نشرت مواقع كثيرة للتواصل الاجتماعي صوراً لا يتعدى تعدادها العشرين، يظهر فيها جنود وضباط إسرائيليون جرحى ومعطوبون.. مع تعليقات تتغنى بملحمة النصر الفلسطيني الوشيك!!!
والحال أن مثل تلك الصور لا تعدو أن تكون جانباً من الحرب الإعلامية، التي يُبدِع فيها قادة حماس للتغطية على فشلهم في حماية بسطاء الشعب الفلسطيني، الذين كانوا وما زالوا يشكّلون حطب المعارك الدائرة من جانب واحد، هو الجانب الإسرائيلي، بينما حماس ومقاتلوها وفصائلها المختلفة تكتفي بردود فعل نوعية لا ترقى من حيث الكمّ إلى جهنمية ضربات العدو الإسرائيلي الغاشم المُبيدة!!!
عشرات من قتلى وجرحى إسرائيل، في مقابل أكثر من خمسة عشر ألفا من القتلى الفلسطينيين العُزّل، وأكثر من مائة ألف بين الجرحى والمعطوبين فضلا عن المُهَجَّرين قسراً، وعن المفقودين تحت أنقاض حاضرةٍ لم يبق حاضراً منها إلا الخراب... فحتى الظلال هربت منها لأن عالِيَها تحوّل بفعل الضرب إلى سافلِها... فمِن أين ستأتي الظلال!!!
هؤلاء المعطوبون الإسرائيليون إذَن، والذين تُقدمهم تلك المواقع مرفوقين بشعارات وأناشيد ملحمية، تبقى مجرد شجرة ليس في وسعها أن تغطي غابة من المآسي والفواجع!!!
هؤلاء المصابون الإسرائيليون لا يَزِنون شيئا يستحق هذا الفخر الكاذب، بالمقارنة مع أرواح تعد بالآلاف المؤلَّفة من نساء وأطفال وعجزة الشعب الفلسطيني، وأفراده من ذوي الحاجات الخاصة وما أكثرهم، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعطوبين.. بسبب عمالة قيادات حماس.. الذين منحوا لإسرائيل المبرر الكافي والمأمول، الذي كانت تحتاج إليه وتبحث عنه لتبدأ مشروع الإبادة في حق بسطاء لم يكونوا يطمحون سوى إلى العيش في سلام رغم كل الممارسات الصهيونية التي استمرت تقصم ظهورهم طيلة ما يزيد على السبعة عقود!!!
وحتى تلك الصفقة التي عقدتها حماس مع إسرائيل، والتي تتمثل في إقرار هدنة لا يزيد مظروفها الزمني على بضعة أيام، وإطلاق سراح 50 رهينة إسرائيلي مقابل 1500 من مقاتلي حماس المعتقلين... فهي صفقة خاسرة بكل المقاييس، لأنها لا تخدم سوى تنظيم حماس وحده.. بينما الثمن الحقيقي دفعه ولا يزال يدفعه الشعب الفلسطيني البسيط الذي عانى من جهنمية حماس نفسها، قبل أن تدفع به هذه الأخيرة إلى جهنمِ جيوشِ العدو الإسرائيلي!!!
الظاهر أن الناس قد نسوا أن هذا التنظيم صنعته إسرائيل وأمريكا بتمويل قطري لضرب منظمة فتح وياسر عرفات أيام كانت فتح مناضلةً بالفعل.. وهاهي قياداتُها هي نفسُها قد أصبحت هي الأخرى عميلة، واغتنت بأموال المساعدات حتى صارت مضرب الأمثال في الفساد!!
ولِمن يسأل عن الدليل الملموس، فالنموذج الفاضح لهذه الظاهرة المؤسفة والمُبكية، يوجد في بيت وأسرة محمود عباس أبو مازن وولده المتاجر في الممنوعات.. والمتربع مع أبيه على ملايير من الدولارات!!!
نهايته... إن هذه الصور لا تُشفي الغليل إزاء ما وقع ويقع وسيقع لبسطاء الشعب الفلسطيني... خاصة وأن هدنة الأيام القليلة سيُستأنف القصف والتدمير والتقتيل الإسائيلي بمجرد انقضائها بدقائق، وربما يقع ذلك حتى قُبَيْل انقضائها، وسيكون الضرب مرة أخرى في اتجاه بسطاء الشعب الفلسطيني تحت ذريعة اجتثاث حماس من جذورها، وهو الأمل الذي لن تحققه إسرائيل ما دامت ستعيد لحماس أسراها من المقاتلين في كل مرة، ومادام هؤلاء سيلتحقون بمجرد آطلاق سراحهم بإخوانهم في الأنفاق، تاركين المدنيين العُزّل في العراء مرة أخرى، وكما في كل مرة، تحت رحمة آليات جهنمية يقودها شياطين لم تدخل قواميسَهم أيُّ كلمة تحمل دلالات الرحمة!!!
هي إذن صفقة خاسرة تستعيد فيها حماس بعضا من مقاتليها مقابل إقرار ضمني لإسرائيل باستئناف ضربها المميت لساكنة غزة!!!
