هذا الكلام لسائق طاكسي بالبيضاء حكته لي مَهَا منذ أيام. واظاف الرجل وهو في الستين من عمره: " الجميل أنهم كايْلعبو الكرة وَكَيْتَهَلاوْ في راسهم، بحال البنات لي في سنهم (يحافظن على انوثتهن).
هاتان الملاحظتان في غاية الدقة والأهمية. وهذا الرجل ذكرني بنقاش بسييط يعود لاواخر الثمانينات بمقر عملي بالمحكمة الابتدائية بوزان. وكانت المناسبة هي تنشيط بعض السيدات القادمات من الرباط لندوة حول "قضايا حقوق المرأة والبناء الديمقراطي بالمغرب " من تنظيم جمعية الوعي الثقافي العريقة -والتي كنت عضوا بمكتبها المسير -بتعاون مع جريدة 8 مارس الشهيرة. ونظرا لجودة العروض المقدمة وحجم الحضور في امسية اللقاء بدار الشباب، ففي اليوم الموالي أصبح أهل وزان، لا حديث لهم بالمقاهي والمنازل والمدارس، وكذالك بالمحكمة إلا عن "سيدات مثقفات، نساء بالف رجل، لا يخشون في قول الحق لومة لائم، ويسمون الاشياء بمسمياتها ويقدمن تحليلا سلسا ومقنعا".
إلا أن موظفا اربعينيا كاتبا للضبط -معنا بالمكتب -كان يستعد للدخول إلى جلسة الجنحي التَلَبُسي بالمحكمة. توقف وهو يلبس بذلته المهنية قائلا بلهجة أهل الشمال: "اخاي ديالي الندوة كانت مضخمة ومفيدة وهاديك الهضرة لي قالوا ذاك النسا ما يقدرش يقولوها حتى الرجال. ولكن شوفتي اخاي ديالي، مثقفات وفاهمات وقاريات غِيرْ هُمَا لباسهم عادي غير السروال ديال الدجين، والجاكيتات ديال الجلد، والكوفية ديال فلسطين. إِيوا لاواه أخاي خصهم يديوها فراسهم شويا “.
لعل ما يجمع ما حكته لي ابنتي وما عشته قبل 35 سنة هو ان المرأة عندما كانت تقتحم الفضاء العام الذين كان الرجل يصول ويجول فيه وحده. سواء كان شارعا عموميا أو حزبا سياسيا أو نقابة مهنية او جمعية حقوقية او حتى ملعبا رياضيا أو زنقة براس الدرب. كان عليهن أن لا يكونن كباقي النساء من جهة ويكتفين بالانجاب وتربية الاطفال والجري يوم الاحد بالشاطئ أو الغابة، وحجز مواعيد هنا وهناك ،وانتظار سي السيد، ومن جهة اخرى التاكيد انهن لسن اقل صلابة من زملائهم الرجال وانهن ليست "غِيرْ عيالات" وطبعا كان هذا يتلاءم مع اجواء تنامي الفعل الحقوقي ببلادنا، وفي عمقه الحركة النسائية المغربية. التي كانت في اشد مراحل عطائها، ولعل صدور جريدة 8 مارس في تلك الفترة كان منعطفا حاسما في مسارها حيث كانت تجربة صحفية متفردة ساهمت في تشكيل الوعي الحقوقي ببلادنا واستطاعت أن تستقطب أسماءا من مختلف التيارات السياسية والفكرية وهو ما لم تستطع أي حركة أخرى فعله كما اصبح للحركة قيادة نسائية ،انتبه اليها المغفور له الحسن الثاني رحمه الله بنباهته المعهودة. فاستقبلهم في 29 شتنبر 1992 واستمع الى مطالبهن، بعدما كن قد اطلقن حملة وطنية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية.
وبالعودة إلى كرة القدم النسوية، فلابد من التذكير انها ليست وليدة الأمس ففي سنة 1881 جرت مباراة مابين الفريق الانجليزي والفريق الاسكتلندي حضره أكثر من اربعة الالاف متفرجة ومتفرج ب Edimbourg وبعد ذالك اصبح لعب مبارة لكرة القدم بالنسبة للمراة الانجليزية يشكل موقفا سياسيا، ودعما لحركة suffragettes المطالبة بحق النساء في التصويت والمشاركة السياسية، وكانت لاعبات كرة القدم مناضلات من الفئات الوسطى أو الارستقراطية حتى .كما هو الشان بالنسبة لنادي British ladies الذي اسسته الروائية Florence Dixie. وبذالك تكون المراة قد اقتحمت الملاعب الرياضية قبل اقتحام مبنى البرلمان ومقر الحكومة .
أن ما قاله سائق سيارة الاجرة بالبيضاء يلخص التصالح والانسجام ما بين الجسد والفضاء العام الذي دافعت عليه فاطمة المرنيسي رحمها الله ولطيفة اجبابدي اطال الله في عمرها واخريات، وهاهي خديجة الرميشي وشيماء المرتجي، وزميلاتهن في الفريق الوطني سيدات، يركضن بملاعب الوطن والعالم وكلهن قوة وأناقة.