أبوالمجد عبدالجليل:أزمة التعليم في المغرب تتفاقم

أبوالمجد عبدالجليل:أزمة التعليم في المغرب تتفاقم أبوالمجد عبدالجليل
يشهد المغرب حالة احتقان اجتماعي بسبب التعليم، القطاع الذي أنهك المجتمع برمته، إنه ثاني قطاع بعد الصحة، يشغل بال الإنسان المغربي ويستنزف جيبه ويفقره ويقض عليه مضجعه، إذ لم يعرف قطاع التعليم إلا التدهور منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وظل في منحنى تنازلي عبر توالي السنوات. فما هي الأسباب الحقيقية لأزمة التعليم بالمغرب؟ ومن المسؤول عن أزمته؟ وهل تصلح الدولة ما أفسدته الحكومات؟
التعليم بالمغرب سؤال مقلق للغاية. لكن قبل النظر في مشاكل التعليم المتفاقمة، لابد من البحث عن أسباب أزمته، ومعرفة السياسات والأساليب التي تم إتباعها، وأدت مخرجاتها إلى تلك النتائج المحبطة، في مسيرة الوطن ومستقبل أبنائه.
بداية نشير إلا أن المشكل ليس وليد اليوم، فهو يعود إلى الستينيات من القرن الماضي، حيث في سنة 1961، قدم المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليانCharles-André Julien ، أول عميد الكلية بالمغرب، استقالته من عمادة كلية الرباط، لأسباب يذكرها في رسالة استقالته منها: تفشي الارتجالية ونقص الجودة المصاحب بالفشل، كما نبه أن مشروع التعريب الذي احتضنه حزب الاستقلال، يفتقد للأخلاقيات المهنية والاستراتيجية، كما حذر شارل أندري جوليان، من أن التعريب سيخلق طبقتين اجتماعيتين، طبقة الصفوة، ستختار التعليم الفرنسي. وطبقة عامة ستكون مقيدة بتعليم معرب سيء التنظيم.
ما تنبأ له شارل أندري جوليان من الوضعية السيئة للتعليم، نعيش نتائجه اليوم في الطبقية المقلقة واستمرار الارتجالية والأحادية في الاجراءات التي تقوم بها الحكومات، بينما المشاكل، هي في الأصل بنيوية تخص المنظومة، والتي تستلزم حلولا واقعية جماعية تتدخل فيها جميع الأطراف من تربويين وإداريين وباحثين وسياسيين وخبراء من الداخل والخارج.
صحيح قد كان التعليم العمومي في وقت ما، خلال فترة الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، مفخرة جل المغاربة، حيث وفّر أطر هامة ساهمت في إرساء قوام الدولة الحديثة، وكان أغلب هؤلاء الأطر والتقنيين والمثقفين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة، وأحيانا من أوساط ريفية، مكنتهم المدرسة العمومية من مجانية التعليم وفتحت لهم ابواب المنافسة على أساس القدرات الذهنية والفكرية دون تأثير من أصولهم الاجتماعية والطبقية.
أما اليوم، يشكو التعليم العمومي من مشاكل أعمق بكثير من مشكلة التمويل، أزمة التعليم بالمغرب هي أزمة أسر تبحث بكل السبل عن النقط والمعدلات المرتفعة لانتقاء أبنائها في مباريات المدارس والمعاهد العليا، وهي أزمة ضمير فرقاء العملية التعليمية من طاقم تربوي وإداري وتنظيم نقابي، وهي أيضا أزمة حكامة تتلخص في سوء تدبير الأموال المتحصل عليها من دافعي الضرائب، أضف إلى ذلك التعليــم الخصوصــي هو الآخر، بشقيه الابتدائي والجامعي، غــرق في التســليع والتبضيــع، لدرجــة لــم يعــد هنــاك مــن فــرق بــين المضاربة في العقــار، والمضاربة في التعليــم. وهكذا أصبح التعليم ذو الجودة الذي يفتح الباب للمستقبل حكرا على أبناء الميسورين وإلى حد ما الطبقة الوسطى.
أما الفقير المعدم ومحدود الدخل كحال معظم مواطني المغرب الذي يصبو لمستقبل أفضل لأبنائه، فلا يجد لأبنائه أمامه إلا التعليم العمومي أو مجبرين على ترك المدرسة والتوجه إلى سوق العمل (عمالة الأطفال). وهذا أشد أنواع الظلم الاجتماعي.
وهكذا اعتبار التعليم كسلعة تباع وتشترى، وتخضع لمنطق العرض والطلب، تعد خلل اجتماعي عميق بالمغرب، في حين أن في الدول-التي تؤمن أن لها دورا حضاريا فاعلا-فالتعليم ليس سلعة، ولا نشاطا استثماريا، ولا مصدرا للدخل الوطني.
وختاما، المطلوب من الدولة وبصورة عاجلة، معالجة موضوعية للأزمة التي يمر بها النظام التعليمي. فالأسباب واضحة، والمعالجة واضحة، لتكون نتيجة هذه المعالجة برنامجا إصلاحيا شاملا من خلال الوقوف عند جوانب مسببات هذه الأزمة، وباعتبار هذه المعالجة موضوعا اجتماعيا، وسياسيا يهم مستقبل المغاربة ومستقبل المغرب بشكل عام. خطوتان إيجابيتان قد يؤدي انتهاجهما إلى التخلص من كثير من مشكلات التعليم، وإلى مستقبل أفضل، ألا وهما التخلص من الفاسدين أولا، ثم ثانيا الاستثمار في الإنسان بالنظر إلى حقيقة أن المغرب يقع في قمة البلدان في تدهور التعليم كما تشير المؤشرات. وعليه فصرف الميزانيات الضخمة دون أي مراقبة قوية ومتابعة لتلك الخطط، ودون محاسبة لمن يضع خططا فاشلة طبقا لمقولة عفا الله عما سلف ستكون له عواقب وخيمة على المغرب. فلماذا لا يحاسب وبأثر رجعي من خرب التعليم واختلس الأموال ودمر الأجيال؟
وباختصار نظام التعليم بالمغرب بحاجة ماسة لإصلاح عميق، وإذا ترك الأمر على ما هو عليه الآن فالأعوام المقبلة ستكون سوداء.