الصادق العثماني: الصناعات الحربية.. الطريق إلى الموت والدمار والشتات

الصادق العثماني: الصناعات الحربية.. الطريق إلى الموت والدمار والشتات الصادق العثماني
لاخير في أي صناعة تكنولوجية إذا كانت ستستعمل في قتل الإنسان وتشريده وخراب بلاده وأرضه ومسكنه الذي يؤويه..خلال آلاف السنين كانت تأتي الأنبياء إلى الأرض من أجل تنبيه البشر وهدايته إلى الخير والصلاح والفلاح.."وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.." ، ومع ذلك كانت الأمم تواجههم بقوة وتسخر منهم؛ بل وتحاول قتلهم، ولهذا لا يمكن القول بأن البشر قد نجحوا في خلافة الأرض وإعمارها على المدى المنظور لنا على الأقل، صحيح أن فيلسوفا مثل أفلاطون تحدث عن " المدينة الفاضلة " التي وجدت قبله بآلاف السنين، والتي يعتقد أنها حضارة أطلانطس التي كانت تسودها الحكمة والسكينة شيئا ما، لكننا -للأسف- لم نشهد عبر التاريخ البشري إلا الحروب الضارية والصراعات الهمجية، ولهذا يمكن القول إن الجانب المظلم في النفس البشرية ( الشر= الشيطان) هو المسيطر الآن والمهيمن في السياسة والحكم والاقتصاد والعلاقات الأسرية والدولية والمعاملات المالية والتجارية.. وقلة قليلة هي التي تنجو دائما من حبائله؛ أي من حبائل الشر والشيطان، يقول سبحانه: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" . وفي هذا السياق يؤكد الفيلسوف "إدغار موران" أن المستقبل يفترض مسبقًا "الاعتراف بكل أشكال الهمجية" لأن "التفكير في الهمجية يعني البدء في مقاومتها"، ولهذا إذا كانت التكنولوجيا المعاصرة لا تنعكس على المعنى والقيم، فضررها أكثر من من نفعها، وبالتالي ففيها إثم كبير ومنافع لبعض الناس وخصوصا أصحاب تجار الحروب والسلاح..عندنا في الفقه الإسلامي قاعدة مهمة وهي: " المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة". فالمصلحة العامة هي كل أمر فيه تحقيق لصلاح الأمة والبشرية عامة سواء بجلب النفع أو بدفع الفساد، دون التحيز للأحوال الفردية، ويتم تعريف المصلحة العامة بطريقة أكثر وضوحاً وتحديداً، بأنها حفظ مصالح الناس الرئيسية، وتشمل كل ما يحقق النفع التام ودفع الضرر عن الأمة والبشرية جمعاء، لهذا يجب التفكير من جديد في وظائف أخرى للعقل، وهي التفكير في الأخلاق..التفكير في التربية..التفكير في القيم الإنسانية الكونية..؛ لأن الهمجية والبربرية والوحشية المعاصرة إن ما تستهزئ به هو كرامة الإنسان وعرضه وشرفه..فمن واجباتنا اليوم إعادة التفكير وبناء أخلاق كونية، وهو في الحقيقة مطلب مهم، من أجل مواجهة مثل هذه الجرائم النكراء التي نشاهدها صباح مساء عبر القنوات الفضائية العالمية.
 يقول: "إدغار موران" أن ثقافة القرن العشرين ولدت الهمجية ولا يمكن معالجتها الا بترياق ثقافي..وأنا أقول: لا يمكن معالجتها إلا بالعلم النافع والتربية والتزكية والأخلاق الحميدة، ومن خلال هذه القيم يمككنا أن نعيد البشرية اليوم إلى رشدها، فهذا مشروع قرآني وإنساني عظيم  يتعين القيام به قبل فوات الأوان، يقول سبحانه: " هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ" .
وختاما، يجب على عقلاء العالم ومنظماته الحقوقية والسياسية والإجتماعية والثقافية والدينية وجميع الدول التواقة إلى العدل والحرية والكرامة والسلم والسلام والأمن والأمان أن يقوموا لله قومة واحدة للتعبير عن إدانتهم عن شكل ونوعية هذه الحروب المعاصرة الوحشية المدمرة التي أصبحت متجاوزة وغير مجدية في حل الخلافات والنزاعات بين الأمم والشعوب اليوم؛ بحيث أصبح الأبرياء العزل من المدنيين والأطفال والنساء والعجزة والمرضى وقودها وحطبها؛ لهذا أطالب الأمم المتحدة وأهل الحل والعقد فيها بتجريم هذه الحروب البربرية ومنعها، مع إغلاق جميع الشركات الدولية المصنعة للسلاح والعتاد الحربي كيفما كان نوعه خفيف أم ثقيل، كما نطلب من رجال الدين (مسلمون- مسيحيون- يهود..) في العالم بإصدار فتاوى تجرم وتحرم الحروب؛ لأنها أصبحت خطرا وضررا على البشرية جمعاء، ودين الله تعالى يحرم الضرر والظلم والجور والتعدي والإفساد في الأرض، والحروب اليوم أصبحت من عوامل وأدوات الإفساد في الأرض،  وهذا يتنافى والقيم الدينية التي جاء بها أنبياء الله ورسله منهم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، يقول تعالى "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.. " والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
 
الصادق العثماني/ باحث في الفكر الاسلامي وقضايا التطرف الديني- البرازيل