بالمناسبة، والمناسبة شرط كما يقول المناطقة، تلقيتُ وأنا أكتب في هذا الموضوع معبّراً عن هذه القناعات، التي يؤيدها الواقع بكل تفاصيلها المملة، جملةً يسيرة، لا يتخطى تعدادها أصابع اليد الواحدة من التعاليق، ذهب محرروها إلى أنني لا حق لي في الكتابة في هكذا موضوع لماذا؟ لأنني أرسلت بعض أبنائي للدراسة بإسرائيل!!!
والحال أن أصحاب هذه التعاليق الساذجة لا يفطنون إلى أنهم تنقصهم القدرة والكفاءة على رؤية هذا الأمر بالعقل بعيدا عن العواطف الجيّاشة، التي طالما كانت السبب الرئيسي فيما نحن عليه من التفرقة والضعف والهوان والتشرذم:
1- أن الذين ارسلوا أبناؤهم للدراسة في معاهد وجامعات مختلف البلدان الأوروبية وفي أمريكا، وما يدور في فلكها، ليسوا أفضل حالا ممن بعثوا فلذات أكبادهم لاستكمال دراساتهم بالجامعات والمعاهد الإسرائيلية، لأن تلك الدول هي التي أسّست للحلم الإسرائيلي منذ وعد بلفور سنة 1917, وهي التي استماتت في تنفيذه بكل قواها وممكناتها العسكرية والمالية والإعلامية ابتداءً من سنة 1948، فقتلت وشردت كما تشاء في شعب فلسطين وكل شعوب دول المواجهة (معارك العدوان الثلاثي)، وأنها إلى غاية يومه تجعل من نفسها عرّاباً متبنِّياً وحامياً لإسرائيل/الدولة، الصهيونية، التي لا تَخفَى على أحد حقيقةُ حلمها الأزلي والمؤبد، في تكريس دولتها العظمى من النهرين، أو بالأحرى من النيل إلى الخليج؛
2- أن استكمال الدراسة في جامعات ومعاهد الأعداء شكّل دائما وأبدا مطلباً يتهافت على تحقيقه أكثر الفلسطينيين والعرب تعصّباً للقضية الفلسطينية، من باب تحقيق المعرفة التامة بالعدو، والأكثر من ذلك والأنفع، تحقيق العلوم والمعارف التي جعلت ذلك العدو أقوى وأدهى وأكثر سبقاً من كل العرب من الخليج إلى المحيط؛
3- أن العلوم والمعارف لا جنسية لها ولا دين ولا حدود جغرافية أو إثنية ولا حتى سياسية... وبالتالي فتلقّي العلم في الولايات المتحدة الأمريكية أو في إسرائيل لا يفترق بتاتاً ولا يختلف... ولو أن أحد محرري تلك التعليقات المسطّحة كلف نفسه عناء تأمّل الأمر وتدبُّرِهِ لاكتشف أن مشروع الدراسة في إسرائيل لا يختلف في شيء عن نظيره في أي بلد من البلدان المتقدمة، وأن ما سيجنيه الطالب أو الطالبة من هكذا مشروع دراسي لا يمكن أن يكون إلا نافعا ومفيدا بكل المقاييس.. هذا، إذا استبعد ذلك المعلق عواطفه التي لا وزن لها في مناقشة مثل هذه المواضيع؛
4- إن الذين ربّوا فلذات أكبادهم أحسن تربية، ومتّعوهم بتنشئة اجتماعية تسود فيها مكارم الأخلاق، وزرعوا في تربتهم العقلية والفكرية بذور الدين الحنيف فكرا وعملاً... لا يحق لهم أن ينتابهم أي خوف أو وجل وهم يرسلون أبناءهم هؤلاء لاستكمال دراساتهم العليا ولو كان ذلك في معاهد شياطين الأرض جميعاً، لأن هؤلاء الأبناء سيخرجون من تجربتهم الدراسية دون أن تبتلّ أقدامُهم بأوحال أصحاب تلك الجامعات والمعاهد ومياهها التي قد تكون افتراضاً آسنة.. خاصة وأن المعيار الوحيد المأخوذ به في اختيار أيِّ جامعة أو معهد ليس إلا سمعته العلمية العالمية، وقدرته على صقل الكفاءات وتلقين أرقى العلوم والمعارف... أما السياسة وأفلاكها المضطربة والتي لا ترسو سُفُنُها أبداً على أيِّ مرفإٍ آمن، فلا حاجة بنا لها تحت أيّ مبرر من المبررات عندما يكون الهدف والقصد هو تحصيل العلم والتكنولوجيا من منابعهما الأكثر تنوّعا وحداثةً وتطوُّراً...
5- وأخيراً، فقد كان من الألْيَق، لأصحاب تلك التعاليق المسطّحة، أن يناقشوا موضوع المقالات التي يُفتَرضُ أنهم أرادوا التعليق عليها من حيث المعطيات والأفكار والأطروحات... وأن يتركوا صاحب الرأي المخالف بعيداً، لأنهم ليس لهم أدنى حق في التعرض له أو لأبنائه وأسرته لمجرد اختلافهم معه في الرأي والموقف... والمصيبة أن الاختلاف ليس إلا يسيراً وسطحياً، لأنني لم أصفق مطلقاً لجرائم إسرائيل، التي لن يصمت عنها إلا جاهلٌ أو مخبول، وإنما اكتفيتُ بفضح أكاذيب قياداتٍ يعلم العالم كله مدى عمالتها وحقيقة استغنائها وإثرائها غير المشروعين على حساب "القضية"... وما أدرانا ما القضية!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي