يستمر الزميل عبد الإله التهاني في إضاءة سيرة أعلام المغرب ، حيث خصص حلقة جديدة من البرنامج الاذاعي "مدارات"، للحديث عن رجل العلم والوطنية المرحوم الحاج أحمد معنينو، حيث وصفه بأنه أحد " الرجال الأفذاذ الذين يكبر مقامهم ، بما أسدوه لوطنهم وأمتهم ، وللرسالة التي ندروا لها أنفسهم وعملهم".
مضيفا أنه من "الشخصيات التي قيّض الله لها أن تعيش حياة حافلة ، تكاد تكون جل أطوارها تضحيات تلو التضحيات، وأنها كانت عطاء زاخرا، وبذلا متواصلا من أجل عزة الوطن، ونهضة الأجيال ورفعة الأمة".
■ سيرة الوطنية النقية :
و عودة إلى بدايات المسار الكفاحي للمرحوم أحمد معنينو أشار إلى انخراطه المبكر في العمل الوطني ، من أجل تحرر المغرب واستقلاله، وصولا إلى الأدوار القيادية البارزة التي اضطلع بها، في كل معارك التحرير، من أجل انتزاع حرية البلاد واسترجاع سيادتها ،وبناء دولة الاستقلال".
وتوقف الزميل عبدالاله التهاني عند بعض السمات التي ميزت شخصية هذا الرائد الكبير ، حيث لخصها في ذلك الترابط القوي لديه، بين العلم والزهد والوطنية الغيورة ، واصفا إياه بأنه كان عالما مطلعا وفي مرتبة رفيعة من العلم، كما كان وطنيا كبيرا ، وفي منزلة عالية من الإلتزام والإدراك لمنظومة وأدبيات العمل السياسي ، في بعده الوطني الطاهر والمحصن من كل الشوائب".
■ النشأة والامتداد :
وبعد أن أشار إلى تاريخ ميلاده سنة 1906 بمدينة سلا ، في بيت سلاوي على قدر كبير من الوجاهة والعراقة، أوضح أن المرحوم أحمد معنينو وعلى غرار أبناء جيله ، تلقى تعليمه الأولي في الكتاب القرآني ،قبل أن ينهل من معين شيوخ العلم في مدينته ، ولاسيما تلقيه علوم اللغة والبلاغة والفقه والتفسير والحديث" ، و أن هذا التكوين الاولي "سرعان ما تعزز تكوينه الديني بثقافة أدبية،، تجمع بين النصوص القديمة والإنتاجات الأدبية وثقافة عصره.
وفي هذا الصدد ، أشار الزميل التهاني ، إلى استفادة المرحوم أحمد معنينو واستفاد من حياة الأندية والمجالس الأدبية في مدينة سلا ، ثم في غيرها من المدن التي كانت تعرف ميلاد روابط وأندية ثقافية ومجالس أدبية، كفاس ومراكش والرباط ومكناس" ، ميرزا أنه كان من مؤسسي النادي الأدبي السلاوي عام 1927، وأن رحلته الحجازية لأداء مناسك الحج ، وهو في ريعان شبابه دون الخامس والعشرين من عمره، أتاحت له فرص اللقاء بعدد من الشخصيات العلمية في عدد من الأقطار العربية المشرقية ، وخاصة في دمشق وبيروت، بل إنه سينال إجازات علمية من أقطاب العلم هناك، طبقا للأسلوب التقليدي ، المتبع قديما في إجازة كبار العلماء لطلبتهم النابغين".
■ زمن المعارك الكبرى :
وكانت أولى معاركه بعد عودته للمغرب،، هي مواجهة الظهير البربري الذي أريد به إحداث تقسيم عرقي بين المغاربة ل، بهدف تكسير وحدتهم الوطنية والدينية ، وهي المواجهة التي قادها الوطني الكبير المرحوم عبد اللطيف الصبيحي، على مستوى مدينة سلا .
