مساء العاشر من دجنبر 2020، فوجئت مثل الغالبية بتغريدة دونالد ترامب التي يعلن من خلالها عن اتفاق ثلاثي تعترف من خلاله الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء ويلتزم المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل.
كنتُ مع هذا القرار انطلاقاً من خلفية حل القضية الأولى للمغاربة وهي الصحراء بأي ثمن، اعتقاداً مني أن اعترافاً أمريكيا-إسرائيلياً من شأنه أن يجر وراءه الغرب لاعتراف مماثل يؤدي في المحصلة لحل نهائي لملف الصحراء. أعترف أني كنت مُخطئاً.
فأيام قليلة بعد ذلك، غادر ترامب الحكم و جاءت إدارة بايدن لتتلكأ بعدم الإفصاح بوضوح بشأن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء بحيث عادت أمريكا خطوة للخلف بالإكتفاء بالحديث عن "حل سياسي" و جمدت قرار فتح قنصلية بالداخلة. في نفس الوقت، ظلت إسرائيل صامتة بشأن التزامها بالإعتراف بمغربية الصحراء مدة ثلاثين شهراً حتى أعلنت مؤخراً عن اصطفافها مع الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي.
وقبل هذا الإعلان الذي جاء بارداً عبر تغريدة أكثر برودة، كانت إسرائيل تُمعن في دوس بنود الإتفاق الإبراهيمي بالأقدام متناسية التزامها اتجاه المغرب والإمارات والبحرين بإيقاف الإستيطان واحترام العيش الكريم للفلسطينيين والمضي قدماً اتجاه تفعيل حل الدولتين. بقيت إسرائيل وفية لمبادىء الدولة المارقة، بتقتيل الفلسطينيين والتنكيل بهم بمناسبة وبدون مناسبة واستمر الوزراء المتطرفون بتصريحاتهم الفاشية وهو ما جعل حماسي للتطبيع يتراجع ويفتر، لأن هكذا تصرف واستفزاز فيه احتقار صريح لكل الموقعين مع الكيان الصهيوني.
وبعد طوفان الأقصى تبين لي أن هذا الكيان لا يمكن إلا أن يعيش على عنصريته و على مآسي الفلسطينيين و بتجريد أصحاب الأرض من أبسط حقوقهم و دفعهم للهجرة خارج فلسطين و عند الحاجة (أو لا) تقصفهم بآلاف الأطنان من القنابل و الصواريخ و تسوي البنايات مع الأرض و تدفن الآلاف أحياءً و تقطع عن ما تبقى من الأحياء الماء و الكهرباء و الغذاء .. ولولا أن الأكسجين هبة من عند الله لقطعه الإحتلال الصهيوني.
بعد هذا المشهد الدرامي و الذي لا يمكن لبشر عادي أن يقبل به و يستسيغه، قطعتُ كل أمل مع "التطبيع مع هذا الكيان بأُفق حل الدولتين". لهذا أعتبر أن عِقدَ التطبيع مع هذا الكيان قد انفطر و أنه لا يُمكن و ضع اليد في اليد مع دولة مارقة و أن اتفاقات أبراهام قد تحطمت مع جرائم الدموي نتنياهو و وزرائه المتطرفون الذين يتنفسون وحشية مقيتة. طوفان الأقصى أحيى القضية الفلسطينية و أحيى فينا روح الإنتماء لهذه الرقعة العزيزة و أعاد إلينا قوميتنا الضائعة و كان كوخز الإبر الذي ذكرنا بيوميات الجحيم التي يعيشها إخواننا بالقطاع و الضفة.
وهكذا عبر الشارع العربي والمغربي في أغلبيته الساحقة على وقوفه بجانب المقاومة المغوارة وضد المحتل الغاشم، و لعلها قطيعة نهائية، ونحن نعيش يوماً بعد يوم ما يتعرض له إخواننا من مذابح أمام عجز دولي مخزي، قطيعة شعبية مع هذا الكيان المجرم و كل ما يأتي منه ومن حوله ومن يُواليه. فحتى تقوم دولة فلسطين الحرة، لا يمكن بحال من الأحوال منح هذا الكيان الغاشم ذرة ثقة ولا يمكن منحه جرعة لفك عزلته ولا التعامل معه بأي شكل من الأشكال.
رحم الله شهدائنا بفلسطين الأبية.
وأعان الله المقاومين الأشاوس..
وإنها لثورة حتى الإنتصار على الدولة المارقة المجرمة.