حصول بيدرو سانشيز على ثقة الأغلبية البرلمانية لتشكيل حكومة جديدة، يفتح المجال لاستكمال بناء المرحلة الجديدة التي بدأها السيد سانشيز مع جلالة الملك بعد رسالة رئيس الحكومة الإسبانية الشهيرة في 18 مارس 2022،والتي تلتها زيارة للمغرب بمناسبة انعقاد الاجتماع رفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية في فبراير 2023. وعلينا ان نتذكر العبارات الدقيقة التي استعملها سانشيز سواء بالنسبة لاعترافه بأهمية الصحراء بالنسبة للمغرب أو بالتأكيد على أن "ضمان الإستقرار والوحدة الترابية للبلدين"، وهي عبارات يمكن اختزالها بانها اعتراف ضمني بالسيادة المغربية على الصحراء، وإن لم يكن بعبارات مباشرة. وقد أدى ذلك الموقف الإسباني إلى سحب الجزائر سفيرها من مدريد في اليوم الموالي للرسالة الشهيرة، وتجميدها بعد ذلك لمعاهدة التعاون والشراكة بين الجزائر وإسبانيا بالإضافة إلى خطوات أخرى في محاولة لابتزاز إسبانيا، ولكنها باءت بالفشل الذريع. وها هي الجزائر تعيد سفيرها بعد أزيد من 20 شهرا من القطيعة إلى مدريد صاغرة ذليلة دون أن أي تراجع في الموقف الإسباني ودون أي تبرير من الرئاسة أو الخارجية الجزائرية. وهذا يعتبر مكسباً جيوسياسيا مهماً للمغرب في صراعه المرير مع جارة السوء الشرقية التي تشن حربا قذرة منذ نصف قرن لهدم وحدة المغرب وفصله عن أقاليمه الجنوبية في الصحراء.
ويزداد وزن هذا المكسب الاستراتيجي، حين نعلم أن المسؤولين الجزائريين بما فيهم الرئيس المعين من قبل الجيش عبد المجيد تبون، تهجموا على السيد بيدرو سانشيز واعتبروا موقفه الداعم للمغرب لا يعبر عن الدولة الإسبانية، وكأن إسبانيا دكتاتورية أو "جمهورية موزية"، يتم فيها اتخاذ القرارات بشكل فردي، وكان الرئيس الجزائري تبون قد صرح بأن العلاقات مع إسبانيا ستعود بمجرد انتهاء ولاية سانشيز، وعولوا على فشل سانشيز في الانتخابات، وخاض الإعلام الجزائري الرسمي حملة ضد سانشيز، وهللوا وطبلوا حين تم تكليف غريمه وزعيم الحزب الشعبي ألبرتو نونيز فيخو بتشكيل الحكومة الإسبانية في غشت 2023، قبل أن ينقلب فرحهم إلى حسرة وندامة ومأتم بعد تكليف سانشيز وحصوله على الثقة. وكانت آمال النظام العسكري الجزائري كبيرة في هزيمة سانشيز، حتى تعتبر ذلك ذريعة وحجة لعودة السفير الجزائري إلى مدريد، وبقيت تنتظر نتائج الانتخابات والمشاورات لتشكيل حكومة ألبرتو فيخو إلى آخر لحظة، وبعد أن يئست سارعت في نونبر 2023 إلى تعيين سفير جديد في مناورة للتغطية على هزيمتها وعلى تراجعها بشكل مهين ومذلّ ومخزي للدبلوماسية الجزائرية وللرئاسة الجزائية.
وعلى الدبلوماسية المغربية أن تحسن استثمار هذا المكسب الاستراتيجي، سانشيز أكد في رسالته الشهيرة على “المصير المشترك”، واعتبر “المغرب حليفا استراتيجيا لإسبانيا”، وأكثر من ذلك “ربط ازدهار اسبانيا بالمغرب والعكس صحيح”. وأكيد ان تنظيم المونديال بشكل مشترك بين البلدين بالإضافة إلى البرتغال، سيشكل دفعة استراتيجية في هذه العلاقات التي تجاوز حجم المبادلات فيها عتبة 20 مليار أورو، والقادم أفضل.
ولكن هذا التعاون والشراكة لا يجب أن يتم على حساب ملفات وقضايا سيادية، بل بالعكس يجب أن تشكل العلاقات الجيدة فرصة لطرح ملف المناطق المحتلة سواء سبتة ومليلية أو الجزر الإحدى عشر، وفقاً لتفاهمات تحترم روح القرن الواحد والعشرين. ولنا في هونغ كونغ بين الصين وبريطانيا مثالاً يمكن الإستفادة منه. والجميع يدرك أنّ بقاء هذه الثغور تحت الإحتلال سيشكل قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت. وأظن أن جزءا من الطبقة السياسية في إسبانيا أصبح واعيا بذلك وهذا ما أكده تصريح لوزيرة الإسكان الإسبانية السابقة ماريا تروخيو وغيرها.
أحمد نورالدين/ خبير في العلاقات الدولية..