وأبرز الزميل عبدالاله التهاني أن المعارك الوطنية للمرحوم أحمد معنينو ، ومواجهاته مع نظام الحماية ، ستتوالى حلقاتها كما هو الشأن بالنسبة لابناء جيله في مدينة سلا ، كالمرحومين محمد حصار وأبي بكر القادري".
■ رهان على تربية الأجيال:
وفي سياق متصل، ذكر معد ومقدم برنامج "مدارات "، أن العلامة أحمد معنينو كان قد "أسس أول مدرسة حرة للتعليم عام 1932، بزاوية سيدي محمد بنعبود في مدينة سلا العتيقة. كما كان مع رفاقه وراء المبادرة التاريخية ، بإقامة أول احتفال بعيد العرش سنة 1933، فضلا عن إنشائه عام 1936 مدرسة ثانية للتعليم الحر بمدينة سلا، وفي نفس السنة سيقود مظاهرة كبرى للمطالبة بحرية الصحافة، علما أنه كان من أبرز محرري الوثيقة السياسية المعروفة بوثيقة المطالب المغربية المستعجلة ، والتي نصت على عدة إصلاحات جوهرية رفعت إلى إدارة الإقامة العامة الفرنسية بالرباط".
وعن المحطات الاخرى البارزة
في سيرة المرحوم العلامة أحمد معنينو ، أوضح عبد الإله التهاني أننا سنجده "سنة 1939 إلى جانب المرحوم الشيخ محمد المكي الناصري ، في تأسيس معهد مولاي المهدي بتطوان، حيث تولى تدريس مواد اللغة العربية، مع تواصل نشاطه السياسي والوطني، وسيقود مظاهرة كبرى بهذه المدينة، وظل يخطب فيها بفصاحته المعهودة لمدة خمس ساعات، كما ورد في عدد من المصادر".
كما أنه سيعمل أيضا على "تأسيس فرع لمعهد مولاي المهدي بمدينة طنجة سنة 1941.
■ عودة الفارس إلى النبع ومنه إلى السجن :
واستعرض عبدالإله التهاني بقية المحطات الرئيسية في سيرة المرحوم أحمد معنينو، حيث سيعود إلى مدينة سلا ، مسقط رأسه عام 1946، ليطلق مشروعا تربويا رائدا يتمثل في مدرسة الفتاة السلاوية ، والتي ستحظى بتشريف من الملك المغفور له محمد الخامس، الذي أطلق عليها اسم كريمته الأميرة لالة عائشة".
كما ذكر أن المرحوم العلامة أحمد معنينو، انخرط في تأطير خلايا الكفاح المسلح ضد المستعمر، مباشرة بعد تطاول أجهزة الإقامة العامة الفرنسية على رمز البلاد الملك محمد الخامس ونفيه إلى مدغشقر، فكان ذلك سببا في معاقبته من طرف المستعمر ، إذ اعتقل وحوكم بسنة ونصف سجنا مع الغرامة، لكنه سيظل على سيرته النقية، وسيكون من قادة الصف الأول، المؤطرين لجماهير الشعب الذي شد الرحال إلى الرباط لاستقبال ملك البلاد، العائد من المنفى ، مبشرا بنهاية عهد الإستعمار، وبروز فجر الإستقلال والحرية.
■ أحمد معنينو والإصرار على الرسالة:
وفي بقية عناوين سيرة هذا الرائد والوطني المربي ، أشار الزميل الإعلامي عبدالإله التهاني أن المرحوم أحمد معنينو ، يعد من "أبرز الشخصيات التي عينها الملك المكافح محمد الخامس في المجلس الوطني الاستشاري، وهو المجلس الذي كان بمثابة التمهيد للنظام البرلماني في المغرب المستقل وشكل نواته الأولى" . بيد أن الرجل "لم يتخل عن مهمته الرئيسية التي ارتبط بها اسمه ، وهي الإسهام المستمر في حقل التربية والتعليم، وتكوين وتأطير الأجيال، مع مواصلته لنشاطه العلمي والتنويري ، إذ كان من مؤسسي رابطة علماء المغرب ، رفقة العلامة الكبير المرحوم عبد الله كنون .
