يعد التعليم أحد أهم الركائز التي تؤثر بشكل كبير في تطور المجتمع وتقدمه. ومع ذلك، يواجه المغرب تحديا كبيرا في قطاع التعليم، حيث عرف عدة أزمات متتالية، من بينها قضية الأساتذة المتعاقدين وأزمة النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، ذلك النظام الأساسي الذي اعتبره رجال ونساء التعليم مجحفا في حقهم، وأثار غضبهم، فرصوا صفوفهم وتكتلوا في تنسيقيات بعيدا عن النقابات. فماهي النقابات؟ وماهي التنسيقيات؟ وما الفرق بينهما؟ وهل تصير التنسيقيات بديلا عن النقابات؟
النقابات هي تنظيم مهني قانوني يتكون من أشخاص تجمعهم مهنة واحدة أو عدة مهن، وذلك من أجل حماية حقوقهم المعنوية والمادية وتحسينها. إذن النقابات هي تنظيمات قانونية تتوفر على الشخصية الاعتبارية وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وهذا بالضبط ما نص عليه الفصل الثامن من الدستور حيث أشار "تساهم المنظمات النقابية للأجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها".
والنقابات كائن حي يستمد قوته من المجتمع. وكما هو معلوم فالمجتمعات والشعوب تختلف من حيث الوعي والحركة ومنظومة القيم السائدة. فكلما ازداد المجتمع وعيا وثقافة وتشبتا بقيمه كان المجتمع أقرب إلى الحركة والقوة والحياة، وكلما هبط عنده منسوب الوعي والقيم والثقافة كان أقرب إلى الموت.
وخلافا للنقابات، التنسيقيات هي عبارة عن تنظيم فئوي يسعى إلى تحقيق أهداف معينة في زمن محدد. ويمكن اعتبار الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب أول تنظيم تنسيقي فئوي اتخذ شكل جمعية، بعدها انتشرت موضة التنسيقيات والتكتلات الفئوية، وامتدت إلى معظم القطاعات، وخاصة قطاع التربية الوطنية والتي أبانت فيه عن فعاليتها في الميدان ووزنها الثقيل في الميزان، وذلك يعود إلى رص الصفوف وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي في التواصل والتأثير على المجتمع برمته.
وهذه القوة للتنسيقيات في قطاع التعليم، يدل عن إخفاق النقابات المغربية في التواصل والتفاعل الإيجابي مع مطالب هيئة التدريس، حيث أن الملف المطلبي لنساء ورجال التعليم ظل يتأرجح لمدة غير قصيرة بين نقابات لم تعد تملك قاعدة صلبة، لكنها تملك شرعية التفاوض والحوار، وبين تنسيقيات تمتلك قوة العدد، لكنها فاقدة لشرعية التفاوض والحوار.
ورغم كل ذلك، التنسيقيات ليست حلا دائما للدفاع عن قضايا عامة تهم المستقبل في التعليم والصحة والشغل، ولكنها يمكنها التأثير والمساهمة في معالجة وتسوية ملف من الملفات العالقة كما الشأن بالنسبة لحاملي الشهادات المعطلين.
وعليه، يستشف أنه لا يمكن تجاوز النقابات باعتبارها الإطار المؤسساتي الممثل للأجراء والموظفين، من خلال الحوار الاجتماعي واللجان الثنائية وغيرها من أبواب التفاوض الاجتماعي الرسمي.
إذن ثمة صعوبات تقف في وجه التنسيقيات، تتعلق بالجانب القانوني أولا وبالعلاقة مع المحيط السياسي الوطني ثانيا. فالدولة لا تريد إلباس النقابات لبوسا قانونيا من جهة، ومن جهة أخرى لاتزال الدولة بحاجة إلى دعم مركزية النقابات، لأن الدعم النقابي لا توفره الأحزاب بالقدر المطلوب أثناء ألازمات الاجتماعية الدورية التي يعيشها المجتمع. وهو الدعم الذي كانت ولا زالت تقدمه له "النقابات الأكثر تمثيلية".
للخروج من المأزق الحالي، المطلوب بناء الثقة بين النقابات وهيئة التدريس، وإعادة الاعتبار للعمل النقابي، والحفاظ على استقلالية المركزيات النقابية باعتبارها مؤسسات قانونية، وأيضا القيام بمراجعة نقدية حقيقية للتجارب النقابية السابقة، على غرار ما يحصل في بلدان العالم كبريطانيا وايطاليا وتونس. فعلى سبيل المثال الحركة النقابية في تونس لها تجربة ناجحة لاستقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث لعب الاتحاد التونسي دورا ناجحا في تعزيز الحوار الوطني والسلم الاجتماعي، وقاد المصالحات الوطنية بشكل نموذجي، وهذا نموذج نقابي يحترم في دوره الإصلاحي ويفترض أن يتم الاقتداء به. وعموما الحفاظ على استقلالية النقابات يمنحها مصداقية أكثر وقوة أكبر في المواقف الوطنية والنقابية.