لتكثيف الجهود وتنسيق المبادرات وتوحيد الرؤى بخصوص هذين المحورين أي حفظ ذكرى من رحلوا إلى دار البقاء وإعادة الاعتبار لهم، والتفكير الجماعي عن أفضل السبل لترافع عبر ابتكار مداخل جديدة وذكية وفقا لمبادئ العدالة والإنصاف ومبادئ القانون الدولي واستثمار مختلف الإمكانيات القانونية والقضائية والحقوقية بهذا الشأن قصد إنصاف الضحايا وذويهم وجبر الضرر المادي والمعنوي بل وتقديم اعتذار عن ما تعرضوا له وما عانوا منه جراء هذا الطرد الجماعي. 

وقد نجحت هذه الجهود ابتداء من 2010 إلى جعل موضع المطرودين من الجزائر محل تداول باللجنة الأممية المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم والتي أقرت ولأول مرة، بجسامة الأضرار التي تعرض لها المغاربة المطرودون من الجزائر وأوصت السلطات الجزائرية ب: 
- اتخاذ كل التدابير اللازمة لاسترداد الممتلكات (...) وتعويضهم بشكل منصف ومناسب وفقا للمادة 15 من الاتفاقية الدولية بحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم.
- اتخاذ التدابير اللازمة لتيسير وتسهيل تجمع المطرودين مع عائلاتهم بالجزائر.