كما كان من مؤسسي رابطة مديري المدارس الحرة ، وعضوا بارزا في اللجنة الوطنية لليونيسكو".
■ صبيب القلم وحصيلة التأليف :
وتوقف الإعلامي عبدالإله التهاني في هذه الحلقة من برنامج "مدارات"، عند جانب الكتابة والتأليف في شخصية العلامة المرحوم أحمد معنينو، معتبرا أنه"كان يكتب بغزارة سواء في جريدة الرأي العام المغربية، أو في غيرها من المنابر الصحفية الوطنية، مضيفا أنه على الرغم من أن رصيدا مهما من كتاباته، لم يطبع حتى الآن، وبقي حبيس المخطوط، إلا أن الخزانة المغربية تحفظ له عددا من مؤلفاته التي وضعها، وأشرف بنفسه على طبعها وإصدارها".
وفي هذا السياق، أشار الزميل عبدالاله التهاني إلى الكتب الخمسة ، التي ألفها الحاج أحمد معنينو عن فكر وكفاح الوطني الكبير المرحوم الأستاذ محمد بن الحسن الوزاني ، وضمنها كتابه التوثيقي المهم الذي نشره تحت عنوان "محمد بن الحسن الوزاني، تسع سنوات من المنفى".
كما أشار إلى مؤلفه الأدبي الجميل حول "شعراء مدينة سلا"، وكذا كتابه المهم حول "تاريخ عائلة معنينو السلاوية".
وفي ذات السياق ، ذكر الزميل عبدالإله التهاني، أنه بحكم المساهمة الفعالة للمرحوم أحمد معنينو في جل أطوار الكفاح الوطني من أجل استقلال المغرب، وفي تفاصيل ومجريات التاريخ السياسي الحديث لبلده، ونظرا لانه كان رحمه الله يملك رصيدا وثائقيا مهما، وذاكرة قوية ، فقد انكب على تحرير مذكراته وذكرياته حول الحركة الوطنية المغربية، حيث وضعها في في أحد عشر جزءا ، مشددا على أنه أضاء بها جوانب مهمة من مسار العمل الوطني، الذي انتهى باستقلال المغرب".
■ صورة المرحوم أحمد معنينو بقلم أبناء جيله :
وفي سياق ذي صلة ، توقف الإعلامي عبد الإله التهاني عند صورة المرحوم أحمد معنينو في كتابات أبناء جيله وكتابات الباحثين المهتمين.
وفي هذا الإطار ، أشار إلى الكتاب القيم الذي صدر تحت عنوان "الحاج أحمد معنينو وطني قضى"، والذي ضم شهادات وانطباعات وذكريات حول شخصيته ، تناول فيها أصحابها جوانب متعددة في سيرته ومساره وتضحياته ، وهو الكتاب الذي افتتح برسالة التعزية التي بعث بها الملك محمد السادس إلى أسرة الحاج أحمد معنينو ، عقب وفاته في ماي من العام 2003.
وهكذا استعرض مقاطع من شهادات لشخصيات بارزة، من الجيل الذي عايش المرحوم أحمد معنينو أو تعرف عليه، مثل الكاتب الصحفي والسفير الاسبق المرحوم قاسم الزهيري، والعلامة الكبير المرحوم أبو بكر القادري، والأستاذة الباحثة الأكاديمية نجاة المريني، والباحث المرحوم عبد الصمد العشاب، الذي كان مديرا لمؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي بطنجة.
■ دمعة الابن على أبيه :
وختم الكاتب الاعلامي الزميل عبدالإله التهاني حلقته الاذاعية حول العلامة المرحوم أحمد معنينو ، بقراءة مقاطع من نص جميل ومؤثر، كان قد كتبه نجل المرحوم ، الاعلامي البارز محمد الصديق معنينو، يقدم فيه وصفا أدبيا للايام الاخيرة من حياة والده، العالم والوطني والمربي الكبير المرحوم أحمد معنينو..