منذ تقريبا ثلاث سنوات عرف العالم على المستوى التكنولوجي ما يصطلح عليه بالذكاء الاصطناعي، أي كم هائل من المعطيات والمعلومات عن طريق مايسمى ب Chat GPT في للإجابة عن الأسئلة وكتابة المقالات، ويعتمد في ذلك على كل المعارف المتاحة.
والسؤال الذي يطرح هل الذكاء الإصطناعي يمكن استعماله والاستفادة منه في كل العلوم بما فيها العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية والعلوم الإجتماعية؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن ما يميز الذكاء الاصطناعي هو أنه يجيب على كل الأسئلة وبسرعة كبيرة، الأمر الذي ليس متاحا للفكر الإنساني الذي يتطلب منه تناول موضوع معين البحث وجمع المعطيات والمعلومات وتصنيفها وترتيبها مع استعمال المناهج العلمية والتحليل والنقد .
وعليه فهذه العملية تتطلب من الباحث والعالم وقتا طويلا، الأمر الذي يختلف تماما عن الذكاء الإصطناعي الذي يتميز بالسرعة في الإنجاز والإجابة التي قد لا تتطلب أحيانا أكثر من خمس او عشر ثوان.
من هذا المنطلق، يكون السؤال مشروعا حول ما إذا كانت أجوبة الذكاء الإصطناعي دائما صحيحة؟
إن إجابات الذكاء الإصطناعي هي في الأساس مبنية على المحتويات من المعلومات والمعطيات الموجودة في محركات البحث كغوغل وغيرها. وهذه المعلومات تظل مرتبطة بوجهة نظر من نشرها على هذه المحركات، وحتى وإن كانت لأحد العلماء أو الباحثين يجب ألا ننسى أن العلم مبني على النسبية وليس الحقيقة المطلقة.
ثم إن هناك سؤال ثاني ليس أقل أهمية، وهو: هل يمكن أن يستغني الذكاء الإصطناعي عن الفكر البشري، أي الذكاء البشري ؟
إن القول بأن الذكاء الإصطناعي سيحدث ثورة عالمية في المجال العلمي هو خطأ أصبح شائعا في يومنا هذا، ذلك أن من أحدث ثورة في العالم في المجال العلمي هو الإنسان نفسه، الذي أعطاه الله قوة في الفكر وبسطة في الجسم وجعل له الله عقلا لامثيل له قابلا للتطور والتنمية الفكرية الى درجة لاحدود لها.
إن الانسان هو من أحدث الذكاء الإصطناعي، ولا نقول خلقه لان الخلق يتصف به الله وليس الإنسان ،وبالتأكيد أن من أحدث الشئ قادر ان يتحكم فيه وفي استعماله ، بضاف إلى ذلك ان ما يميز الفكر البشري هو التطور والتفاعل الذي يظل غائبا على الذكاء الإصطناعي، الذي يظل محصورا بما يستقبله من الأسئلة والإجابة عنها حسب ما هو متاح في محركات البحث والمنصات .
فالتفاعل الذي أتحدث عنه هو ذلك التفاعل الإنساني المبني على المشاعر والعواطف التي تميز الإنسان بحكم طبيعتة الإنسانية والتي تدفعه إلى الفعل أو الإمتناع .
زد على ذلك أن الذكاء الإصطناعي معرض لارتكاب الأخطاء والوقوع فيها .فالمعلومات المتوفرة للذكاء الإصطناعي هي في الأصل افكار الإنسان ومصدرها الإنسان، ونحن نعلم أن الظاهرة الإنسانية لا يمكن التحكم فيها والمعلومات ليست بالضرورة دائما صحيحة .
إن الذكاء الإصطناعي لا يمكن إنكار أهميته اليوم وهو في تطور دائم بفضل الإنسان ولما يعطيه له الإنسان من أهمية، ويمكن للذكاء الإصطناعي ان يلعب دورا مساعدا للإنسان، ولا يمكن أن يحل محله فهو قد يساعد في حل مشكلات موجودة أو يقلص من مدة إنجازها لكن لايجب ان يغيب عنا أن الإنسان هو من يبرمجه ويتحكم فيه.
إن الذكاء الإصطناعي أصبح ذا أهمية بالغة اليوم يستعين به الباحث في كل العلوم ورجل الإدارة والسياسة وفي العديد من المجالات لكن يظل مساعدا يوفر الوقت والمعطيات التي لا بد من التأكد من صحتها و لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يغني عن الفكر الانساني مهما وصل من التطور .
فمسألة استعمال المناهج العلمية والدراسة المقارنة والنقد العلمي والإستنتاجات العلمية تظل عناصر أساسية من الصعب أن يقوم بها الذكاء الإصطناعي بموضوعية،لأنه يجيب بناء على ما توفره محركات البحث والمنصات الإلكترونية..
الدكتور المصطفى قاسمي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
بجامعة الحسن الأول سطات
رئيس مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية