اختارت أكاديمية المملكة المغربية موضوع دورتها الحالية ،”الأسرة وأزمة القِيم“ وهو موضوع بالأهمية بمكان .ومما لاشك فيه أن مخرجات هذه الدورة ،سيتم تصريفها في النقاش المجتمعي العمومي، عبر مؤسساته وقنواته. لكونها قضية مجتمع يُفْتَرَضُ الوعي بها وبأعطابِها ، في افق استدراك ما يمكن استدراكه مما يكون قد اصابها من خلل ،اذا كان الوقت لازل يسعف ذلك .
وفي انتظار أن ينتهي المشاركون في هذه الدورة وهم كلهم فرسان للفكر كل في مجال تخصصه .وبالتاكيد أن اختيار هذا الموضوع كانت له حيثياته ومسوغاته المسنود عليها من طرف المنظمين .لكننى افترض أن انطلاق النقاش سيكون حادا منهجيا لأن واجهة الموضوع في رأيي فيها حكم اخلاقي قبلي Jugement de valeur على الأسرة ، قبل الاستهلال في تفكيكها واعادة تركيبها علميا.
في الوقت الذي أن النقاش سيمتد لامحالة إلى “الأسرة والقيم" بشكل عام وسيكون الحكم عند نهاية الدورة وعند تقديم التقرير التركيبي والنهائي ، وتعميما للفائدة- ودون الرجوع الى ما كتب عن الموضوع عند فلاسفة اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد حيث اعتبرت الحرکة السفسطائية أن القيمَ متغيرةٌ ونسبيةٌ ،وذاتية وغير موضوعية في حين يرى سقراط وتلميذه أفلاطون وأرسطو بأن القيم مطلقةٌ وثابتة وأنها تقوم على العقل- فيمكن القول بشكل مبسط وتعميما للفائدة أن القيم هي ( الأخلاقيات والمبادئ السامية التي نشأ عليها الفرد والتي تضع له القواعد الرئيسية لتعاملاته مع الآخرين. وتتعدد هذه المبادئ ما بين العدل والحرية والكرامة والمساواة والعطف والرحمة. …) حسب احد الباحثين.
وقد يبدو أن القيم فكرة مجردة ،إلا أن علماء الاجتماع قد تمكنوا منذ زمان من اعتماد سلم لقياسها وقابليتها للتقييم . وأعتقد ان هذا ما ستقوم به أكاديمية المملكة في إطار هذه الدورة، مع أن الثابت علميا (ان مالايمكن قياسه لا يمكن تدبيره ) .
و للقيم عدة مميزات أهمها انه مكتسبة من المعتقدات والدين والمجتمع والمحيط ومن التاريخ وحتى الجغرافية .وهنا يصبح السؤال مشروعا هل ما تعيشه الاسرة المغربية ازمة في القيم فعلا ؟-ام هو تحول في وظيفتها فقط؟ .وهل الأزمة في بنية الأسرة أم مكتسبة من المجتمع ؟ ،مع الإقرار بأهمية الأسرة كمؤسسة اجتماعية محورية في البناء المجتمعي .
وهل تحولات المجتمع واكراهاته الاقتصاديه والقيمية والمجتمعية احتوت الاسرة وفعلت ما فعلت ام ان (قلت الترابي )هي التي اثرت في منظومةالقيم بالاسرة ؟
دعوني أتقاسم معكم هذه الحكاية .
فجيلنا يتذكر جيدا أن المال بشكله النقدي والعيني والعائد من شبهة (رشوة او فساد او مخدرات..،) كان صاحبه يُخْفيه عن أهله وأسرته قبل حيه ومحيطه .ولا خلاف ان الفساد كان موجودا في ذلك الوقت إلا أنه لم يكن (قيمة )اجتماعية وفاعله لا يتباها بعائده ولا يظهر عليه وعلى اسرته .وأن تجرأ و فعل ، فلن يكون محل تقدير اجتماعيا ولن يُلْجَأَ اليه ككبير العائلة او الحي للاستشارة او التشريف في مناسبة دينية او اجتماعية .
أما الحال الآن فالمهم هو أن يكون الشخص ذو مال وثراء ،يمنحه الجاه في القبيلة والمدينة والمقعد في البرلمان والحكومة -أما سؤال الثراء غير المشروع و من أين لك هذا ؟ فقد أوأده الدكتور سعد الدين العثماني قبل ولادته والذي سيسأل عنه هنا أو هناك ،بأيِ ذنب قُتِل؟- وهكذا انتقلت القيمة الى المال ولا يهم مصدره ،واصبج العمل عاريا ولا قيمة له ،مادام الكسب السريع عُبِدَت امامه ،طريق سيار فهاهو الفاسد والمرتشي اصبح ( الاستاذ والسيد الرئيس) وَمُرَوِضَةُ الرقيق الأبيض أصبحت (الحاجَّة ) مع تفخيم الجيم .والمتهرب من الضرائب (قافز ومعلم ) وتاجر المخدرات (مولاي الشريف ) الذي يبني المساجد ويطعم المحتاجين وسُعاتِ السبيل الذين نأمل ان ينقدهم الدعم المباشر ومشاريع الحماية الاجتماعية من مذلة الوقوف افواجا افواجا امام اقامات هولاء السادة الجدد .
فهل هذه الازمةً القيمية مركز زلزالها في الإدارة والمقاولة والمؤسسات والأحزاب والنقابات والمجتمع بأتمه؟ أم هي أزمة قيم في الأسرة فقط ؟
لي اليقين ان جودة العروض التي سيقدمها الأجلاء أعضاء وعضوات أكاديمية المملكة المغربية ستستحضر جل ماكتب في الموضوع قبل الاسلام وبعده وسيدرسون Goody و RK Mukherjee و M.Haralambos وRily وغيرهم كثير على ضوء ما تعرفه الاسرة المغربية والمجتمع المغربي من تحول .
وأتمنى أن تكون مخارج نقاشهم بداية سياسة عمومية واضحة .
فالقيم ليست طقوس تلقن في الزوايا والأضرحة وإنما هي مبادئ سامية محركة للتنمية في كل ابعادها.
تنبيه هام: كل تشابه في الأحداث فهو من باب الصدفة أو للضرورة الفنية.
مطار جنيف، الجمعة 24 نونبر 2023