ألقى حسن عبد الخالق سفير المغرب السابق في المملكة الأردنية الهاشمية والجزائر ورئيس التحرير السابق لجريد العلم يوم الجمعة المنصرم درسا افتتاحيا أمام طلبة ماستر الصحافة والإعلام الرقمي وشعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الأول، حول الدبلوماسية الإعلامية المغربية واستراتيجية الترافع عن القضايا الوطنية.
وتحدث في هذا الدرس عن الارتباط الوثيق بين الإعلام، التقليدي والحديث بالدبلوماسية التي تعرف مجموعة من المتدخلين من بينهم وزارات الخارجية ومؤسسات رسمية أخرى، والمجتمع مدني، والبرلمانات وهي أداة تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص الدوليين الآخرين، وإدارة علاقاتها الرسمية ضمن النظام الدولي، مشيرا إلى أن وزارات الخارجية تتكفل بمهام الدبلوماسية الرسمية لتنفيذ سياسات الدول الخارجية، وتكون هناك أدوات أخرى تعمل إلى جانبها لتحقيق أهداف الدولة، من بينها مؤسسات رسمية أخرى والدبلوماسية البرلمانية والدبلوماسية الإعلامية والدبلوماسية الاقتصادية والدبلوماسية الشعبية.
وقال حسن عبد الخالق أن الإعلام أصبح يتمتع في العقود الأخيرة بأهمية خاصة كوسيلة قوية ومؤثرة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للدول، تتناسب وحجم مصالحها هذه الدول على الصعيد الدولي، ودورها وتأثيرها في الساحة الدولية، من خلال توظيف وسائل الإعلام المتطورة التي تملكها، وتوجهها في تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها في الخارج.
وذكر أنه يتم النظر هنا إلى الدبلوماسية الإعلامية باعتبارها قوة ناعمة إذا اعتمدت على الإقناع والحوار البنَّاء والتفاعل الإيجابي، بهدف التأثير على الرأي العام وتشكيل أو إعادة تشكيل اتجاهاته، موردا في هذا الشأن النشاط الاتصالي الذي تستخدم فيه الدولة مختلف وسائل الاتصال والإعلام بشكل يؤدي إلى إطلاع الجماهير الخارجية بالأمور والأوضاع القائمة في الدولة ومحاولة التأثير عليها، بما يخدم قضاياها ومصالحها (الخدمة الخارجية للبي بي سي وقناة الحرة وصوت أمريكا وفرانس 24).
وأكد السفير السابق أن المغرب يأخذ في بلورة سياسته الخارجية بعين الاعتبار المتغيرات التي يعرفها السياق الإقليمي والدولي، الذي يتميز أساسا بـ "التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب يتميز بتوزيع جديد للنفوذ على الساحة الدولية، وتوسع دائرة النزاعات وبؤر التوتر داخل وبين الدول مع بروز تهديدات جديدة مرتبطة أساسا بآفة الإرهاب ثم تصاعد دور وتأثير المؤسسات غير الحكومية على السياسات والقرارات الدولية، وأيضا انفتاح الأسواق وكذا تحرير المبادلات بين الدول".
وذكر أن ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج أوضح أخيرا أن الوزارة تعمل على تنزيل استراتيجية ترتكز على سبعة محاور أساسية، في مقدمتها التعبئة من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، ثم الترويج للنموذج المغربي المتميز في أبعاده الإصلاحية والتنموية، ثم تقوية وتوسيع دائرة علاقات المغرب مع كافة الشركاء سواء على المستوى الثنائي، الإقليمي أو الدولي ولا سيما الإفريقي والدفاع عن قضايا ومصالح المغاربة المقيمين بالخارج، وأيضا التحفيز الاستراتيجي لدبلوماسية اقتصادية جديدة وهادفة إلى إشعاع وتقوية مكانة الاقتصاد الوطني على المستوى الإقليمي والدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العميقة التي يعرفها المناخ السياسي والاقتصادي، ثم دعم وتشجيع الدبلوماسية الثقافية، وتطوير آليات العمل لدى القطاع وتمكينه من الوسائل والموارد الكفيلة بأداء المهام المنوطة به على الوجه الأمثل.
وأشار المحاضر إلى أنه فضلا عن جعل الملك الدفاع عن قضيتنا الوطنية في أولوية أجندة العمل الدبلوماسي المغربي، حددت الرسالة الملكية بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للدبلوماسية المغربية المنعقد في الرباط في 28 أبريل 2000 خارطة طريق لخدمة للمملكة المغربية على الصعيد الخارجي، بدعوة الملك الدبلوماسية المغربية إلى "أن تتجند من أجل استثمار الصورة الجديدة التي رسخناها لدى الرأي العام الدولي لمغرب ديمقراطي وحداثي ملتف حول عاهله ومنارة للاعتدال والتسامح، وأن تعمل بجد ونشاط على استكشاف فضاءات جديدة للتعاون الاقتصادي وعلى تعميق البعد الاستراتيجي الذي من شأنه جعل المغرب الشريك النموذجي لكل البلدان في أفق شراكة إرادية وتضامنية مثلي وترسيخ المكانة الدولية للمغرب كقطب جهوي رائد وعامل استقرار وسلم في محيطه وفضاءاته المغاربية والعربية والإسلامية والأورو متوسطية والإفريقية والأمريكية والاستفادة القصوى من نظام العولمة والاندماج في الاقتصاد الشمولي والتقليل من أثارهما السلبية على تنميتنا وإعطاء علاقاتنا الخارجية نفسا جديدا".
وتطرق عبد الخالق إلى تحديد المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية عددا من الرهانات التي يواجهها المغرب على الصعيد الخارجي في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والبيئية، مؤكدا أن في كل تلك الرهانات تبرز أهمية الإعلام لجعله أداة لخدمة إشعاع المملكة في الخارج، ضمن استراتيجية شمولية للتواصل تهدف إلى صيانة صورة البلاد والدفاع عن مصالحها، بالتصدي لمغالطات الخصوم وغيرهم والتعريف بالتقدم الذي تحرزه في مختلف الميادين وتنفيذ سياسة ملائمة لعلامة المغرب، بإشراك السلطات العمومية والفاعلين الاقتصاديين والإعلام.
وأكد أن عمل الدبلوماسية الإعلامية انعكاسا لإنجازات الداخل على جميع المستويات، التي تسعى إلى إبرازها، لخدمة صورة المغرب الخارجية، مشيرا في هذ الصدد إلى خلاصات المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية في تقريره عن سمعة المغرب في العالم خلال سنة 2023،التي تضمن نقاط القوة والضعف في سمعة البلاد داخليا وخارجيا.
وخلص حسن عبد الخالق في درسه إلى أن نجاعة الدبلوماسية الإعلامية لبلادنا من أجل الترافع عن قضاياها الوطنية تتطلب تظافر جهود جميع القطاعات المعنية بمخاطبة الحكومات والمؤسسات الرسمية والقطاعات غير الحكومية والرأي العام في البلدان الأجنبية وأن يقوم كل عمل في هذا المجال على اعتماد الكفاءات البشرية وامتلاكها العلم وقدرتها على استخدام أدوات التواصل الحديثة ، بما يخدم الرسالة الإعلامية في الخارج.
ودعا إلى أن تتوفر بلادنا على نظام لليقظة، للدفاع عن قضية وحدتنا الترابية ورصد ما ينشر على بلادنا في الخارج، للمبادرة إلى تصحيح المغالطات التي يروجها خصوم بلادنا وتعزيز ما يتراكم من صورة إيجابية عنها.